تعليم القاهرة تعلن مواعيد العام الدراسي الجديد 2025-2026 من رياض الأطفال حتى الثانوي    20 نوفمبر أولى جلسات محاكمته.. تطورات جديدة في قضية اللاعب أحمد عبدالقادر ميدو    عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025 بعد الارتفاع القياسي    المتهم باغتيال تشارلي كيرك يمثل أمام المحكمة لأول مرة (فيديو)    جوتيريش: ما يحدث في غزة مدمّر ومروع ولا يمكن التساهل معه    وسط إشادة بالجهود الأمريكية.. السعودية ترحب بخارطة الطريق لحل أزمة السويداء    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل وسط قطاع غزة    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    السعودية تجدد دعوتها للمجتمع الدولي إنفاذ القرارات الدولية وتنفيذ حل الدولتين    إيران: أمريكا لا تملك أي أهلية للتعليق على المفاهيم السامية لحقوق الإنسان    أكلة فاسدة، شوبير يكشف تفاصيل إصابة إمام عاشور بفيروس A (فيديو)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس : انخفاض درجات الحرارة وسقوط أمطار    دون إصابات.. انقلاب سيارة نقل "تريلا" بالطريق الزراعي في القليوبية    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في حادث تصادم موتوسيكل وسيارة نقل بمركز بدر بالبحيرة    الصورة الأولى للشاب ضحية صديقه حرقا بالشرقية    السيطرة على حريق هائل نشب بمطعم الشيف حسن بمدينة أبوحمص بالبحيرة    محافظ جنوب سيناء يشيد بإطلاق مبادرة «صحح مفاهيمك»    أسعار الخضار في أسوان اليوم الأربعاء 17 سبتمبر    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الاربعاء 17-9-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    خبير أمن معلومات: تركيب الصور بالذكاء الاصطناعي يهدد ملايين المستخدمين    رئيس جامعة المنيا يشارك في اجتماع «الجامعات الأهلية» لبحث استعدادات الدراسة    د.حماد عبدالله يكتب: البيض الممشش يتلم على بعضه !!    أسعار طبق البيض اليوم الاربعاء 17-9-2025 في قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 17-9-2025 في محافظة قنا    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    أمين عمر حكما لمواجهة الإسماعيلي والزمالك    حرق من الدرجة الثانية.. إصابة شاب بصعق كهربائي في أبو صوير بالإسماعيلية    التعليم تكشف حقيقة إجبار الطلاب على «البكالوريا» بديل الثانوية العامة 2025    زيلينسكي: مستعد للقاء ترامب وبوتين بشكل ثلاثي أو ثنائي دون أي شروط    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    سارة سلامة بفستان قصير وهيدي كرم جريئة .. