د. فايز أبو شمالة الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان كان قد عمل معلماً حين عارض الشاعر المصري أحمد شوقي، ورد عليه متوجعاً متصدعاً من التدريس، وقال له: شوقي يقول وما درى بمصيبتي، قم للمعلم وفه التبجيلا. أقعد فديتك، هل يكون مبجلاً، من كان للنشء الصغار خليلا؟. ويكاد يفلقني الأمير بقوله، كاد المعلم أن يكون رسولا. لو جرب التدريس شوقي ساعة، لقضى الحياة شقاوة وخمولا. حسب المعلم غمّة وكآبة مرأى الدفاتر بكرة وأصيلا. مائة على مائة إذا هي صلحت، وجد العمى نحو العيون سبيلا. ورغم هذا الشعر الذي يحاكي الواقع، ويحك على وجع الإحتمال، فإن المعلم يبقى مبجلاً بعلمه أولاً، وبقيمة عمله ثانياً، إذ يكفي المعلم أنه الوحيد الذي يتعامل منذ الصباح مع العقل البشري، وذلك على خلاف كل المهن الأخرى، ويكفي المعلم أنه ينظم خيوط النفس البشرية ليصنع منها سجادة الصلاة، ويطرز من روح الأجيال أفق الغد الذي يظلل الرجاء. ويبقى المعلم مبجلاً ما دام قادراً على سد رمق أسرته، أما إذا أرتفعت الأسعار، وإزدادت قيمة الأجرة والإيجار، وتشابكت في الذاكرة الأخبار التي تصف حياة عقيد أو عميد متقاعد في السلطة الفلسطينية، ويأخذ وهو نائم في حضن زوجته رواتب خمس مدرسين ، و غيرهم من المدرسين الذين يخرجون من الصباح إلى مدارسهم، يلهثون كل اليوم، ويقعون بين البنوك قتلى، كي يوفرا أدنى متطلبات الحياة الأسرية، فهذا ظلم متعمد من الجهات الغربية المانحة، ويهدف إلى تحقير التعليم والمعلم والمهندس والطبيب، وباقي المهن النظيفة الأخرى التي تحتاج إلى شهادة علمية، وخبرة إدارية، ونفس بشرية نظيفة ونقية. ويبقى المعلم مبجلاً إذا أرتقى درجة بمقدار إرتقاء العقل البشرى درجة على باقي أعضاء الجسد، وأنتبهت الحكومة الفلسطينية في غزة إلى ذلك، وسارعت إلى رفع رواتب المعلم كي تضمن له راتباً شهرياً لا يقل عن رواتب القضاة التي بلغت الآلاف، ولا يقل عن رواتب نظرائه المعلمين العاملين في الأونروا، ولا يقل عن رواتب جيش المدراء ورؤساء الأقسام الذين حصلوا على الدرجات الوظيفية دون شهادات علمية، ودون سنوات خدمة، ودون حاجة وظيفية لهم، تلك الوظائف التي ما زالت مهمتها شرب الشاي والثرثرة عبر الهاتف، وإنتظار إستمارة الراتب آخر الشهر بعطش وشوق. ويصير المجتمع مبجلاً إذا بجل معلميه، وأعطاهم ما يستحقونه من تقدير مادي يحفزهم على مزيد من الإخلاص المعنوي والتفاني، وتصير الحكومة مبجلة إذا أعطت المعلم بلا تردد كي يرد الجميل جيلاً ثائراً على الغاصبين متمرداً، ويصير الإنسان مبجلاً إذا لم يسخر من طاقة الآخرين، ويسخرها في عمل لا يوازيه بالأجر، فليكن أجر المعلم على قدر النتائج المرجوة من عمله، وعلى قدر ما يتمنى المجتمع أن يكون عليه مستقبل أولاده. أنقذوا المعلم قبل أن يصيح مع الشاعر إبراهيم طوقان صيحته الأخيرة، وهو يقول: لا تعجبوا إن صحت يوماً صيحة، ووقعت ما بين البنوك قتيلا يا من يريد الإنتحار وجدته، إن المعلم لا يعيش طويلا.