يبدأ شهر رمضان كل عام بنفس الاستهلال ألا وهو بيان فضيلة المفتي ويقابله علي نفس النمط بيان لكل مفتي في كل قطر من الأقطار العربية الموحدة ذات الجامعة التي تتزامل تاريخياً مع منظمة الأممالمتحدة في العمر وفي الفعل أيضاً، وكما يحدث في مؤتمرات القمة، فيصوم القوم يوم السبت مثلاً في بعض بلدان العرب بينما يبدأ الآخرون من يوم الجمعة وقد يتأني فريق آخر للأحد أو ما تلا ذلك من أيام؟!، كل فريق لديه طاقم من الفقهاء يبرر له التوقيت السياسي المناسب من وجهة نظره بطريقة الحساب الفلكي أو عن طريق الرؤية أو بالأمر المباشر رغم وجود عشرات الأقمار الصناعية للرصد الفلكي، يأتي رمضان وصيامه ومعه التوجيهات الحكومية الوزارية لتوفير جميع السلع واستيراد كل ما يلزم عن طريق القطاعين العام والخاص، الياميش أولاً ثم الدقيق الفاخر الخالي من الحشرات ثانياً لزوم بلح الشام وصوابع زينب وكل الحلويات الشرقية وبعدها يأتي دور اللحم الطازج لمتوسطي الدخل واللحم المجمد لمحدودي الدخل ولحم النعام لما عدا ذلك من نخبة المواطنين الذين يقطنون الساحل الشمالي صيفاً ومرتفعات المقطم شتاء؟!، كذلك الحال في دول المشرق العربي والمغاربي ولكن الحال يختلف في دول القرن الأفريقي واليمن شمالاً وجنوباً، وأهل موريتانيا والجنوب في دارفور وفي الصومال وجزر القمر وغيرها من أعضاء المنظمات ما بين عربية وإسلامية وأفريقية ودولية؟!. يأتي رمضان ومعه حشود هائلة من الفنانين والمتحدثين والممثلين واللاعبين يحتلون مقاعدهم في كل البرامج وكل القنوات ولا يصلح لمنعهم جميع أنواع المبيدات المتداولة للحشرات الطائرة والزاحفة، كما يأتي مع إطلالة الشهر الكريم العديد من بائعي الفتاوي وتجار الأعشاب وأطباء بلا أدوية ومشايخ بلا تأهيل، شهر رمضان تتشابه فيه الموائد الممتدة في الشارع مع طوفان المسلسلات والبرامج الخفيفة والظريفة ويضطر الناس لابتلاع كل ما هو معروض أمامهم فيصابون بالتخمة وعسر الهضم وسوء الفهم ويزداد لديهم معدل التخلف لما يرونه من كوميديا بلهاء وحوارات تجري بين السخفاء مع العديد من المسلسلات المقررة علي المتفرجين الذين يلهثون من الجري بين القنوات للحاق بتلك الزحمة، شهر رمضان يعني التناقض الموجود في حياة العرب ما بين برامج الفضائيات الدينية بمختلف توجهاتها وبرامجها وما بين القنوات العادية التي تجري وراء الضيوف وبين الإعلانات التي ترفع ضغط الدم. يبدأ رمضان بتقديم بعض من المستلزمات الضرورية من المواد الغذائية من القادرين لغير القادرين واشتهرت فكرة شنطة الخير والتي تختلف في وزنها وفي محتوياتها من مكان لآخر، ولكنها بالفعل ظاهرة إسلامية حضارية تشيع روحاً من التواد والتراحم بين أهل الدين الإسلامي خلال ذلك الشهر دون جرح للمشاعر وذلك بديلاً عن كل أشكال الدعم الممزوج بالمن والمنظرة، ولقد قيل في إحدي الصحف أن أهل مصر يصرفون مليار جنيه يومياً في رمضان!!، ولا شك في ذلك لأن كل البيوت تصرف أضعاف أضعاف ما تصرفه في كل شهر خلال رمضان ويكفي ملاحظة ما يبذله رجال النظافة في جمع القمامة مساء وصباح كل يوم من أيام الشهر. يأتي رمضان وتظهر فيه الموائد التي تقام في الميادين والشوارع وبجوار المساجد والتي تتفاوت في تقديم وجبة الإفطار طبقاً للمقدرة المالية لأصحابها من أهل الخير فتجذب عدداً كبيراً من الرواد، وهل يمكن التوصل لطريقة بها شيء من الخصوصية في تقديم الطعام وتناوله دون داع للاستعراض والدعاية والإعلان؟!، رمضان وموائد الرحمن لا أري فيها سوي التناقض بين حرمان عام كامل وبحبوحة شهر واحد والواقع أن هناك من المواطنين عدداً لا يستهان به في حاجة إلي مائدة رمضانية طوال العمر عرض مستمر حيث إن حالتهم المعيشية تحت خط الفقر، بعض من تلك الموائد تبدو وكأنها كما لو كانت غسيل أموال هؤلاء الأثرياء الجدد من الهاربين من ضرائب الوطن أو المرابحين في البنوك والعقارات، ومنهم من استولي علي أراضي الدولة بالغش والتدليس أو بالرشوة والوسائل الملتوية المعروفة والمجهولة. رمضان يتلازم مع الصيام مع التقرب للله ويتفاعل مع روحانيات المسلمين، من البديع أنه شهر متميز ليس كمثله شهر!، يطوف علي الكون مرة كل عام ويتحرك في بدايته ونهايته حتي يتكرر كل ثلث قرن من الزمن، هذه الحركة الفلكية الرمضانية تدفع النفوس للبهجة واستدعاء الماضي الجميل والذكريات العطرة والحب، رمضان هو الشهر الوحيد الذي ورد اسمه في القرآن الكريم، وهو الشهر الذي يفضل الشهور الأخري بما فيه من فضل نزول التنزيل بخاصة ليلة القدر والتي تفوق في مميزاتها ألف شهر أي ما يقرب من ثمانين عاماً أي ما يساوي عمر أي كهل من كهول المسلمين؟! رمضان طبقاً للتفسيرات الدينية منذ قديم به درجات ثلاث للصوم تم توضيحها علي النحو التالي: صيام العوام وصيام الخواص وصيام خواص الخواص، صيام العوام هو أبسط أنواع الصيام وأكثرها شيوعاً بين المسلمين ويمارسه الجميع رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً الكل وببساطة يمتنع عن تناول الطعام والشراب ويهجر الحسيات طوال النهار من قبل الفجر بدقائق إلي لحظة الغروب، جميعنا نصوم صيام العوام وهو البعد عن الطعام والشراب، ولكن لا نبتعد كثيراً عن الغيبة النميمة والقيل والقال والبعض لا يمتنع عن قبول الهدايا المشبوهة ذات الغرض أو الرشوة الصريحة أو القول المخادع المضل وقد يتمادي البعض في الكذب كالمعتاد والوقيعة بين الناس دون تمييز وربما يتملق فريق منهم الفريق الآخر؟!، أما صيام الخواص وفيه ما يزيد علي سابقه من صيام العوام والمفترض فيه البعد التام والامتناع عن كل ما حرمه المولي من أقوال وأفعال ليست فوق مستوي الشبهات خاصة أن الحلال بين والحرام بين، صيام الخواص يشمل صيام الجوارح عن الممنوعات، صيام العين وصيام الأذن وصيام اليد وصيام اللسان بل وصيام الفكر نفسه عن الحرام، وهذه الدرجة من درجات الصيام لا يقدر عليها سوي أولياء الله والصالحين والنبيين والصديقين من الناس ليتنا منهم يا كريم.