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    «دروس نبوية في عصر التحديات».. ندوة لمجلة الأزهر بدار الكتب    مبابي: مباراة مارسيليا تعقدت بعد الطرد.. ولا أفكر في أن أكون قائدا لريال مدريد    بسبب زيزو وإمام عاشور.. ميدو يفتح النار على طبيب الأهلي.. وينتقد تصريحات النحاس    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    بعد تضخم ثروته بالبنوك، قرار جديد ضد "مستريح البيض والمزارع"    مروان خوري وآدم ومحمد فضل شاكر في حفل واحد بجدة، غدا    تدريبات فنية خاصة بمران الزمالك في إطار الاستعداد لمباراة الإسماعيلي    اليوم، الفيدرالي الأمريكي يحسم مصير أسعار الفائدة في سادس اجتماعات 2025    أعراض مسمار الكعب وأسباب الإصابة به    كاراباك يصعق بنفيكا بثلاثية تاريخية في عقر داره بدوري الأبطال    4 أيام عطلة في سبتمبر.. موعد الإجازة الرسمية المقبلة للقطاع العام والخاص (تفاصيل)    سعر السمك البلطي والسردين والجمبري في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    مي عز الدين تهنئ محمد إمام بعيد ميلاده: «خفة دم الكون»    قبول الآخر.. معركة الإنسان التي لم ينتصر فيها بعد!    يوفنتوس ينتزع تعادلًا دراماتيكيًا من دورتموند في ليلة الأهداف الثمانية بدوري الأبطال    داليا عبد الرحيم تكتب: ثلاث ساعات في حضرة رئيس الوزراء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    على باب الوزير    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    حتى لا تعتمد على الأدوية.. أطعمة فعالة لعلاج التهاب المرارة    يؤثر على النمو والسر في النظام الغذائي.. أسباب ارتفاع ضغط الدم عن الأطفال    ليست كلها سيئة.. تفاعلات تحدث للجسم عند شرب الشاي بعد تناول الطعام    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.حافظ‏:‏ أتمني علي الرئيس تعريب التعليم

يقف الدكتور محمود حافظ علي رأس قرن كامل‏,‏ لايفصله عنه غير أربعة أشهر‏!‏ ففي يناير المقبل يكمل المائة عام إن شاء الله‏.‏ قطعها كلها في الدرس والبحث‏,‏ دءوبا مثابرا‏. حفظ خلالها القرآن الكريم‏,‏ وأتقن اللغة العربية من مدرسيه في الابتدائي والثانوي‏,‏ وتعلم الجدية والالتزام من أساتذته الأجانب في كلية العلوم بجامعة القاهرة‏.‏
في طفولته عشق أكل التوت‏,‏ وصيد الفراشات‏,‏ وجمع الحشرات زاهية الألوان‏,‏ والتي تخصص بها في دراساته العليا‏,‏ وتعلم من بعضها الصبر والجلد‏,‏ وحقق فيها اكتشافات تنسب إليه في المحافل العلمية الدولية حتي الآن‏.‏
ورأي بنفسه والده يخطب في الناس في أثناء ثورة‏1919,‏ ويلهب حماسهم‏,‏ فنصبوه ملكا علي فارسكور‏,‏ واعتقله الإنجليز‏,‏ وحكموا عليه بالإعدام‏,‏ ثم اضطروا للعفو عنه واستقبله الأهالي كالفاتحين‏.‏
وحين مات سعد زغلول طلب منه ناظر مدرسة السعيدية الثانوية أن يقرأ القرآن علي روح زعيم‏,‏ الأمة فتلا‏:‏ وسيق الذين اتقوا ربهم إلي الجنة زمرا ظنا منه علي صغر سنه وقتها أن الرجل الذي اجتمعت عليه قلوب الأمة يستحق أن يساق إلي الجنة‏.‏
