الكثير من ردود الفعل، التي جاءت بالرفض والاستنكار لموقف اليمين المتطرف في سويسرا تجاه المسلمين هناك، الذي عبرت عنه نتيجة الاستفتاء الذي أجري الأحد الماضي، حيث رفض السويسريون بنسبة 57 ٪ بناء المآذن، فالفاتيكان ومعظم دول الاتحاد الأوروبي أكدوا رفضهم للاستفتاء، معتبرين ذلك ضد حقوق الإنسان وحرية العبادة والحكومة السويسرية علي لسان وزيرة خارجيتها صرحت بأن هناك مخاوف في أوروبا من المتشددين المسلمين ردود الفعل العربية والإسلامية تراوحت ما بين الدعوة لاتخاذ موقف موحد عقلاني لا يسيء للإسلام والمسلمين فيما كانت هناك بعض المواقف المتشددة التي تطالب بقطع العلاقات وطرد السفراء وحظر الصادرات والواردات.. إلخ. نعلم أنه بعد مضي نحو خمسة قرون علي خروج الإسلام من أوروبا وسقوط الأندلس، بدأ الإسلام من جديد في العودة لأوروبا، وبخاصة منذ منتصف القرن العشرين، ولقد اختلفت العودة الجديدة للإسلام إلي أوروبا عن قدوم الإسلام في المرة الأولي في منهجها وأسلوبها وأهدافها وفي أوضاع أوروبا والدول الإسلامية، ومن ثم أصبح المسلمون في دول المهجر خاصة الدول الإسلامية عامة وكذلك الدول الأوروبية والأمريكية يواجهون تحديا خطيرا يستدعي مواجهته باسلوب بناء وعقلاني، وبخاصة في اعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي ستظل تداعياتها في هذه الدول لسنوات وسنوات. وقد بدأ الوجود الإسلامي في أوروبا منذ أن وصل العرب في فتوحاتهم إليها، حيث فتحوا مدينة ناربون الفرنسية عام 716م ومدينة تولوز عام 721م، ومدينة ليون عام 726م، ومدينة بوردو عام 731م، ثم هزموا في مدينة بواتيه عام 736م، إلا أن الهزيمة لم تؤدي إلي جلاء كل المسلمين العرب عن فرنسا ثم إنه وبعد سقوط الأندلس لجأ أكثر من 150 ألف عربي ومسلم إلي جنوبفرنسا، وإبان الاحتلال الفرنسي لأفريقيا، استقدمت مجموعات عمالية للعمل في الصناعة وفي شق الأنفاق والطرقات وغالبيتهم من دول المغرب العربي "المغرب - الجزائر - تونس" ثم جاءت موجة الهجرة بعد الحرب العالمية الثانية وكانت مزيجا من الطلاب القاصدين التعلم في الجامعات والعمال القاصدين العمل رغم الظروف الصعبة التي كانت تضطرهم إلي الانفصال عن عائلاتهم مع ما يرافق ذلك من انفصال ثقافي يؤدي إلي تشتت ذهني وضياع اجتماعي ومعاناة من تلك النظرة الدونية التي ينظر بها إليهم حيث هم في أدني المراتب الاجتماعية. هذا في جانب فرنسا أما علي الجانب البريطاني فقد كان الوفود إليها كثيفا من شبه القارة الهندية نتيجة لطول الاحتلال البريطاني للهند، ونتيجة للتقسيم الذي تم بين الهند وباكستان الذي دفع بالكثير من الباكستانيين إلي الهجرة إلي بريطانيا، وفي البلقان ودول الاتحاد السوفيتي سابقا، فإن الوجود الإسلامي كان نتيجة الفتوحات العربية والإسلامية ونتيجة وصول التجار العرب والمسلمين إلي تلك الأصقاع مما أدي إلي تجذر الوجود الإسلامي تاريخا في تلك المنطقة. وحول أعداد المسلمين، فليست هناك إحصاءات