اعتمدت النظم السياسية خاصة الرأسمالية منها علي النظام الضريبي الذي يعتبر من أهم موارد الموازنة العامة كإيرادات حتي يمكن ومن خلال تلك الإيرادات مواجهة أبواب المصروفات وهي التي تشمل مع ما تشمل كل أنواع الخدمات العامة والتي تقدم للجماهير مثل التعليم والعلاج وما يماثلهما. ومن الطبيعي في بلد مثل مصر يمكن القول فوراً علي مواجهة ما يسمي بالدعم الذي يقدم علي صورة سلع أساسية مثل دعم الخبز وكل المواد التموينية التي تقدم للمواطن من خلال بطاقات التموين والطاقة وخلافه كما أن الضرائب كفلسفة وسياسة تقوم في الأساس بدور مهم وشديد الأهمية في عملية التوازن السياسي والاجتماعي الطبقي. أي أخذ وتحصيل الضرائب عن الأرباح المتحققة من أصحاب رءوس الأموال والأغنياء والقادرين وأصحاب الدخول المرتفعة لإحداث نوع من التوازن بين هذه الطبقة وبين الطبقات الفقيرة والمتوسطة وذلك دون الدخول فيما يسمي بالصراع الطبقي الذي هو سمة مازالت واضحة وضوح الشمس في كل النظم الرأسمالية بالرغم من كل الإصلاح الهيكلي الذي يتم علي تلك الأنظمة الرأسمالية وبإشراف المؤسسات المالية العالمية وعلي رأس تلك المؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ولإحداث ذلك التوازن ومن خلال العملية الضريبية فقد وصلت نسبة تحصيل الضرائب في كثير من الدول الرأسمالية إلي ما يقارب الخمسين في المائة من صافي الأرباح. فما هي حكاية الضرائب في مصر في عهد السيد بطرس غالي أشهر وزير مالية علي مستوي العالم وأحد مهندسي صندوق النقد وأيضا أحد تلاميذ هذا الصندوق حيث قضي سنوات ليست بالقليلة وهو يعمل ويتشرب سياسات الصندوق والبنك الدولي وكل الأسس الرأسمالية العالمية مع العلم أنه في عداء ظاهر وسافر مع المدعوة الاشتراكية أو قل العدالة الاجتماعية تعليماً ونشئاً وطبقة وعملاً وظيفياً. وحكاية الوزير بطرس غالي وفي إطار ما يسمي بالإصلاحات الهيكلية للنظام الاقتصادي المصري والذي تم بإرشاد ومتابعة المؤسسات الدولية للانتقال من النظام الذي كان يطلق عليه الاشتراكي إلي نظام السوق. كان ما يخص النظام الضريبي والذي كان ومازال من بنات أفكار بطرس هو تخفيض نسبة الضريبة إلي 20٪ كحد أقصي ويتساوي في هذا الجميع سواء كان موظفاً قديما يأخذ منه عشرين في المائة من جملة دخله السنوي مرتب وحوافز ومكافآت وخلافه مثله مثل أغني أغنياء مصر الذي يصل رأسماله إلي عشرات المليارات من الجنيهات والفرق بين الاثنين أن الموظف لا يملك إخفاء مليم واحد من دخله ويحاسب علي هذا الدخل بالمليم. أما رجل الأعمال أو الرأسمالي فلا أحد يملك الادعاء بمعرفة دخله بالتمام والكمال بالرغم من إمساك كل الدفاتر المحاسبية وغير المحاسبية ناهيك عن فرصة الإقرار الضريبي التي كانت تقدم لهؤلاء الأغنياء والذين كانوا يقومون ببيع مصانعهم ومؤسساتهم وشركاتهم بعد العشر سنوات لكي يقوموا بإنشاء بدل منها حتي يتم الإعفاء بعشر سنوات ضريبية أخري. والأهم هو أن هذا الموظف أو التاجر الأرزقي الذي يملك دكاناً أو كشكاً حتي نصل إلي بائعة الفجل لا يملكون التهرب من الضرائب التي عليهم حيث أنهم لا يملكون من أدوات المراوغة التي يجيدها الكبار بأموالهم وعن طريقة جوقة المحاسبين والمحامين الذين ينوبون عنهم في تلك المهمة. وأهم المهم هو قيمة الضرائب المتأخرة والتي