لم يكن الشاعر الكبير إيليا أبوماضي الذي غيبه الموت في الرابع والعشرين من نوفمبر سنة 1957 شاعرا عاديا فهو من قبيلة الأفذاذ الذين ينطبق عليهم قول إيليا: إنما نحن معشر الشعراء.. يتجلي سر النبوة فينا. ينتمي إيليا إلي الرعيل الأول والأعظم من شعراء المهجر أولئك الذين هاجروا من الشام إلي أمريكا الشمالية والجنوبية هروبا من الاضطهاد التركي وبحثا عن الرزق واحتفظوا في الغربة بأوطانهم كأنها لم تبرح الذاكرة يوما أفادوا من المقام الجديد ثقافة مختلفة ذات مذاق متميز ومزجوا بينها وبين الموروث فأبدعوا نسيجا مختلفا يتسم بالكثير من العذوبة والشجن ويتطلع إلي آفاق إنسانية رحيبة بلا تعصب أو عصبية. جيران خليل جبران وإيليا أبوماضي وميخائيل نعيمة وغيرهم قدموا إبداعا لا ينسي في تاريخ الثقافة العربية الحديثة ولعل إيليا هو الأكثر انشغالا بهموم الوطن الأم وقضاياه وإذا كانت متطلبات الحياة وضغوطها قد أجبرته علي البقاء هناك فإن هنا حيث الموطن والمنشأ ظل ساكنا في أعماقه ليتجسد في شعره عبر ولع لا ينتهي بذكريات الطفولة والشباب وشجن لا يدرك أبعاده ويعيها إلا من يحكم عليهم قهرا بالنفي والاغتراب. إيليا هو من يخاطب لبنان بقوله وطن الخلود مستنكرا أن ينسي أو يندمج في وطن بديل لم يكن طائفيا مغلقا فالولاء كله للإنسان وفي قصيدته الشهيرة الطلاسم تساؤلات فلسفية لا أدرية عميقة تتجاوز الأديان والأجناس والثقافات وتعبر بروعة عن تلك الأشواق الغامضة التي تسكن في أعماق أي وكل إنسان في كل زمان ومكان. رحلة طويلة مع الشعر ونصيحة غالية نحتاج إلي استيعابها: أيهذا الشاكي وما بك داء.. كن جميل تر الوجود جميلا.