وظل طوال عمره يحرز النجاحات‏,‏ حتي بات ضيفا مفضلا في المؤتمرات العلمية بأنحاء العالم‏,‏ وأنجز أبحاثا اشتهرت باسمه في الحشرات والمقاومة البيولوجية للآفات التي تلتهم‏30%‏ من محاصيل العالم سنويا‏,‏ وتكبده خسائر بالملايين‏.‏
لكن عشقه الأثير الدائم هو اللغة العربية‏,‏ التي أحبها وأجادها‏,‏ وبرع في استخدامها‏,‏ فاختير عضوا بمجمع اللغة العربية منذ‏1964,‏ حتي اعتلي مقعد رئاسته بعد رحيل الدكتور شوقي ضيف‏,‏ بجانب رئاسته المجمع العلمي الذي أنشأه نابليون بونابرت أثناء الحملة الفرنسية‏.‏
الحديث إلي الدكتور محمود حافظ ممتع‏,‏ ويغري بالإنصات وحسب إلي ذكريات قرن من النشاط‏,‏ لذا اختصرت أسئلتي لأفسح المجال لحكيه الحميم‏,‏ وتفاؤله المدهش في هذه السن المباركة‏.‏
شاهدت في طفولتك الإنجليز يحاصرون دار والدك المناضل حافظ إبراهيم دنيا الذي نودي به ملكا علي مدينة فارسكور بعدما أعلن تأييده لثورة‏1919,‏ وصادروا‏15‏ فدانا كان يملكها‏,‏ فما تفاصيل تلك الفترة؟
بعد تخرج الوالد من كلية الحقوق عمل بالنيابة وذهبنا معه إلي إسنا سنة‏1914‏ وبقينا إلي سنة‏1918‏ وشاهدت فيها التماسيح علي شاطئ النيل‏,‏ وانتقل بعدها ليعمل مفتشا لمرور جمرك اسكندرية‏,‏ وطالبه إخوته بالعودة إلي فارسكور ليعتني بأطيانه فعاد‏,‏ وكان يتقن اللغة العربية وخطيبا مفوها ووطنيا ويحب سعد باشا وحين هبت الثورة خطب في الناس وألهب مشاعرهم‏,‏ فاستولوا علي قطار إنجليزي كان محملا بالأسلحة والأغذية‏,‏ وألقوا به في ترعة الشرقاوية‏,‏ ونودي بوالدي ملكا علي فارسكور‏,‏ واختفي والدي عن الأنظار لكن زوج أخته نائب العمدة أبلغ عنه وأخذوه إلي المنصورة وحكم عليه بالإعدام ثم أعفي عنه وعاد إلي البلد واستقبل استقبال الفاتحين‏.‏
من كتاتيب فارسكور‏,‏ إلي الجامعة ومجامع اللغة‏,‏ مشوار كفاح طويل ومتنوع‏,‏ هلا أطلعتنا علي بعض جوانبه؟
التحقت بمعهد دمياط الديني لسنتين فأحببت اللغة العربية وحفظت جزءا كبيرا من القرآن الكريم فاستقام معه اللسان‏,‏ لكن والدتي أصرت علي نقلي إلي التعليم العام‏,‏ وأذكر قصة لطيفة في الابتدائي فقدكنا نقضي الإجازة الصيفية في فارسكور‏,‏ وكنا نذهب إلي قرية كفر أبو عضمة المجاورة لفارسكور لنأكل التوت والجميز‏,‏ وبهرتني الحشرات ذات الألوان الزاهية‏,‏ وكان لدينا مدرس الأشيا‏/‏ الأشياء هي التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية واسمه إبراهيم حامد وعرضت عليه الفراشات وكنت أحنطها فأعجبه ما فعلت وشجعني‏,‏ وكان الشيخ محمد توفيق مدرس اللغة العربية يجعلنا نقرأ العبرات والنظرات للمنفلوطي‏,‏ وكليلة ودمنة لابن المقفع‏,‏ ومدرس الإنجليزية علي الهاكع علمنا نطق اللغة الإنجليزية بدقة‏,‏ وأنهيت الشهادة الابتدائية بتفوق‏,‏ وكنا نمتحن في المنصورة‏,‏ وصممت والدتي أن أتلقي التعليم الثانوي في مدرسة السعيدية بالجيزة‏,‏ وطلبنا أن يكون الالتحاق بالداخلية المجانية لأن والدي كان قد باع كل أطيانه تدريجيا‏,‏ ولا أنسي البوسطجي وهو ينادي مهللا‏:‏ يا حافظ أفندي مبروك محمود قبل في الداخلية المجانية‏,‏ وجئت مع والدي إلي القاهرة‏,‏ وعبرنا النيل في فلوكة لنذهب إلي السعيدية‏,‏ ورحب بي الناظر لتفوقي‏,‏ وفي سنة أولي ثانوي سألنا مدرس اللغة العربية أمين راجي عبد الشافي‏:‏ هل فيكم من يحفظ شيئا من المحفوظات؟‏,‏ فرفعت يدي‏,‏ وقرأت من الذاكرة مقالا نشر للشاعر أحمد شوقي عن الناشئ الذي يأخذ شهادته فيظن نفسه أبو العريف‏,‏ وقال فيها شوقي‏:‏ مابال الناشئ واصل اجتهاده‏,‏ حتي حصل علي الشهادة‏,‏ فلما كحل بأحرفها عينيه‏,‏ وظفرت بزخرفها كلتا يديه‏,‏ هجر العلم وربوعه‏,‏ ودعا إلي معاهده بأقطوعة‏,‏ طوي الدفاتر وترك المحابر‏,‏ وذهب يخايل ويفاخر‏,‏ كأنه يدعي علم الأول والآخر‏,‏ فمن ينبيه‏,‏ بارك الله فيه لأبيه‏,‏ وجزي سعي معلمه ومربيه‏,‏ أن الشهادة فاتحة الطلب‏,‏ والجواز إلي أقطار العلم والأدب‏,‏ ففرح بي المدرس جدا وتبناني تقريبا‏,‏ وهو كان مهندما‏,‏ يرتدي البدلة والطربوش‏,‏ وذات مرة دخل ابن الأميرة عين الحياة أخت الملك فؤاد بلا طربوش‏,‏ فسأله‏:‏ أين طربوشك يا ولد؟ وكان هذا الولد وأخوه زملاء لنا بالمدرسة لكنهما يعيشان في غرفتين أشبه بجناح خاص‏,‏ ويأتيهما الطعام من قصرهما‏,‏ لأنهما لا يأكلان مما نأكل وحين سأله الأستاذ أمين راجي عن الطربوش أشاح الولد برأسه كأنه لا يبالي‏,‏ فغضب المدرس وذهب للناظر طالبا معاقبة الولد‏,‏ فاستنكر الناظر طلبه وقال له إنه ابن الأميرة عين الحياة أخت الملك‏,‏ فقال المدرس سأستقيل إن لم يعاقب‏,‏ وكان الولد قد كلم والدته وجاءت إلي المدرسة‏,‏ وأفسح لها الناظر‏,‏ واستدعي المدرس الذي قال لها‏:‏ يا سيدتي الأميرة‏..‏ إذا كنت تريدين تعليم ابنك تعليما خاصا فليكن في قصرك‏,‏ أما هنا فكل الطلاب سواسية طالما تجمعهم جدران أربعة‏,‏ فاستنكرت الأميرة ما قاله‏,‏ ويبدو أنها لم تفهم كلمة سواسية واعتبرتها شتيمة‏,‏ وذهبت إلي وزير المعارف علي الشمسي باشا فنصر المدرس نصرا مؤزرا‏,‏ وأصر أن يعتذر ابنها للمدرس‏,‏ وقال لها بيت الشعر قم للمعلم وفه التبجيلا‏..‏ كاد المعلم أن يكون رسولا‏,‏ واعتذر الولد للمدرس‏,‏ وكتبت صفحة بيضاء في تاريخ المدرس‏,‏ وتناقلتها كل المدارس بفخر مثالا لاعتزاز المدرس بنفسه‏,‏ وحين مات سعد باشا في السنة نفسها‏1927,‏ قال الناظر‏:‏ هاتوا محمود حافظ دنيا ليقرأ القرآن‏,‏ وأذكر الآية التي بدأت بها وهي قوله تعالي‏:‏ وسيق الذين اتقوا ربهم إلي الجنة زمرا حتي إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين‏,‏ ثم تلوت بقية السورة‏.