إذا كان حصار غزة يضر بمصر مثلما يضر بأهل غزة، فلماذا إذن تقيم مصر إنشاءات هندسية تحت الأرض علي حدودها مع غزة؟ هذا هو السؤال الذي أثاره البعض منهم بحسن نية ومنهم بسوء نية.. وهو سؤال لا يكفي للإجابة عنه أن هذه الإنشاءات الهندسية تقام علي أرض مصر وليس خارجها وأنها من حقوق السيادة لها.. كما لا يكفي للإجابة عن هذا السؤال القول أيضا أنها منشآت عسكرية تتعلق بأمن الحدود ولا يمكن الإفصاح عن طبيعتها أو تفاصيلها.. كذلك لا يكفي أيضا الإجابة عن هذا السؤال بمجرد نفي ما أذاعته صحف إسرائيلية حولها خاصة ما أطلقته من اسم علي هذه الإنشاءات بأنها جدار فولاذي تحت الأرض يخترق الأنقاض التي حفرها الفلسطينيون تحت الأرض، أو الإدعاءات التي تقول إن الدولة المصرية تقيم هذه الإنشاءات بمساعدة أمريكية وبترحيب إسرائيلي. نعم أي إنشاءات داخل الأراضي المصرية هي حق من حقوق السيادة لا ينازعها فيها أحد.. ونعم أيضا هذه الإنشاءات ذات الطبيعة الأمنية يتعين أن تكون غير علنية.. كل ذلك مفهوم.. لكن المفهوم أيضا أن هذه المنشآت الهندسية تقام في مكان وتوقيت وظروف كانت تقتضي قدراً من الإفصاح المبكر عن الهدف منها لإزالة أي لبس حولها أو تشويه متعمد لها، أو استخدامها لنثر إدعاءات كاذبة حول سياسة مصر من قبيل أنها تشارك الإسرائيليين في حصار أهل غزة. ولعل الخطأ الأول الذي وقعنا فيه أننا لم نتحدث عن أخطار الأنفاق التي حفرها بعض الفلسطينيين في قطاع غزة بعلم قادة حركة حماس التي تسيطر علي القطاع.. فهذه الإنشاءات الهندسية تستهدف هذه الأنفاق.. كان يجب أن يعرف الناس داخل مصر وخارجها أن هذه الأنفاق تضر بمصر وأمنها، حتي لا يرتفع صوت باسم الدين ليصيح بأن هذه الأنفاق شرعية أو حلال. لقد تركنا الإسرائيليين والفلسطينيين ليتحدثوا عن هذه الأنفاق.. الإسرائيليون يتهموننا بتهريب السلاح منها إلي غزة.. والفلسطينيون يتحدثون عن أعداد الأنفاق وأنواعها وتجارتها.. أما نحن فقد اكتفينا بالصمت الغريب، رغم أن هذه الأنفاق محفورة تحت أراضينا مثلما هي محفورة تحت أراضي غزة. لم نكشف ماذا كان يتم تهريبه خلال هذه الأنفاق من أسلحة ومتفجرات ومخدرات وعناصر إرهابية إلي داخل مصر.. ولذلك بدت هذه الأنفاق كأنهامجرد وسيلة فقط لنقل البضائع والسلع من داخل مصر إلي داخل غزة التي يعاني أهلها حصارًا بشعًا.. كان لدينا الكثير والكثير من المعلومات المثيرة لاستفزاز مشاعر أي مصري أو أي عربي حول هذه الأنفاق.. عددا واستخدامًا.. ولكننا أمسكنا عن هذه المعلومات، لذلك بدا أمر هذه الإنشاءات الهندسية غير مفهوم خاصة لبعض الأشقاء العرب، وهو ما استغله الذين كانوا يريدون عمدا تشويه السياسة المصرية وحصارها بالاتهامات الزائفة حول مشاركتها في حصار غزة. لقد قال صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري إن الإسرائيليين الذين بادروا بالكشف عن الإنشاءات الهندسية المصرية علي حدودنا مع غزة يستهدفون دق إسفين في علاقة مصر بأهل غزة، وهو معه حق.. ولكن الحق أيضا أننا نحن الذين منحناهم هذه الفرصة أولاً: حينما تركنا الإسرائيليين ليقوموا بذلك، وثانيا: حينما لم نشرح للناس خطورة الأنفاق التي تجري تحت أرضنا عند الحدود مع غزة. وأعتقد أنه حان الوقت، وإن كان قد تأخر، ليخرج علينا مسئول وليس صحفيا أو إعلاميا ليتحدث عن هذه الأنفاق.. عددها.. واستمرار حفرها.. وما تمكن الإسرائيليون من هدمه.. وكيف أن هذا العدد يزيد ولا ينقص.. ونوعية هذه الأنفاق.. وماذا يتم تهريبه منها.. واعترافات متهمين في تهريب مخدرات منها.. واعترافات المتهمين في قضايا إرهابية عن تهريب متفجرات منها.. كل ذلك مهم ليعرف الناس لماذا إغلاق هذه الأنفاق ضرورة. ونكمل غدًا إن شاء الله.