معارضة شعرية بين أمير الشعراء أحمد شوقى والشاعر "إبراهيم طوقان"..! عاش أمير الشعراء" أحمد شوقى" فى زمن كان فيه المعلم العربى مبجلا وشجاعا، وقد لاقى فى ذلك الزمن الجميل أوج الرعاية والاهتمام والاحترام من المسئولين عن العملية التعليمية وأولياء الأمور، وكل فئات المجتمع، فلم يكن المعلم فى عصره مطاردا من مرءوسيه الذين يكبلونه بأحمال تمنعه عن أداء واجبه كمعلم داخل الفصول، مثلما يحدث الآن، إذ راح المعلم يلهث حاملا حقيبة "التطوير" بما تحمله من أحمال وأوراق لو قضى عمره ما انتهى منها، أو ليلهث خلف أقسام الشرطة التى تطارده جراء شكاوى أولياء الأمور تحت دعاوى ضرب أبنائهم فى الفصول، أو ليلهث خلف البنوك منتظرا صرف راتبه - نتيجة "سلف القروض " وسدادها أو مترددا على بيوت الطلاب من أجل الدروس الخصوصية، وغير ذلك من صعوبات منعته من أداء واجبه فى رسالته المقدسة. وكتب أمير الشعراء قصيدته الشهيرة "قف للمعلم" اعترافا منه بفضل من علموه فى المدارس التى جعلت منه شاعرا مثقفا، ووطنيا بارعا، وكذلك اعترافا بفضل المعلم على البشرية كلها على مر العصور..! وأما الشاعر الفلسطينى "إبراهيم طوقان" فقد عارض قصيدة أمير الشعراء شوقى لأنه عاش التجربة بكل آلامها.. ! فماذا قال أمير الشعراء شوقى..؟ وبماذا عارضه الشاعر "إبراهيم طوقان"..؟ * أنشد أمير الشعراء أحمد شوقى فى مدح المعلم يقول : قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا .. كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذى .. يبنى وينشئُ أنفُساً وعقولا؟ سبحانكَ اللهمَّ خيرَ معلّمٍ .. علَّمْتَ بالقلمِ القرونَ الأولى أخْرَجْتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ.. وهديْتَهُ النورَ المبينَ سبيلا وطبعتَهُ بِيَدِ المعلّمِ تارةً .. صَدِىء الحديدِ وتارةً مصقولا أرسَلتَ بالتوراةِ موسى مُرشدا.. وابنَ البَتولِ فعلَّمَ الإنجيلا وفجرتَ ينبوعَ البيانِ محمّداً .. فسقى الحديثَ وناوَلَ التنزيلا ِ مِن مشرقِ الأرضِ الشموسُ تظاهرتْ .. ما بالُ مغربها عليه أُدِيلا يا أرضُ مُذْ فَقَدَ المعلّمُ نفسَه .. بين الشموسِ وبين شَرْقِكِ حِيلا ذَهَبَ الذينَ حمَوا حقيقةَ عِلمِهِم .. واسْتَعْذَبوا فيها العذابَ وبيلا سُقْراطُ أَعْطَى الكأسَ وهى مَنِيّةٌ .. شَفَتَى مُحِبٍّ يَشْتَهِى التَّقْبِيلا عَرَضُوا الحياةَ عليْهِ وهى غباوَةٌ .. فَأَبَى وآثَرَ أن يَمُوتَ نبيلا إنَّ الشجاعةَ فى القلوبِ كثيرةٌ .. ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا رَبُّوا على الإنصافِ فِتْيانَ الحِمى .. تَجِدوهُمُ كهفَ الحقوقِ كُهولا فهوَ الذى يبنى الطباعَ قويمةً .. وهوَ الذى يبنى النفوسَ عُدولا ويقيم منطقَ كلِّ أعْوَجِ منطِقٍ .. ويُريهِ رَأياً فى الأمورِ أصيلا وإذا المعلّمُ لم يكنْ عدلاً مَشَى .. رُوحُ العدالةِ فى الشبابِ ضئيلا وإذا المعلّمُ ساءَ لَحْظَ بَصيرةٍ .. جاءتْ على يدِهِ البَصائِرُ حُولا وإذا أتى الإرشادُ من سَبَبِ الهوى .. ومن الغرورِ فَسَمِّهِ التضليلا وإذا أصيبَ القومُ فى أخلاقِهم.. فأقِمْ عليهِم مَأتَماً وعَويلا ما أبعدَ الغاياتِ إلاّ أنّنى ... أجِدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيلا فكِلُوا إلى اللهِ النجاحَ وثابروا .. فاللهُ خيرٌ كافِلاً ووكيلا ******* * أما الشاعر" إبراهيم طوقان" فعارض قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقى بقصيدة يقول فيها : شَوْقى يقول وما دَرَى بمُصيبَتي.. قُمْ للمعلمِ وَفِّه التَّبْجيلا أُقْعُدْ، فَدَيْتُكَ، هل يكونُ مُبَجَّلا .. مَن كان للنشءِ الصغارِ خَليلا ويكادُ يَفْلِقُنى الأميُر بِقولهِ .. كادَ المعلمُ أنْ يكونَ رسولا لَوْجَرَّبَ التعليمَ شوقى ساعةً .. لقَضَى الحياة َشقاوةً وخُمولا حَسْبُ المعلمِ ذلة وكَآبةً .. مَرْأَى الدَّفاترِ بُكرَةً وأَصيلا مائةُ على مائةٍ إذا هى صلِّحَتْ .. وَجدَ العَمَى نَحْوَ العيونِ سبيلا ولَوْ أنَّ فى التَّصْليحِ نَفْعاً يُرْتَجَى.. واللهِ لَمْ أَكُ بالعيونِ بَخِيلا لكنْ أُصَلِّح غلطةً نحويةً ... مثلاً، وأتَّخِذُ الكتابَ دَليلا مُسْتَشْهِداً بالغُرِّ مِنْ آياتِهِ .. أو بالحديثِ مُفَصِّلاً تفصيلا وأغوصُ فى الشعرِ القديمِ وأنْتَقي .. ما ليس مُلْتَبِساً ولا مَبْذُولا وأكادُ أَبْعَثُ سِيبَوَيْهِ مِنَ البَلى.. وذَوِيهِ مِنْ أَهْلِ القُرونِ الأولى فَأرَى "حِماراً" بَعدَ ذلكَ كُله ِ.. رَفَعَ المُضافَ إلَيْهِ والمَفْعُولا لا تَعْجَبُوا إنْ صِحْتُ يَوْماً صَيْحَة .. ووقَعْتُ ما بينَ البُنُوكِ قَتيلا يا مَنْ يُريدُ الانتحارَ وَجَدْتَهُ.. إن المعلمَ لا يعيشُ طويلا