‏ وبعدما أخذت شهادة الثانوية بمجموع كبير أرادت أمي أن أدخل الطب‏,‏ لكن والدي قال لي إن مجد الدين حفني ناصف مدير مكتب لطفي باشا السيد يريد أن يراك فذهبت إليه في مكتب مدير الجامعة‏,‏ فقال لي إن الطب مدته طويلة سبع سنوات أما كلية العلوم فأربع سنوات فقط‏,‏ وساعدني الدكتور مصطفي مشرفة وكان أستاذا للرياضيات في التحويل إلي كلية العلوم‏,‏ وكان فيها أيضا الدكتور أحمد زكي‏,‏ وبقية الأساتذة أجانب من ألمانيا وسويسرا والنمسا والسويد وفرنسا وانجلترا‏,‏ وتعلمنا علي أيديهم تعليما راقيا‏,‏ وكذا النظام والدقة وتقدير الوقت‏,‏ وكانت علاقتنا بهم حميمة‏,‏ وكان الدكتور أحمد رياض تركي يتمم علينا بالاسم وكنا‏23‏ طالبا فقط في فصل الكيميا‏,‏ وكان تعليمنا أقوي من الآن بالرغم من تقدم العلم حاليا‏,‏ لأننا كنا نقدر العلم وكانت أمامنا القدوة الصالحة والقيادة السليمة‏,‏ كانت بيئة صالحة ومختلفة عن واقعنا الحالي‏.‏
أنشأت متحفا للحشرات يضم‏40‏ ألف حشرة من أندر المجموعات الحشرية في العالم‏..‏ فكم جمعت من فراشات اللغة‏,‏ والكلمات النادرة ؟
قرأت واستوعبت الكثير في اللغة عبر مراحل التعليم المختلفة وبعدها‏,‏ وحين كان يطلب مني طلاب البحوث أن أكتب لهم أوتو جراف كنت أفضل حديث ابن قتيبة‏:‏ لا يزال المرء عالما ما طلب العلم‏,‏ فإن ظن أنه علم فقد جهل‏,‏ وكنت أدعوهم إلي القراءة المستمرة والاستزادة من العلم‏,‏ وأيضا كنت أكتب لهم الحديث الشريف‏:‏ لا تزال أمتي بخير ما وقر صغيرهم كبيرهم‏,‏ وما رحم كبيرهم صغيرهم‏,‏ ودائما كنت أحب ترديد حكمة علي ابن أبي طالب‏:‏ لسان العاقل وراء عقله‏,‏ وعقل الأحمق وراء لسانه‏.‏
تحدثت في عشرات المؤتمرات عن الهرمونات الحشرية ومانعات التغذية كوسائل لوقاية النبات ومكافحة الآفات فكيف يمكن مكافحة الآفات اللغوية وانهيار مستوي العربية في الحياة والتعليم ؟
من الأسف الشديد أن اللغة العربية تتعرض لهجمة شرسة‏,‏ وربما تكون هناك قوي خفية أو تحتية تعمل علي النيل منها‏,‏ ويتبدي ذلك في انتشار العامية بطريقة مبتذلة ليس لها مثيل‏,‏ وبعض الصحف تكتب مادتها بالعامية‏,‏ والشباب يستخدمون لغة متردية لم نسمع بها‏,‏ وما نأكله وما نشربه وما نلبسه وما نتداوي به يزخر بألفاظ دخيلة علي اللغة العربية‏,‏ واللافتات علي واجهات الحوانيت تكتب بألفاظ عربية وحروف أجنبية‏,‏ وحتي المناديل الورقية‏,‏ فكلمة‏fin‏ الإنجليزية تكتب بحروف عربية فاء ألف ياء نون مثل هذه العلبة علي مكتبي‏,‏ ونحن في مجمع اللغة العربية‏,‏ وتجدها أيضا علي مكتب شيخ الأزهر‏,‏ وهناك قانون صادر سنة‏1958‏ في عهد جمال عبد الناصر