لم تحصل من هؤلاء الرأسماليين والتي وصلت إلي مليارات تسبق في البقاء علي صافي عجز الموازنة العامة للدولة ذلك العجز الذي يسحب خلفه كل المشاكل الاقتصادية والكارثية التي يعيشها الاقتصاد المصري والذي تأتي نتائجها بلا شك علي رأس المواطن الفقير والذي يرمزون له بمسمي محدود الدخل والتي تقول فيه حكومتنا ما يقال وما لا يقال وهذا يعني أن الطبقة الفقيرة ذات الدخل الفقير الذي لا يسد الرمق عندما يستحق عليها تلك الضرائب تدفع خاصة أن الموظفين يتم خصم الضرائب منهم قبل حصولهم علي الأموال التي تستحق دفع هذه الضرائب. أما المصريون فمازالوا يتهربون من تلك الضرائب ولأن وزير المالية الأحق بشهادة عتاولة النظام الرأسمالي فقد كانت آخر إبداعاته الضريبية هي ما يسمي بالضريبة العقارية البطرسية وذلك نسبة إلي السيد بطرس غالي لحفظ حقه في الإبداع الفكري الضريبي. وتصريحات الوزير لتمرير هذه الضريبة هي أنها لن تحصل علي العقارات التي تقل عن نصف مليون جنيه وهو هنا يتناسي أن الهوجة الخطيرة التي اجتاحت العقارات في مصر ولأسباب كثيرة جعلت العقارات وأسعارها في مدار فلكي. فالشقة الآن في أسيوط وليس القاهرة قد وصلت إلي المليون جنيه ناهيك عن وصول تلك الأسعار إلي مراكز المحافظات مع العلم أن العقار الذي لم يصل الآن إلي نصف المليون فبعد السنوات الخمس الذي حددها القانون وإضافة نسبة الزيادة ستصل كل العقارات إلي أكثر من ذلك. وهذا يعني أن الخطة الاستباقية البطرسية تستهدف الجميع إن آجلاً أو عاجلاً أما العجب العجاب في القانون البطرسية هو تحصيل تلك الضريبة علي العقار الوحيد الذي يسكنه مالكه وهذا يعني أن مالك العقار والذي لا يقوم بتأجيره أو استغلاله أي لا يجني من وراء هذا العقار دخلاً يستحق ضريبة يقوم بدفع الضريبة البطرسية علماً بأن الضريبة أي ضريبة تكون مقابل الدخل فأي دخل للمالك الساكن في عقاره هل يقوم بتأجير العقار لذاته ويقوم بتحصيل الإيجار حتي يقدم للسيد بطرس تلك الضريبة؟ فكيف نضع هذا العبء علي الفقير الذي لا يملك سوي مرتب أو معاش لا يكفي شيئاً أو كان قد ورث ذلك العقار لأنه لا يملك شراءه أو لأنه وضع كل أمواله ومستحقاته الوظيفية في ذلك المسكن أي أنه حصاد عمره وهذا شيء ودخله الآن شئ آخر فمن أين يدفع تلك الضريبة؟ هل المطلوب هو مزيد من الأعباء علي غير القادرين حتي نفرغ فلسفة الضرائب من بعدها التوازني الطبقي وحتي نشعل صراع الطبقات ألا تكفي تلك الأعباء علي المواطن من زيادة الأسعار النارية والمستمرة بشكل شبه يومي وأعباء العلاج والتعليم والمواصلات ألا تكفي زيادة أسعار المياه والكهرباء وما يسمي برسوم النظافة التي تزداد معها كمية الزبالة التي أصبحت الآن مشكلة قومية؟ أليس في هذا عدم عدالة في توزيع الأعباء علي المواطنين وإذا كانت الموازنة ستظل في حاجة ماسة إلي مزيد من الإيرادات فلماذا لا ترفع نسبة الضرائب أكثر من عشرين في المائة علي المليارديرات الذين يتنقلون بطائراتهم الخاصة حول العالم؟ القضية أكبر وأعمق من تلك الضريبة البطرسية القضية قضية تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية يشعر بها المواطن الفقير بعد أن انتهت الآن الطبقة المتوسطة وأصبح الجميع فقراء حتي يعود الانتماء الحقيقي لمصر وتصبح مصر لكل المصريين وليس لبعضهم فقط.