أسست وزارة الدفاع الأمريكية مركز راند للأبحاث والتطوير عقب الحرب العالمية الثانية، بإشراف سلاح الجو الأمريكي عام 1946م، ولعب دورا كبيرا في الحرب، وبعد نجاحه في خدمة صناع القرار في سلاح الجو الأمريكي ارتأت الإدارة الأمريكية توسيع نشاطه ليشمل فروع القوات المسلحة كافة ومن ثم أجهزة الدولة كلها فتحول ليحمل اسم مؤسسة راند "RAND Corporation"، ومقره في كاليفورنيا. ويعمل في "راند" ما يقرب من 1600 باحث يحملون شهادات أكاديمية عالية، وتصل ميزانيته السنوية إلي ل 150 مليون دولار أمريكي ليكون أكبر مؤسسة بحثية في العالم، من حيث الميزانية، ومن حيث التأثير على الحكومات الأمريكية، لاسيما فيما يتعلق بالشرق الأوسط والإسلام والمسلمين. ويعود اهتمام "راند" بالشرق الأوسط والإسلام إلى عام 1999م، قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بنحو عامين، حين صدر عن المركز كتابا بعنوان "مواجهة الإرهاب الجديد" وأعده مجموعة من الخبراء الأمريكيين. اتجاهات "راند" تميل "راند" في أبحاثه عن الإسلام السياسي إلى ضرورة الفصل بين التيارات العنيفة والتيارات التي تميل إلي السياسة، لذلك يصنف الحركات الإسلامية بما فيها الصوفية إلي تيارات معتدلة وتيارات متطرفة وتيارات يسهل التعامل معها وتيارات يستحيل التعامل معها ويجب استئصالها من الحياة، ولذلك يري بعض الباحثين انه ربما ينتصر لآراء اليمين المتطرف داخل وزارة الدفاع الأمريكية والحكومة. وتسعى مؤسسة "راند" إلى تصنيف الإسلاميين إلى معتدلين ومتطرفين وربما تضع الجميع في سلة واحدة وترتبط بعلاقات مع المخابرات المركزية الأمريكية CIA ومكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكيةFBI، وربما ترسل توصياته إلي الكونجرس الأمريكي ووزارة الخارجية والتي تسعي للتأثير علي العالم الإسلامي بهذه التوصيات فيما بعد كما شهدنا في ثورات الربيع العربي والسماح لبعض الإسلاميين للوصول إلي الحكم والتجاوب معهم . تقارير "راند" أصدرت "راند" العديد من التقارير التي تخص الشأن العربي والشرق الأوسط لمساعدة صانعي القرار في أمريكا، وكان أهمد تلك التقارير، تقريرا بعنوان "بناء شبكات اسلامية متعددة"، وتقرير آخر يحمل اسم " كيف تنتهي الجماعات الإرهابية.. دروس لمواجهة القاعدة" نوضحهم في التالي: "بناء شبكات إسلامية معتدلة" أصدرت مؤسسة "راند" عام 2007 تقريرا بعنوان "بناء شبكات إسلامية معتدلة" في العالم الإسلامي، وناقش هذا التقرير أسباب شيوع وانتشار التفسيرات الراديكالية والمتشددة للإسلام. وتناول التقرير أيضا أسباب هيمنة الأصوات الراديكالية بالرغم من تمثيلهم أقلية بين صفوف المجتمعات المسلمة، ولماذا تصمت الأغلبية المعتدلة في معظم الأحيان. ويبين كذلك أن تفوق الجماعات الراديكالية المتشددة يعود إلى سببين الأول المال والثاني التنظيم، ثم ينتقل بعد ذلك إلى تحديد الأسباب التي تدفع حكومة الولاياتالمتحدة إلى بناء شبكات إسلامية معتدلة، إضافة إلى ذلك يوضح الطريقة التي تمت بها عملية بناء الشبكات أثناء الحرب الباردة، فيما يجري مقارنة تحليلية لأوجه التشابه والاختلاف بين أجواء الحرب الباردة والإسلام الراديكالي، ومن ثم يدرج برامج التعامل الأمريكية المطبقة حاليا مع المسلمين وتطورات خارطة الطريق الخاصة ببناء شبكات ومؤسسات إسلامية معتدلة . وجدير بالذكر أن تقرير "راند" الأخير الذي يحمل عنوان "بناء شبكات إسلامية معتدلة " هو تتمة للتقريرين السابقين "إسلام ديمقراطي مدني" والعالم الإسلامي بعد 11/9" . واستنادا إلى تقرير "راند"، فهناك خصائص أربعة تميز المعتدلين هي الديمقراطية، وتقبل مصادر القوانين غير الطائفية، واحترام حقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية، ومناهضة الإرهاب وأشكال العنف غير الشرعية. ولو وقفنا إلي أهم ما في هذا التقرير سوف نجد أن التقرير عانى من مشاكل تتعلق بتصنيف التيارات