كان عام 2022 حافلا بالأحداث السياسية التى أثرت على حياة الناس بدرجات متفاوتة حول العالم، لعل الحرب الروسية – الأوكرانية هى الحدث الأبرز، لتبعاته المباشرة على معيشة الناس فى العالم أجمع، فكانت الأزمات الاقتصادية الناتجة وغلاء المعيشة المترتب عليها القاسم المشترك بين دول العالم والهم الأوحد لشعوبها.. على الرغم من ذلك، لن تقتصر ذاكرة العالم عن العام المنصرم على ارتفاع الأسعار وتهاوى العملات فقد ولدت حكومات وأبرمت اتفاقات وأجريت استفتاءات وانتخابات، وعقدت قمم محلية وعالمية، وقتلت شيرين أبو عاقلة الصحفية المرموقة التى تركت بصمة إعلامية عالمية، وتألقت قطر فى احتضان بطولة كأس عالم استثنائية للمرة الأولى فى بلد عربى.. ونحن فى استقبال أول يوم فى العام الجديد، يتصدر الركود العالمى الحتمى التى أشعلته حرب مطولة فى شرق أوروبا المتجمد، وأزمة الطاقة المصحوبة بارتفاع التضخم، إضافة إلى تفشى كورونا فى الصين، تنبؤات عام 2023 قاتمة، لكن لا تزال هناك أسباب تدعو إلى الأمل، فقد حفزت أزمة الطاقة طلب غير مسبوق على مصادر الطاقة المتجددة، والتى من المتوقع أن تزدهر، وهنا أهم الأحداث التى من المنتظر أن تصنع ذاكرة 2023: روسيا – أوكرانيا وقف إطلاق النار العسكرى هل تنتهى حرب أوكرانيا فى عام 2023؟، من المستحيل تخيل مصافحة بين فولوديمير زيلينسكى وفلاديمير بوتين، مما يشير إلى أن التوصل إلى سلام تفاوضى بين أوكرانياوروسيا بعد 10 أشهر من القتال العنيف وعشرات الآلاف من الضحايا على الجانبين لا يزال بعيد المنال. تطالب أوكرانيا بإنشاء محكمة جرائم حرب للقيادة الروسية وتعويضات من الكرملين، فضلًا عن استعادة كامل أراضيها. بينما لن تتنازل موسكو عن أى من هذا، ولن تواجه هزيمة تامة على غرار عام 1945. ستكون نقطة النهاية الأكثر واقعية هى وقف إطلاق النار العسكرى، ليكون تكرار لما حدث بعد قتال عام 2014، ومن الواضح أن ذلك يناسب الجانبين روسيا من جهة، تسعى للحصول على الوقت لتجديد جيشها، وأوكرانيا من جهة لإعادة ترتيب أوراقها وإجابات للأسئلة المثارة عن إلى متى يجب أن يستمر الغرب فى تقديم المساعدات العسكرية بأوكرانيا بالمستويات الحالية؟ أوروبا أزمة طاقة وانقطاع الكهرباء فرضت الحرب الروسية- الأوكرانية، وأزمة الطاقة التى أعقبت ذلك على مستوى القارة، تضخم متفشى إلى حد كبير هذا العام فى مشكلة مواجهة الشتاء الأوروبى القارس، ومن غير المرجح أن تتحسن - وربما تزداد سوءًا - فى 2023. انقطاع التيار الكهربائى وتقنين الغاز فى جميع أنحاء القارة هذا الشتاء مستمر، على الرغم من أن العديد من الدول توفر إمدادات بديلة بشكل رئيسى من الغاز الطبيعى المسال، إلا انه قد يكون الشتاء الأسوأ، حيث يتوقع المحللون أن يقترب النقص فى الغاز فى أسوأ الحالات من 10٪. ومن غير المتوقع أن تعود أسعار الطاقة «المعقولة» إلى أوروبا حتى عام 2025، مما يعنى أن العديد من الاقتصادات ستستمر فى المعاناة، وتتوقع ألمانيا، أكبر دول الاتحاد الأوروبى، انكماش اقتصادها بنسبة 0.5٪. فى مواجهة مثل هذه الرياح الاقتصادية المعاكسة القوية، من المرجح أن تزداد صعوبة جهود دول الاتحاد الأوروبى السبع والعشرين لضرب روسيا دون إلحاق الكثير من الضرر بمصالحهم، كما يبدو أن موقفها الجماعى سيتعرض لمزيد من العوائق. الصين انتهاء سياسية «صفر كوفيد» التحدى الأكثر إلحاحا للصين فى 2023 هو كوفيد، تحولت سياسة «صفر-كوفيد» الصارمة التى أبقت الناس فى مأمن فى عام 2022 لوحش فوضوى بسبب الإغلاق المربك والضار، وأشعلت شرارة أكبر احتجاجات شهدتها الصين منذ عام 1989. تواجه الصين بداية صعبة هذا العام، النظام الصحى غير مهيأ بشكل كاف والحكومة لم توافق على لقاحات أجنبية، تم تطعيم عدد قليل جدًا من كبار السن، لكن تسببت سياسة «صفر كوفيد» فى إحداث فوضى فى الاقتصاد، الذى تضرر من انهيار قطاع العقارات وتأثير سياسته المتشددة بشأن عدم انتشار فيروس كورونا على قطاعات الأعمال التجارية والإنتاج والتصدير المحلية. أمريكا
