الديمقراطية تعبير عُرف في اليونان قبل الميلاد بحوالي أربعة قرون، والديمقراطية تعني حكم الشعب الذي يأتي عن طريق اختيار الشعب ويكون لصالح الشعب، ومنذ ذلك ونحن نري والتاريخ يشاهد تشدق الجميع بهذا الشعار وتمسك الكل بالديمقراطية، ولا نري نظامًا في العصر الحديث لا يعلن عن نفسه بغير الديمقراطية، وحتي وإن كان هذا النظام لا يعرف غير الديكتاتورية ولا يمارس غير حكم الفرد، بل نري الآن أن حجة كثير من الدول التي تريد فرض سيادتها بصورة أو بأخري علي غيرها من الدول لا تجد حجة لديها أهم من تلك الديمقراطية حتي تطالب بتطبيقها وتسعي للتدخل في شئون الدول بحجة متابعتها، وكأن هذه الدول قد نصبت نفسها وصية علي العالم وعلي تلك الديمقراطية، والغريب وعندما يتم تطبيق تلك الديمقراطية في أي دولة من دول العالم الثالث تحديدًا وبنفس الطريقة وعلي ذات الأسس التي تطالب بها دول العالم الأول تلك، وإذا أفرزت تلك الانتخابات الديمقراطية نظامًا سياسيًا اختارته الأغلبية الشعبية والعددية حسب قوانين ومبادئ الديمقراطية لا يكون علي مزاج تلك الدول ولا يسير في ركابها ولا ينفذ تعليماتها، تكون تلك الديمقراطية ليست ديمقراطية وتكون الأغلبية ليست أغلبية. ويتم وبكل السبل وبجميع الطرق العمل علي إسقاط ذلك الحكم الذي لا يكون علي هواهم، وقد حدث في شيلي وغيرها من الدول في أمريكا اللاتينية ومازال يحدث حتي الآن، ناهيك عن تلك المؤامرات والدسائس الخارجية التي تدار ضد أي نظام لا يخضع لتلك الدول التي تبشر بالديمقراطية، وحكومة حماس ليس ببعيد فمن ناحية الشكل فهي قد جاءت عن طريق أغلبية عددية بدون تزوير وبشهادة العالم كله بما فيه أمريكا، وهنا هل الديمقراطية وبهذا المفهوم تنتج نظامًا مثالياً يكون دائمًا في صالح الشعب ويترجم مصالحه؟ وهل الأغلبية هنا تكون مصالحها علي حساب الأقلية العددية أم أنها الديمقراطية الصحيحة بل قل إن نظام الحكم الصالح هو ذلك النظام الذي يسعي جاهدًا ودائمًا علي العمل علي تحقيق مصالح الشعب كل الشعب وأقليته قبل أغلبيته؟ وفي هذا الإطار ماذا لو تحدثنا عن مصر، هناك من يقول أن الديمقراطية لم توجد في مصر سوي بعد ثورة 1919 وحتي ثورة 1952. فلا ديمقراطية قبلها ولا بعدها، وهنا فنحن لا نرفض هذا الكلام، ولكن هل هذه الديمقراطية التي تقولون عنها في تلك المرحلة، هل كان الحكم للشعب ولممثلي الأغلبية الحقيقية في ذلك الموقف وبشروط الديمقراطية؟ وهل كان حزب الأغلبية التي تقولون عنها وهو حزب الوفد، هل كان حزب الوفد وهو في الحكم وإن كان عدد سنوات حكمه لا تصل مجتمعه إلي عشر سنوات، هل كان في الوزارة أو غيرها في أي موقع هام نموذج للأغلبية الشعبية؟ أم كان البكوات والباشوات هم الحاكمين سواء في ظل الوفد أو في ظل ما يسمي بأحزاب الأقلية؟ وإذا كانت تلك الديمقراطية والتي كانت تأتي بتلك الحكومات والتي هي من الباشوات والتي تعمل أيضًا لصالح الباشوات، فما هي تلك الديمقراطية التي تستغل الأغلبية العددية لصالح الأقلية الغنية والمسيطرة؟ وهل هذه هي الديمقراطية التي تتحدثون عنها؟ وإذا كان هذا السلوك يسمي بالديمقراطية السياسية شكلاً، فأين ما يمكن أن نطلق عليه الديمقراطية الاجتماعية، حيث إنه إذا كانت الديمقراطية تعتمد علي وصول أي حكومة عن طريق الأغلبية العددية، وإذا كان عندنا ومازالت الأغلبية المصرية هي للعمال والفلاحين الفقراء والكادحين المحتاجين والعاطلين، فأين حق هؤلاء وهم الأغلبية العددية والحقيقية وهي التي تأتي بأي حزب ينال تلك الأغلبية لكي يحكم، هل تلك الديمقراطية في شكلها السياسي فقط، يمكن أن تحس بهؤلاء أو أن تسعي لحل مشاكلهم؟ وما الحل إذا كانت هذه الديمقراطية السياسية وفي إطار انتخابات أصبح عمادها الأول والأخير المال والسطوة والقوة وهي أشياء لا يمتلكها سوي الأقلية، فهل وصول تلك الأقلية التي تملك كل شيء والتي أوصلتها الأغلبية للحكم، هل تعمل تلك الأقلية لصالحها أم لصالح الأغلبية؟ والغريب وفي هذا المناخ أن هناك من يطالب بإلغاء ال50٪ للعمال والفلاحين بدلاً من تحديد تعريف صحيح وحقيقي للعامل والفلاح الحقيقي والذي يعبر عن تلك الطبقات التي مازالت مظلومة. فالديمقراطية عند هؤلاء ليست سوي سياسية فقط فهذا مكسب القادرين وهدف المسيطرين وأمل المستقلين وهذا حق لكل فرد يمكن أن يصل للعمل علي مصلحته، ولكن لابد من الديمقراطية الاجتماعية مع السياسية حتي يمكن أن نضمن مصالح الفقراء ونحل مشاكل المحتاجين ونسعي لتحقيق آمال الجميع فهذه هي الديمقراطية السليمة والصحيحة، فالانتخابات بطريق الأغلبية والأقلية لا تعني سوي شكل فقط ولكن بدون مضمون، لأن الوصول عن طريق الانتخابات حتي في أعتي النظم الديمقراطية له طرق وأساليب يمكن أن يتم فيها شراء الأغلبية بصورة أو بأخري، إذن الديمقراطية لا تعني سوي أسلوب ولا تعني هدفًا بل هي طريقة وصول للحكم ولكنها ليست غاية للشعب، فمع الأسلوب، الديمقراطية شكلا تريد مضمونا سياسيا واجتماعيا يضع الجماهير ويسعي للأغلبية كهدف أساسي لأي نظام حكم حتي نقول فعلاً الديمقراطية هي الحل.