لرمضان فى مصر خصوصية بالغة، فبالإضافة إلى الطقوس التى ورثناها عن العهد الفاطمى مثل الفوانيس والمسحراتى وغيرهما، فإن رمضان له طلة خاصة على الإخوة المسيحيين الذين يتشاركون مع المسلمين فى بعض طقوسه، ومع تنامى روح الوحدة والإخاء فى مناطق مختلفة يسكن فيها مسلمون ومسيحيون داخل عقار واحد، نجد موائد الإفطار تجمع الطرفين ومن المسلمين من يقوم بدعوة جيرانه المسيحيين على الإفطار والعكس. فى حى عين شمس التقينا أسرة جمال مقار، وهى أسرة مسيحية حاورناها لنتعرف على مدى تأثرها بطقوس الشهر الكريم، وعشنا معها يوماً رمضانياً فى حياتها بكل تفاصيله. بداية تحدث الأب جمال مقار، وهو أديب وموظف بالشركة المصرية للاتصالات، وقال: لرمضان فى ذاكرتى صور جميلة، بداية من وعيى به عندما كنت فى الرابعة، كانت الكهرباء لم تدخل الحى بعد، فيأتى رمضان ويملأ الشارع نورا وبهجة، وأحمل مع أطفال الجيران الفوانيس ونجوب الشوارع، وقتها كان هذا الشهر للجميع مسلمين ومسيحيين ولم تظهر الحساسيات الموجودة الآن بينهما، وفى الستينيات عندما دخل التليفزيون بيتنا وكان التليفزيون الوحيد بالحى، كان يجتمع عندنا فى رمضان كل الجيران مسلمين وأقباطاً لمشاهدة الفوازير وألف ليلة وليلة. ومن أكثر المفارقات الجميلة، التى أذكرها هنا أن صيام الأقباط تزامن مع حلول شهر رمضان هذا العام، فالصيام معناه واحد فى العقيدتين، والآية القرآنية تقول: «يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم»، أى النصارى واليهود، والصيام فى رأيى هو تهذيب للنفس البشرية ويقدم صورة رمزية لتعاقب الحياة الدنيا والآخرة، فالحياة كبد وعناء والآخرة نعيم تماما كما الصيام، الذى فيه حرمان يعقبه ثواب وتمتع بما أحله الله من ملذات. نشعر برمضان بكل معنى الكلمة فحى عين شمس يجمع فى تركيبته السكانية بين المسلمين والأقباط، العمارة التى أسكن بها مثلا بها سبع شقق تسكنها أسر مسيحية من إجمالى 26 شقة، وأحب الوقت الذى يسبق الإفطار بنصف ساعة والذى يليه بساعة تقريبا، حيث تكون الشوارع خالية وهادئة ومشجعة على التأمل. الزوجة تريزا أبادير، التى تعمل مدرسة تقول: «لى أصدقاء مسلمون أحرص على دعوتهم على الإفطار فى بيتى، كما ألبى دعواتهم أيضا على الإفطار، ولكن هذا العام لم يحدث ذلك بسبب صيامنا، فمن غير اللائق أن أقدم لضيوفى طعاماً لا أشاركهم فيه نظرا لتناولى الأطعمة النباتية فقط». أحب بعض الأكلات الرمضانية وأطبخها وأنتظر رمضان لأشتريها فيه، كالكنافة والقطائف، ومع حلوله أحرص على شراء بعض السلع الرمضانية كالياميش وقمر الدين، الذى تحبه ابنتى «مارجريت» جدا، وتأكله كما هو دون أن تذيبه، كم أننى أستفيد أيضا من العروض التى تقدمها أسواق البقالة الكبرى فى رمضان، فمع مطلعه هذا العام «فجرت» ميزانية البيت واشتريت سلعاً كثيرة من احتياجات المنزل. أحب البرامج والمسلسلات الرمضانية ولكننى لا أتابعها، نظرا لانشغالى، كما أنها تعاد بعد ذلك طيلة العام مما يجعلنى غير مكترثة لها كثيرا. طقوسنا اليومية، كما هى فى رمضان ونغير مواعيد طعامنا فقط لو جاءنا ضيوف على الإفطار حيث نؤجل غداءنا حتى أذان المغرب. «زكى» الابن الأكبر، معيد بإحدى الأكاديميات الخاصة يقول: الملاحظ فى رمضان هذا العام أن الشوارع تشهد انسيابا مروريا واضحا، وليس بها زحام معتاد ربما لأن رمضان تزامن هذا العام مع الإجازات الدراسية والحر الشديد، فالتزم الناس بيوتهم، كما أن المزاج العام أيضا للصائمين معتدل هذا العام وليس بنفس العصبية المعروفة. أشارك أصدقائى السهرات الرمضانية بالحسين والأزهر واتسحر معهم، وأحيانا أصوم معهم بعض الأيام التى نتفق على الإفطار فيها معا ويكون ذلك فى مطاعم مدينة الشروق والتجمع الخامس، لان أجواءها لطيفة، وهم يتقبلون ذلك ببساطة وترحيب، وصيام اليوم كاملا لا يرهقنى فأنا معتاد عليه وهو موجود بالديانة المسيحية ويصومه مراراً الكثير من الأقباط، ولكنى اعتدت صيامه بالأخص فى يوم الجمعة الحزينة، التى تعادل ذكرى موت السيد المسيح، فيها نصوم من الثانية عشرة ليلا وحتى وقت الغروب فى اليوم التالى، وهو يوم اعتادت أسرتنا صيامه، خاصة والدى الذى يتفاءل بصومه ويوقن أنه يدرأ عنه شروراً كثيرة خبرها عن قرب قبل ذلك عندما كان يفوته. وأضاف: أمتنع عن الأكل والشرب فى نهار رمضان خارج المنزل، بإرادتى غالبا، نظرا لازدحام يوم العمل، وأحيانا مرغما نظرا لأن كافيتريات الأكاديمية تكون كلها مغلقة ولا تقدم أى مشروبات أو مأكولات. أما مارجريت الابنة وتعمل مهندسة كهرباء فتقول: أحب رمضان وأجواءه لأنه ارتبط فى وعيى بذكريات جميلة عن الفانوس وبوجى وطمطم حتى إننى كنت أنتظره مثل المسلمين من العام للعام، ومن مظاهره الجيدة أيضا تكافل الناس الملحوظ وتوقيفهم بعضهم البعض بالشوارع والمواصلات لتوزيع المشروبات والبلح، ورغم ذلك هنالك بعض السلبيات التى تضايقنى مثل الصوت العالى للمساجد، خاصة فى أيام المذاكرة بالسنوات الماضية، وأعانى أيضا من نظرات المستنكرين لوجودى بالشارع وتعليقاتهم المباشرة أحيانا على شعرى المكشوف وتعديهم على حريتى، مثلا بعض راكبات المترو تحدثننى عن فوائد الحجاب وثوابه رغم إعلانى أننى مسيحية، ورغم بعض المضايقات، التى أمنع نفسى بسببها من الخروج للشارع قبل الإفطار.