ينص علي منع كتابة الكلمات الأجنبية في الشوارع وعلي المحلات‏,‏ لكنه لم ينفذ‏,‏ وحاول أحمد جويلي عندما كان وزيرا للتموين بعث هذا القانون من مرقده لكن الظروف حالت دون ذلك‏,‏ والغريب أن ليبيا نفذت قانون منع اللافتات الأجنبية بصرامة‏,‏ وتدرجت فيه العقوبة من الإنذار إلي الغرامة‏,‏ ثم سحب الرخصة‏,‏ فالحبس تنفيذا لتوصية مجمع اللغة العربية هناك‏,‏ وتتجه سوريا لإصدار قانون مشابه‏.‏
هل ثمة علاقة لمستوي ونوعية التعليم الآن بتدهور اللغة العربية ؟
طبعا‏,‏ فهناك‏250‏ مدرسة من الحضانة إلي التعليم الثانوي لا تدرس اللغة العربية‏,‏ و‏18‏ جامعة مصرية التعليم فيها كاملا بالإنجليزية بالمخالفة لقانون الجامعات الصادر عام‏1925,‏ الذي ينص علي أن يكون التعليم باللغة العربية ويجوز استثناء التدريس بلغة أجنبية بصفة مؤقتة‏,‏ وعشرات الآلاف الذين يتخرجون من هذه الجامعات لا علاقة لهم باللغة العربية‏,‏ بل انتماؤهم يكون لتلك اللغات وللبلاد صاحبة هذه اللغات‏,‏ وستكون لهم الحظوة كما يحدث لخريجي الجامعة الأمريكية‏,‏ فالهوة تزيد بين خريجي هذه الجامعات الأجنبية وخريجي الجامعات المصرية‏,‏ ولابد من وقفة صارمة لإصلاح التعليم العام والعالي لتضييق الهوة بين هؤلاء وأولئك‏,‏ ولا يعني ذلك أنني ضد تعلم لغة أجنبية بل هي ضرورة كإطلالة نيرة علي ثقافات الغير‏,‏ وعلي التقدم العلمي لديهم‏.‏
كلامك يؤكد أن اللغة العربية رقم واحد في تكوين الهوية ؟
نعم رقم واحد‏,‏ وللأسف الشديد أن حوالي ثلاثة أرباع مليون طالب في كليات الطب بفروعها الخمسة وكلية العلوم والهندسة والتمريض كل دراستهم بالإنجليزية‏,‏ ونادينا كثيرا بتفعيل قانون الجامعات الذي ينص صراحة منذ‏1925‏ علي أن يكون التعليم باللغة العربية‏,‏ كما يحدث في سوريا الآن‏,‏ وحاول عمداء الطب في الجامعات ولكن حتي الآن وانا مع تعريب الطب وقد ثبت بالتجربة أن الطلاب يستوعبون الطب بلغتهم أفضل عشرات المرات من تعلمه بالإنجليزية‏,‏ ولابد من إنشاء منظمة عربية قومية للترجمة‏,‏ لتعريب أمهات الكتب العلمية في جميع التخصصات وتعليم الطلاب اللغة الإنجليزية‏,‏ وأرسلنا توصيات إلي الوزارات المعنية ولكنها لم تجد صدي‏,‏ ونشكر للدكتور فتحي سرور استجابته لتعديل قانون المجمع‏,‏ وبالرغم من هذا لم يستجب أحد لتوصياتنا‏,‏ وأتمني علي الرئيس مبارك أن يصدر قرارا بتعريب التعليم ومنح قرارات مجمع اللغة العربية قوة التنفيذ‏,‏ لوقف الاعتداء الصارخ علي اللغة العربية‏,‏ لنعيد لها مكانتها‏.‏
كيف نشأت العامية المصرية‏,‏ وهل كان انصهار الأجانب مثل المماليك في المجتمع المصري بأعداد ضخمة سببا في نشأتها‏,‏ ليتخففوا من عبء الفصحي‏,‏ أم أنها ضرورات الحياة لتسهيل وتبسيط التعاملات اليومية ؟
