فى وجدان المصريين جميعا يحتل رمضان مكانته منذ قرون، لا فارق بين مسلم أو مسيحى، أو حتى يهودى يوم كان لليهود وجود ملحوظ فى مصر .. فرمضان موسم مصرى أصيل، موسم للبهجة والتواصل والطقوس الأخرى التى لا تتكرر طوال العام ..لا فوانيس، ولا كنافة، ولا قطايف، ولا فوازير، إلا فى رمضان .. لا سهر مثل سهر رمضان، وليست هناك فرصة للتزاور والتواد بين الناس مثل فرصة رمضان .. وإذا كنا نحن المسلمين نعيش رمضان، موسما للعبادة والعمل الصالح، فإن إخواننا فى الوطن من المسيحيين يعيشونه مهرجانا مصريا فريدا يتكرر كل عام، ولهم فيه عاداتهم وطقوسهم التى لا تختلف كثيرا عن عادات المسلمين فى الشهر الفضيل، وفى السطور القادمة التفصيل . باستثناء الإفطار والسحور والتراويح، يعيش الأقباط رمضان كما يعيشه المسلمون، فلا يخلو بيت قبطى من الفانونس، ذلك الضيف الرمضانى الذى يلعب به الأطفال، ويستعيد به الكبار ذكريات الماضى الجميل .. (باسم لويز 37 سنة) يؤكد مبتسما أنه ما زال يحتفظ بفوانيسه القديمة فى دولابه الخاص، وأنه يصحب أبناء أخواته كل عام لشراء الفوانيس، التى لم تعد كما كانت بعد غزو البضائع الصينية لحياة المصريين، ومع ذلك فلابد من الشراء ليفرح الأطفال . رمضان فرصة أمام الأقباط لتذوق الكنافة والياميش والقطايف وقمر الدين، تلك المأكولات الشهية التى لا يتذكرها الناس إلا فى رمضان، وإن كانت الأوقات تختلف بالطبع، فالأقباط يتناولونها فى النهار، ولا يكثرون منها لارتفاع نسبة السكريات فيها، والتى يحتاجها الصائم بعد جوع وعطش النهار .. فى رمضان أيضا يمكن دعوة الجيران من المسلمين على وجبة الإفطار، وقبول دعوتهم أيضا، وإن كان (مكرم عزيز 53 سنة)، يرى أن العزومات بين المسلمين والمسيححين فى رمضان قليلة، وليست شائعة فى الفترة الحالية، فأنواع الطعام التى يعدها المسلمون فى رمضان ثقيلة على غير الصائمين، ويصعب عليهم تناولها دون مشكلات صحية، ويوافقه باسم لويز ويضيف أنه من الصعب عليه أن يعرف عادات المسلمين فى الإفطار، وذلك ما يجعل كثيرا من المسيححيين يترددون فى دعوة أصدقائهم وجيرانهم المسلمين للإفطار ! فى جو رمضان يحلو السهر للمسيحيين كما يحلو للمسلمين، منهم من يجذبه جو الحسين وخان الخليلى، ويذهب مع أسرته أو أصدقائه لتناول العشاء فى مطعم "الدهان" الشهير، أو شراب براد شاى فى مقهى الفيشاوى، ومنهم من يحلو له حضور الاحتفالات الفنية التى تقيمها بيوت الثقافة، الهراوى، والسحيمى، والغورية، ومن لم يخرج من بيته فلديه وجبة دسمة من المسلسلات والبرامج التى لا تترك له مساحة للملل .. كما يحرص المسيحيون فى أغلبهم على احترام الجو الرمضانى، ومراعاة مشاعر المسلمين فى رمضان، فلا يتناولون طعامهم، أو يدخنون أمام زملائهم وجيرانهم وأصدقائهم من المسلمين، ويعيشون خارج بيوتهم نهارا صائمين مع الصائمين، فى حساسية اجتماعية ليست مستغربة فى المصريين .. هذه هى الملامح العامة لرمضان فى حياة الأقباط، مشاركة للمسلمين فى مهرجان سنوى مبهج، وفى العادات التى استحدثتها الحقبة الفاطمية فى حياة المصريين، ويبقى السؤال : هل تتغير تلك الصورة مع التغيرات التى أصابت المصريين فى السنوات الأخيرة ؟ وهل للاحتقان الطائفى يد فى ذلك التغير إن كانت الإجابة بنعم ؟ يرى الشاب القبطى (أ .س) أن مشاركة المسيحيين المصريين فى الاحتفال برمضان تغيرت فى السنوات الأخيرة، والسبب الرئيسى فى ذلك هو الإيقاع السريع للحياة الذى قضى على كثير من العادات الرمضانية الجميلة، ويشير ضاحكا إلى أحد المحال التى تبيع الفوانيس الصينية الصنع، ففى طفولته لم تكن الفوانيس بهذه الإمكانيات، ولكن الإحساس بها كان أفضل .. التكنولوجيا والغزو الصينى أفسدا كثيرا من الأشياء الجميلة .. د. رفيق حبيب، الباحث القبطى المعروف، يرى أن الصورة الرمضانية تغيرت فى مصر ،وأن للاحتقان الطائفى بين المسلمين والمسيحيين دورا فى هذا التغير، فالانتماء الدينى صار غالبا على الانتماء للجماعة الوطنية، وكان طبيعيا أن يتأثر المهرجان الرمضانى بذلك، فهناك متشددون فى كلا الطرفين يدعون لعدم المشاركة فى احتفالات الطرف الآخر، هناك مسيحيون يدعون لعدم المشاركة فى احتفالات رمضان، باعتبار دلالتها الدينية عند المسلمين، والعكس يحدث بين المسلمين، وكل ذلك فى إطار الفتنة الطائفية التى تستيقظ كل فترة .. يتفق جورج إسحاق، السياسى المعروف، مع الدكتور رفيق فى خطر الاحتقان الطائفى وضرورة مواجهته، ولكنه يرى أن التلاحم بين المصريين فى رمضان ما زال قويا، وأن العادات الرمضانية موجودة لدى الطرفين، وتتأثر لدى كليهما بالتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، ولكنها باقية وقوية ..