بداية مبكرة للانتخابات الرئاسية 2024 تستعد الديمقراطية الهشة فى أمريكا لاختبار ضغط آخر مع مواجهة الرئيس الثمانينى للكونجرس المنقسم، والاقتصاد المهدد بالركود واحتمال عودة دونالد ترامب. يدخل جو بايدن هذا العام بزخم سياسي. منذ أن تولى منصبه، خلقت أمريكا 11 مليون وظيفة جديدة، وقع تشريع يستثمر مليارات الدولارات فى كورونا والبنية التحتية والتصنيع والمناخ، وعين أول امرأة أمريكية من أصل إفريقى فى المحكمة العليا وحشد الغرب للدفاع عن أوكرانيا. ولكن الآن أصبح الأمر أكثر صعوبة بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، عازمين على حرمان بايدن من المزيد من الانتصارات وإطلاق مجموعة من التحقيقات فى استجابته للوباء وانسحابه من أفغانستان ومعاملات ابنه هانتر التجارية. سيكون جزء كبير من عام 2023 تمهيدا للسباق نحو البيت الأبيض، ومن المتوقع أن يطلق بايدن أكبر رئيس أمريكى فى التاريخ، حملة إعادة انتخابه، على الرغم من أن استطلاعات الرأى تظهر التطلع لجيل جديد، إلا أن الأداء الأفضل من المتوقع فى الانتخابات النصفية الأخيرة، وعدم وجود منافسين ديمقراطيين واضحين، وضعوه فى مقعد القيادة. على الجانب الجمهورى، قد يكون هذا هو العام الذى يحكم عليه أخيرًا ترامب الذى أعلن بالفعل عن ترشحه للمرة الثالثة على التوالى للرئاسة، لكنه قد يجد نفسه متهمًا من قبل وزارة العدل بارتكاب جرائم تتعلق بتمرد 6 يناير، أو سوء التعامل مع الوثائق السرية، أو كليهما. من المتوقع أن يظهر المنافسون المحتملون مثل رون ديسانتيس، الحاكم اليمينى لفلوريدا. المناخ
قرع طبول متصاعد هل يحطم عام 2023 أرقامًا قياسية جديدة باعتباره العام الأكثر سخونة على الإطلاق، وهل ستستمر انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى الارتفاع؟ ضربت الأحداث المناخية القاسية مساحات شاسعة من العالم فى عام 2022، مع موجات حر قياسية امتدت من الهند إلى أوروبا والصينوالولاياتالمتحدة، وفى كلا القطبين. اجتاحت الفيضانات باكستان، وتهدد المجاعة 150 مليون شخص فى إفريقيا وسط أسوأ موجة جفاف منذ 40 عامًا. وسواء تم كسر سجلات درجات الحرارة مرة أخرى أم لا، فلن يكون هناك توقف بسيط فى هذا الارتفاع فى طبول الفوضى المناخية، ارتفعت انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى عام 2022، عندما كانت هناك حاجة إلى خفضها بمقدار نصف هذا العقد تقريبًا، ليبقى العالم ضمن الحد الموصوف علميًا البالغ 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.. لا تزال فرص هبوطها فى عام 2023 ضئيلة. ستُجرى المحادثات العالمية حول المناخ، والتى تسمى Cop28، لمدة أسبوعين فى ديسمبر 2023 فى دولة الإمارات العربية المتحدة. وأسفرت محادثات COP27 فى مصر عن اتفاق لإنشاء صندوق «خسائر وأضرار» لإنقاذ وإعادة بناء البلدان الفقيرة التى ضربتها كارثة المناخ، لكن نتوقع جدالًا شرسًا هذا العام حول كيفية عمل هذا الصندوق. هناك بعض بوادر