مصر للأسف الشديد طوال تاريخها كانت مطمعا للمحتلين‏,‏ وآخرهم كان الإنجليز الذين حاولوا طمس اللغة العربية وجعل التعليم كله بالإنجليزية‏,‏ ومن قبلهم كان الاحتلال التركي الذي فرض اللغة التركية وانتشرت بجانبها اللغة الفرنسية‏,‏ وتكاثر وجود اليونان والطليان بنسبة كبيرة جدا في مصر بعد محمد علي‏,‏ وهذا كله يعني أن الاحتلالات كان لها أثرها في إضعاف الفصحي وانتشار العامية‏,‏ بالإضافة إلي محدودية التعليم‏,‏ وارتفاع نسبة الأمية بين أكثرية الشعب‏,‏ فهي للآن تصل لحوالي‏50%‏ بين السيدات و‏40%‏ بين الرجال‏,‏ والأمية سبب رئيسي في انتشار العامية‏,‏ وأيضا سهولة التعامل بالعامية في مختلف شئون الحياة‏.‏
أحمد شوقي قال أخشي علي الفصحي من عامية بيرم التونسي‏,‏ وقال طه حسين أخشي علي الفصحي من يوسف إدريس‏,‏ فهل يمكن المصالحة بين عامية مقبولة وفصحي سليمة ؟
يمكن المزاوجة بين عامية نظيفة وفصحي سليمة‏,‏ وهذا يمكن أن يخرج لنا وليدا جديدا‏,‏ هو لغة هجين من الاثنتين‏,‏ ويكون تواصل الناس به سهلا‏.‏
ما دور وزارة الثقافة في دعم اللغة العربية ؟
يمكنها جدا دعم اللغة العربية بما تملكه من مؤسسات يمكن أن تتضافر جهودها مع المجمع في النهوض باللغة العربية‏,‏ وكذلك الإعلام عن طريق الإذاعة والتليفزيون‏,‏ والصحافة أيضا‏,‏ وكلها لها أدوار مهمة للغاية‏.‏
تقف الآن علي رأس قرن من الزمان فيبدو المشهد شاسعا‏..‏ فما أهم ما تراه في حياتنا من علي رأس المائة عام ؟
إذا كان ما نشهده الآن علي غير ما نصبو إليه فإني أعتقد أن الزمان سيدور دورته كما حدث في الماضي‏,‏ وباعتقادي فيما يخص اللغة العربية إن الزمن سيعيد لها اعتبارها ومكانتها وسيحفظها إلي يوم يبعثون لأنها لغة القرآن‏,‏ وكما يري الجميع العالم الآن يمور بتغيرات وتحولات لم يشهدها من قبل‏,‏ ثورة علمية هائلة تتمثل في المعلومات‏,‏ وفي الاتصالات‏,‏ والهندسة الوراثية‏,‏ والتكنولوجيا الحيوية‏,‏ وعلوم الليزر‏,‏ وعلوم البيئة‏,‏ والفضاء‏,‏ وما سيحدث في قابل الأيام من تطور يفوق كل الثورات التي نشهدها‏,‏ وبما أودع الله في عقل الإنسان من هذه القوي الخارقة أتصور أن العصر المقبل سيستكشف ماوراء الحجب وما وراء الطبيعة‏,‏ وسنشهد العجب‏,‏ فنحن في عصر الخيال‏.‏
جيلكم تربي وجدانه علي ثورة‏1919,‏ فما الفروق بينه وبين الأجيال الحالية؟
أنا ونجيب محفوظ جيل واحد‏,‏ فأنا مواليد يناير‏1911,‏ وهو مواليد ديسمبر‏,‏ وهناك أيضا الدكتور طه حسين والدكتور إبراهيم بيومي مدكور‏,‏ وعبد الحميد بدوي باشا وعبد الرزاق السنهوري‏,‏ ومصطفي عبد الرازق وأمين الخولي وأحمد حسن الزيات كل هؤلاء تعلموا تعليما جيدا‏,‏ وهم بناة المجتمع المدني المصري‏,‏ واستطاعوا بعقولهم النيرة وخيالهم الخصب أن يكونوا الأجيال التالية عليهم‏.‏
كيف تري مصر بعد‏91‏ سنة علي ثورة‏1919‏ ؟