دقيقة عن عدد المسلمين في الدول الأوروبية مجتمعة ولا عددهم في دولة معينة، وذلك لأن الإحصاءات هناك تتم بمعزل عن الدين، لكن هناك أرقاماً تقريبية تتراوح بين 25 مليون مسلم، حيث يقدر أن النسبة تقارب نحو 3.8٪ من مجموع سكان أوروبا في نهاية القرن الماضي، وبين 52 مليون مسلم حسب إحصاءات وكتابات أخري أي ما نسبته 6٪ من مجموع سكان أوروبا "عدد سكان أوروبا 705 ملايين نسمة". ففي فرنسا، حيث الجذور العربية للمسلمين هي الغالبة، فإن حجم الانتشار يفوق الستة ملايين مسلما مما جعل من الدين الإسلامي، الدين الثاني بعد الكاثوليكية في فرنسا، أي أن عدد المسلمين أكثر من عدد البروتستانت والأرثوذكس واليهود، وذلك ما دفع بالدكتور جيل كيبل مدير الدراسات في المؤسسة الوطنية للدراسات السياسية والمتخصص في شئون الشرق الأوسط والحركات الإسلامية للإعلان أن واحداً علي خمسة من السكان هو من أصل إسلامي، وقد جاء في احصاء عام 1993 أن عدد العمال في فرنسا من أصل أجنبي بلغ 1541500 عامل منهم 237400 جزائري و179500 مغربي و71000 تونسي و735000 تركي، كما قدرت منظمة اليونسكو أن نسبة المثقفين تقدر ب 15 ٪ من مجموع الجالية العربية المسلمة في فرنسا، هذا وقد قدرت المجموعة الأوروبية في تقرير لها عام 2001 صادر في بروكسل أن المهاجرين يساهمون ب 14.7 ٪ من الناتج المحلي في فرنسا، أما في هولندا فإن عدد المسلمين الهولنديين بلغ 800 ألف مسلم، وهم يمثلون أكبر أقلية في هولندا ولهم عدد من الأعضاء في البرلمان، وفي بريطانيا أدت حركة الاستشراق إلي التعرف إلي الإسلام من وجهات نظر متعددة فمن المستشرقين من هاجم الإسلام والمسلمين ومنهم من أنصفهم، وقد تدفقت أعداد المسلمين علي بريطانيا من شبه الجزيرة الهندية التي كانت توصف يوما ب "درة التاج البريطاني" ومن ماليزيا وإندونيسيا، ودول إسلامية أخري. وكانت غالبية هؤلاء من العمال فيما تميزت الهجرة العربية بالطابع النخبوي علي بريطانيا وتدل المؤشرات علي وجود نحو ثلاثة ملايين مسلم حاليا في الجزر البريطانية، يتمركزون أساسا في العاصمة لندن والمدن الصناعية الكبري، إلا أن مؤسسة "راتيميد" تقول إن عدد مسلمي بريطانيا بلغ في أواخر القرن العشرين المليون ونصف المليون نسمة، وقد وصل أحد المسلمين في مدينة جلاسكو الإسكتلندية "محمد سرور" إلي مجلس العموم البريطاني عام 1997 ليكون أول مسلم يشغل مقعدا نيابيا في تاريخ الحياة السياسية في بريطانيا، وفي ألمانيا ليس هناك رقم تقريبي لعدد المسلمين الذين قدموا بغالبيتهم من تركيا، لكن هناك نشاطاً إسلامياً أما في البوسنة والهرسك وألبانيا أي بلاد البوشناق والألبان، فإن عدد المسلمين يتجاوز السبعة ملايين، وظروفهم تختلف عن ظروف المسلمين في باقي البلاد الأوروبية، إذ أنهم من أصل السكان وليسوا من المهاجرين إليها حديثا، وهم عانوا طويلا إبان الحقبة الشيوعية، وإبان فترة انحلال الاتحاد السوفيتي حيث ارتكب الصرب المجازر بحقهم. للحديث بقية