سئل الداعية العراقى والروائى أحمد خيرى العمرى عن تعدد الأنواع الأدبية التى يستخدمها فى الكتابة، فقال فى حوار صحفى: إن فكرة النهضة هى الفكرة الأساسية التى يتمحور حولها مشروعه، سواء كتاب فكري، أو رواية أو مقالات أو كتاب خواطر! وفى كتبه ومقالاته المنشورة يؤكد العمرى دائما على تلك الفكرة، مشروع النهضة، وهى الفكرة التى أطلقها أكثر من داعية منتمى إلى جماعة الإخوان الإرهابية، أبرزهم جاسم سلطان مؤسس إخوان قطر، صاحب سلسلة كتب استراتيجية ومهمة عن مشروع النهضة والسبيل إلى تحقيقه! يحلل جاسم سلطان، فى سلسلة كتبه المنشورة فى طبعة مصرية عن مؤسسة «أم القرى» للنشر والتوزيع عام 2005، فكرة مشروع نهضة العالم الإسلامى تحت حكم تيار الإسلام السياسي، وكيف يكون الحكم لذلك التيار مستقبلا! وفى الجزء الخامس من الكتاب، من سلسلة (مشروع النهضة – سلسلة أدوات القادة) تحت «عنوان التفكير الاستراتيجى والخروج من المأزق الراهن»، الطبعة الثانية عن مؤسسة أم القرى للترجمة والتوزيع عام 2010، يؤكد جاسم سلطان على فكرة الحرب الخديعة، كميراث ديني، وضرورة تضليل العدو (يقصد به الحكومات العربية المدنية)، وأهمية الانسحاب من المواجهة وقت الضعف حماية للتنظيم حتى يعود أقوى! جاسم سلطان أحد أهم عقول تيار الإسلام السياسى حاليا، ويقوم مشروعه على تأسيس تيار فكرى سائد يؤطر العقل الجمعى للأجيال الجديدة بفكر إسلامى مبنى على أسس بدأها الاخوان مع حسن البنا وسيد قطب، المسألة التى دفعته إلى حل تنظيم الإخوان القطرى عام 1999، والخروج إلى رحابة فكرة التيار البعيد عن قيود المنظمات، ويقدم جاسم سلطان مشروعه لتأسيس عالم إسلامى بفكر إخوانى بتنسيق مباشر ومعروف مع مراكز أبحاث أمريكية مدعومة من الحكومة الأمريكية لتأسيس إسلام ليبرالى معتدل على الطريقة الأمريكية، أشهرها مؤسسة «راند»، وهى مؤسسة أمريكية مقرها الوحيد عربيا فى الدوحة - قطر! وصدر عن راند تقريرها الأشهر والصادر فى كتاب بعنوان «بناء شبكات الاعتدال الإسلامي»، وهو التقرير صاحب الحظوة فى تحديد سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط، وصدر بعد هجوم 11 سبتمبر! يستند التقرير إلى النجاح الأمريكى فى الحرب الباردة دون الحاجة إلى التدخل العسكري، اعتمادًا على بناء شبكات تحالف قامت فى أغلبها على دعم أمريكا لمؤسسات ثقافية وبحثية وفكرية ومنظمات المجتمع المدنى داخل الاتحاد السوفيتى السابق أو الدول المتأثرة بالشيوعية التى صدرها السوفييت، وتوظيف تلك التحالفات فى ترويج الديمقراطية الغربية والليبرالية الأمريكية ضد شيوعية السوفييت! تأثرا بالدور الأمريكى فى الحرب الباردة طرح التقرير تأسيس تحالفات فى منطقة الشرق الأوسط، من خلال دعم المؤسسات التى تقدم إسلاما معتدلا حسب التصور الأمريكى لمصطلح معتدل، من أهم النماذج التى تم دعمها بشكل غير مباشر الداعية الإخوانى عمرو خالد! ويقصد بكلمة شكل غير مباشر إشارة التقرير لرفض شعوب الشرق الأوسط لأمريكا واعتبارها «شيطان»، بالتالى حبذ التقرير أن يقدم الدعم إلى شبكات الاعتدال بطريق لا يظهر تلك العلاقة، كما أشار إلى إمكانية نقد السياسة الأمريكية عن طريق نفس تلك الشبكات؛ لكسب مصداقية أكبر فى مجتمعاتها! لكن، ما علاقة مؤسسة راند بالداعية العراقى أحمد خيرى العمرى وحديثه عن مشروع النهضة؟ بالبحث داخل مقالات العمرى وأرشيف موقعه المحذوف والمتاح على الموقع الأمريكى Archive، نجد بعض الكلمات الدالة أو المفتاحية، وهى كلمات تضعها المواقع الإلكترونية مع المواد المنشورة لتسهيل عملية الوصول إلى الموقع من خلال البحث على محرك جوجل، مثال، وضع كلمة (الإسلام السياسي) داخل مقال منشور على الموقع، بالتالى سوف يظهر الموقع إلى كل من يبحث عن تلك الكلمة على جوجل. وكانت الكلمة الدالة أو الكلمة المفتاحية الأكثر وجودا داخل موقع العمرى هى (مؤسسة راند)! والحديث عن راند وجاسم سلطان وأحمد خيرى العمرى وأيضا الناشر السعودى نواف القديمي، صاحب ومدير الشبكة العربية للأبحاث، يأخذنا بالضرورة إلى الحديث عن أكادييمة التغيير ودورها الخطير فى تغيير خريطة الشرق الأوسط عام 2011 بدعم أمريكي، وقد نأتى للأكاديمية فى مقال لاحق! ترى الأبحاث الأمريكية أن الحل الأمثل لإنقاذ أمريكا من تكرار هجمات 11 / 9 يتمثل فى نشر الديمقراطية الليبرالية بمقاييس أمريكية، وتغيير عقول الشعوب العربية حتى تصبح على هوى أمريكي، من خلال تبديل الهوية وتهيئة اللاوعى العربى لقبول مصطلحات التحرر الأمريكي، وتلاقى ذلك الهدف مع وجود جماعة الإخوان الإرهابية كتنظيم وظيفى تستخدمه أمريكا فى تحقيق مخططها، وأيضا من أجل إعطاء الفرصة لحكم تيار الإسلام السياسى للمنطقة كسبيل لإسقاط الحكومات العربية التى أصبحت مزعجة للأمريكان، بالتحديد بعد ثورات التحرر العربية فى بداية النصف الثانى من القرن العشرين، بدعم روسى مع صعود الحركة الشيوعية، والذى مثل انتشاره فى نصف الكرة الأرضية تقريبا خطرا على الرأسمالية والليبرالية الأمريكية! مشروع الإسلام المعتدل الأمريكى قدم بعباءة إخوانية قبل 2013، وحاليا بعباءة سلفية حركية أو سرورية ظاهريا، إخوانية مستترة، وأفكاره أصبحت موجودة بقوة فى اللاوعى الجمعى لمجتمعاتنا، يشعر به من يملك ذرة عقل، سواء فى هجوم على المسيحيين المصريين فى عيدهم؛ لأن تهنئتهم حرام من وجهة نظر إسلام الإخوان، أو نقد لاذع للاعب محمد صلاح؛ لأنه قال فى لقاء تليفزيونى لا أحب الخمر ولم يقل إنها حرام، علما بأن من يردد ذلك الكلام قد لا يكون منتميا تنظيميا إلى أى جماعة، بالعكس ربما وجه للإسلام السياسى نقدا لاذعا بيد أن تركيبته العقلية تم تأطيرها للأسف بإسلام الإخوان. إخوان المستقبل لن يعملوا تحت مسمى الإخوان فقط، لكن تعددت الأسماء، والغاية واحدة، مهما تعددت السبل، سواء تيار الإسلام السياسي، أو أنصار السياسة الشرعية، أو حزب مصر القوية، أو حزب الوسط، أو حزب العدالة والتنمية، أو الحرية والعدالة، المهم هو توظيف أى مصطلح سوى كلمة إخوان فى تلك المرحلة، التى يبغض فيها الشارع المصرى كل ما له علاقة بالجماعة، المهم هو الاختباء أو الكمون، وتصدير الخلايا النائمة أو المستترة فى المشهد! أغلبنا يسخر الآن من ذكر كلمة إخوان، أو اتهامهم فى أى شىء، تستقبلنا نفس العبارة السمجة: »هو كل حاجة إخوان إخوان»، لكن وعلى الجانب الآخر، من الصعب أن نسخر من روائى شاب يعرض أفكاره الدينية فى روايات دعوية، روائى هو الأكثر مقروئية وسط الشباب فى أكبر دار نشر للشباب عربيا مثل «عصير الكتب»، الداعية أحمد خيرى العمري، الذى تحول إلى روائي، بعد أن بدأ حياته معدا لبرنامج الداعية الإخوانى عمرو خالد! روايات يرى البعض أنها غير مؤثرة، قد لا تكترث إلى خطورتها الحكومات العربية، التى تخوض حربا حقيقة فى جبهات أخرى، غير أن نفس ذلك الروائي، معد برنامج عمرو خالد، منظر مشروع النهضة القطري، المشروع المدعوم من مؤسسة راند الأمريكية، أشار فى حوار صحفى منشور على موقعه إلى ضرورة التخلص من أعباء التنظيم، والعمل على فكرة عامة، هى فكرة الإسلام السياسي، دون أن يقلل من جهود جماعة الإخوان الإرهابية، غير أنه يطالب بأن يكون هناك تيارات تعمل بالتوازي، جماعة تنظيمية، وأخرى كتيار فكري! طبقا لرؤية أحمد خيرى العمري، فلو تخلص الداعية من إلصاق كلمة إخوان باسمه، سيكون من السهل بمكان أن يقدم نفسه للمجتمع، تحت أى شكل؛ روائي، أو ممثل، أو موسيقى، ومن ثم توظف جميع تلك الأدوات فى عملية تدمير الهوية المصرية والعربية، والوعى الجمعى المصرى والعربي، وتأطيره بفكر الإسلام السياسي، وإسلام الإخوان!