الحركية لدي المسلمين فعلى سبيل المثال في تقرير 2003 ورد الآتي :«لا يمكن تصنيف الصوفيين ضمن أي من الأنواع ولكننا سنشملهم ضمن الحداثيين، حيث يمثل التصوف تفسيرا فكريا متفتحا عن الإسلام»، وفي «تقرير2007» يشار إلى أن الصوفية بما يلي: «ربما يشكل التقليديون والصوفية الأغلبية العظمى من المسلمين، وهم في أكثر الأحيان وليس جميعها مسلمون محافظون يتمسكون بالمعتقدات والتقاليد المتوارثة عبر قرون». "كيف تنتهي الجماعات الإرهابية.. دروس لمواجهة القاعدة" وبالتزامن مع ضربات التحالف الغربي العربي ضد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، صدر عن "راند" تقريرا حمل عنوان "كيف تنتهي الجماعات الإرهابية.. دروس لمواجهة القاعدة". وتحدث التقرير عن أن الجماعات الإرهابية تنتهي بناء على النسب الآتية: ": 43% إذا دخلت في العملية السياسية، و40% بعد التدخل المخابراتى بالاختراق واعتقال واغتيال القيادات المؤثرة، و 10% إذا حققت النصر في قضيتها التي أنشأت من أجلها، و7% بالمواجهة العسكرية. علامات استفهام حول تقارير "راند قال الكاتب فهمي هويدي أن أمثال هذه الدراسات تثير علامات استفهام حول علاقة تلك الأنشطة والتوصيات التي تضمنها تقرير مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث, لتفكيك الإسلام وإعادة تركيبه تحت عنوان الإسلام المدني والديمقراطي خصوصا إن بعض تلك المقترحات وجدت لها ترجمة وتجسيدا في الأنشطة التي مررنا بها في المرحلة السابقة, سواء في منطلقاتها العلمانية أو في استحداث واجهات وقيادات جديدة بديلة لما هو قائم, أو في الهجوم علي الإسلام المحافظ والتقليدي, أو في تشجيع تيار التصوف. واعترف "مايكل ريتش" نائب المدير التنفيذي ل«راند » بأن خبرة المركز في دراسة قضايا "الإرهاب" والتي تصل إلى قرابة 30 عاما، يتم الاستعانة بها من قبل صانعي القرار وذلك من أجل تطوير منهج شامل لمواجهة الهجمات "الإرهابية". فيما أكدت الباحثة أميمة عبد اللطيف أن "راند" تقوم بإجراء أبحاث مفصلة عن الموضوعات الأمنية في مناطق بعينها، مثل الشرق الأوسط وجنوب شرق أسيا والخليج العربي، بل إن إحدى الدراسات التي قام بها "مايكل ريتش" عن "راند" تكشف عن أن "راند" تقوم الآن بعمل أبحاث لصالح حكومات عديدة لم تسمها الدراسة بالاسم، ول "راند" وجود مكثف في أوربا من خلال ثلاث مكاتب وبرامج بحثية في كل من مجالات الدفاع والسياسة الخارجية. بينما قال علي بشار بكر أغوان الخبير في دراسات الشرق الأوسط :"إن للمراكز "البحثية الإستراتيجية الأمريكية" أثر ملموس و واضح على السياسة الخارجية الأمريكية و طبيعة توجهاتها و الأدوات التي تستخدمها في تنفيذها حيث تبني الإدارة الأمريكية عدد ليس بقليل من المشاريع و التكتيكات الإستراتيجية التي تطرحها مثل هكذا مراكز و تعد بمثابة مراجعات لتقييم عمل الإدارة الأمريكية. وقال "جيمس ماك جين" أحد زملاء معهد بحوث السياسات الأمريكية عن مراكز الأبحاث الغربية: "إن النهم للمعلومات والتحليل المنهجي سيمة مركز مثل "راند "، حيث صارت هذه المراكز بمثابة المصدر الرئيسي ليس فقط للتزود بالمعلومات، بل لوضع وتقرير أجندة السياسات. وتابع:" تبدو خطورة هذه المراكز البحثية في أمرين أساسيين: أولا، كونها ترتدي ثوب الحياد الأكاديمي وترفع شعار المصالح الوطنية الأمريكية أمام منتقديها، وثانيا، هو التأثير المتزايد الذي تمارسه علي السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تخلت عن هذا الحياد وأصبحت في معظمها تخدم توجهات أيدلوجية معينة". اقرأ في هذا الملف"المراكز البحثية.. سماسرة أفكار أم صناع سياسات؟" * خبراء : المراكز البحثية أداة لصناع القرار حول العالم * «كارنيجي».. أداة أمريكية لدراسة الشرق الأوسط * «معهد واشنطن».. أداة صنع السياسة الأمريكية بالمنطقة العربية * هل استطاعت مراكز البحث العربية فهم الفكر الغربي ؟ ** بداية الملف