لست متشائما‏,‏ والسبب التقدم العلمي الحالي‏,‏ والإبداع يؤكد أن هناك عقولا جبارة أدبية وثقافية‏,‏ وفي اعتقادي أن المستقبل سيكون لصالح الشباب‏,‏ وسيجئ وقت قريب يحمل لنا صحوة ثقافية‏,‏ وكما هناك صحوة علمية عالمية‏,‏ ستكون هناك صحوة عربية علمية في مستقبل الأيام وكذا في الثقافة والأدب والفن‏,‏ أما السياسة فلها ضوابط مختلفة‏,‏ فليس ضروريا أن تقوم ثورة مثل ثورة‏19,‏ بل ستكون ثورة سلمية‏,‏ وصحوة إلي الأمام‏,‏ فالزمن دورات‏,‏ وأنا متفائل بأن دورة الزمن ستعيد لمصر مكانتها في العلم والثقافة‏,‏ أما في السياسة فنرجو من الله التوفيق لأن مصر لابد أن تعود إلي حالة من الرخاء والاستقرار‏.‏
من يقرأ كتاب الربيع الصامت ل راشيل كارلسون‏,‏ وهو كتاب علمي مكتوب بخيال أدبي‏,‏ خلصت فيه المؤلفة إلي أن المبيدات ستقتل العصافير‏,‏ وسيأتي الربيع صامتا بلا زقزقة‏,‏ يظن أنك مؤلفه لأنه يجمع تخصصك في العلم واللغة‏,‏ فكيف تري الأمر الآن بعد‏56‏ عاما من صدور الكتاب‏,‏ هل بات الربيع صامتا‏,‏ أم السنة كلها ؟
أنا كنت هناك فعلا‏,‏ ففي سنة‏1963‏ كنت في أمريكا وكنت علي موعد مع البروفيسور إدوارد نكلاين كبير علماء الحشرات‏,‏ لكن مساعديه قالوا لي إنه ذهب إلي الكونجرس ليدافع عن سيدة مجنونة اسمها راشيل كارلسون مؤلفة كتاب الربيع الصامت‏,‏ وشركات المبيدات وقتها كانت عبارة عن أباطرة‏,‏ ونفوذها جبار‏,‏ لكن هذه المرأة كأنها كانت تقرأ في صحف الغيب‏,‏ وتنبأت بكل ما حصل للبيئة العالمية‏,‏ وأنا حضرت أول مؤتمر عقد في استوكهولم عن تلوث البيئة بالمبيدات في بداية سبعينات القرن الماضي‏,‏ وهوكان استجابة لكتاب الربيع الصامت لأن المبيدات قضت علي الأعداء الطبيعية للحشرات‏,‏ وأثرت علي البيئة وصحة الإنسان‏,‏ ونحن في مصر عانينا كثيرا وما زلنا من المبيدات المسرطنة‏,‏ وإن كان استيرادها واستخدامها قد انخفض لمستويات أقل بكثير‏.‏
الحشرات تلتهم وتفسد‏10%‏ من محاصيل العالم‏,‏ أي حوالي‏93‏ مليونا من الأفدنة‏,‏ نصيب مصر منها يزيد علي‏60‏ مليون جنيه فما السبيل لتجنيب العالم ومصر هذه الخسائر الفادحة ؟
في آخر تقرير لمنظمة الفاو ثبت أن النسبة‏30%‏ من الإنتاج العالمي وليس‏10%‏ ما تهلكه الحشرات والأمراض النباتية‏,‏ الفيروسات والبكتيريا والفطريات أي أن النسبة زادت بشكل كبير جدا‏.‏
ما السبيل لتجنيب مصر والعالم هذه الكارثة ؟
للأسف لم ينجح العلم حتي الآن في استئصال هذه الآفات لأنها تتناسل بأعداد رهيبة‏.‏
اكتشفت ذبابة الرمد‏,‏ وأثبت أنها الناقل الرئيسي لأمراض العيون في مصر‏,‏ وتنتشر في أواخر فصل الربيع‏,‏ فما الأخطر بتقديرك عمي البصر أم البصيرة ؟
البصر والبصيرة كلاهما في خطر‏!.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.