الأمل.. تعهد الرئيس البرازيلى القادم، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، بعكس اتجاه الارتفاع السريع فى إزالة الغابات، تعهدت الحكومة الأسترالية الجديدة بإعطاء الأولوية للمناخ.. فى الولاياتالمتحدة، من المتوقع حدوث زيادات هائلة فى الاستثمار فى الطاقة المتجددة والتكنولوجيا منخفضة الكربون، بموجب قانون الحد من التضخم.. سيحاول الاتحاد الأوروبى أول تعريفات جمركية خضراء، تسمى «آلية تعديل حدود الكربون»، لمعاقبة واردات السلع عالية الكربون، اعتبارًا من أكتوبر. مع استمرار ارتفاع أسعار الوقود الأحفورى، سيكون هناك حافز أكبر على مستوى العالم للتوجه إلى الطاقة المتجددة وتقليل الهدر الهائل للطاقة. ولكن لكى تنخفض الانبعاثات، يجب أن تتحرك الصين - أكبر مصدر للانبعاثات فى العالم - بعيدًا عن الفحم بشكل أسرع. فى غضون ذلك، يبدو أن الأمل ضئيل فى أن تتخذ روسيا، رابع أكبر مصدر للانبعاثات فى العالم، أى إجراء بشأن مشكلة الميثان الملحة بشكل متزايد من إنتاجها من النفط والغاز، فى حين يبدو أن شركات الوقود الأحفورى والبلدان المنتجة ستواصل ازدهارها.. طفرة لمساهميها، وكساد لكوكب الأرض.
آسيا
حشد عسكرى فى المنطقة ستلوح القضايا الأمنية فى الأفق فى اليابان ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ الأوسع فى عام 2023. استأنفت كوريا الشمالية تجارب إطلاق الصواريخ الباليستية طويلة المدى، وقد يكون عام 2023 هو العام الذى تُظهر فيه التحسينات فى قدرتها العسكرية من خلال إجراء ما سيكون تجربتها النووية السابعة. أنهت الحكومة اليابانية عام 2022 بالموافقة على مبادئ توجيهية دفاعية جديدة قال رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا، إنها ضرورية لمواجهة التهديدات المتزايدة من كوريا الشمالية المسلحة نوويًا والصين الأكثر حزمًا. ولأول مرة، ذكرت المبادئ التوجيهية أن النشاط العسكرى الصينى يمثل تهديدًا لليابان وجيرانها - وبالتحديد تايوان - بينما تسعى طوكيو لمضاعفة الإنفاق الدفاعى إلى 2٪ من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2027، مما يجعله يتماشى مع دول الناتو.. ستتجه كل الأنظار إلى كيفية استجابة الصين لموقف اليابان الأكثر صرامة فيما يتعلق بالأمن. أجبرت الضغوط على إمدادات الطاقة الناجمة عن الحرب فى أوكرانيااليابان على التطلع مرة أخرى إلى الطاقة النووية لتعزيز أمن طاقتها مع إعادة التشغيل المحتمل فى عام 2023 للمفاعلات المتوقفة فى أعقاب الانهيار الثلاثى فى فوكوشيما دايتشى عام 2011.
فلسطين انتفاضة ثالثة تظهر التكهنات بأن فلسطين على شفا انتفاضة ثالثة، كلما زاد العنف فى الصراع المستمر منذ عقود.. لسوء الحظ، فإن تقارب عدة عناصر مختلفة يعنى أن هذا الاحتمال الكئيب مرجح فى عام 2023 أكثر من أى وقت مضى. على الصعيد السياسى، هناك أيضًا تدهور ملحوظ فى الأوضاع، رئيس السلطة الفلسطينية المسن، محمود عباس، فى حالة صحية سيئة، ومن المتوقع أن تؤدى وفاته إلى مزيد من زعزعة الاستقرار فى وضع قابل للاحتراق بالفعل. فى إسرائيل، فاز التحالف الأكثر يمينية فى التاريخ بالانتخابات الوطنية: العديد من الوزراء الذين سيصبحون قريبًا فى حكومة بنيامين نتنياهو القادمة عازمون على توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية فى الضفة الغربية، وتخفيف قواعد الاشتباك للشرطة الإسرائيلية والجيش، واستفزاز الفلسطينيين من خلال توسيع الوجود اليهودى فى الحرم القدسى الشريف. 3 4