أعيش في تلك الأيام، لونا غريبا من المتعة.. اسمحوا لي بالقول إن متعتي منقوصة جدا.. أما مصدرها فهو متابعتي – قارئا – لمرافعة الأستاذ «فريد الديب» محامي «المخلوع» قبل أن يصبح «ملاكا بجناحين» علي يد الدفاع!.. فقد شاء «الديب» أن يجعل مرافعته قريبة الشبه بالمسلسلات التركية.. فهي مثيرة.. عاطفية.. فيها بعض الشجن.. لا تخلو من حالات نكد.. للحد الذي جعلني أعتقد، أن «الديب» خلق مزجا متفردا من الدراما التركية علي الهندية! كما لاحظت أن مرافعة «الديب» تحاكي ما يسمي في الدراما بمسلسلات الصابون – اسمها بالإنجليزية السوب أوبرا – ونموذجها الذي لا تخطئه عين هو مسلسل «الجريء والجميلات».. وبتصرف من جانبنا يمكن أن نجعل مرافعة «الديب» تأخذ عنوانا يليق بها وهو: «الجريء والملائكة» باعتباره مترافعا عن أبرز ملائكة مصر في الزمن الحديث.. فهو يدافع عن «الملاك الأكبر» وشهرته المخلوع.. و«الملاك الأوسط» المعروف باسم حبيب العادلي.. أما «صغار الملائكة» فهما علاء وجمال مبارك.. وإن كان المخلوع والعادلي يتجنبا الظهور في ثوب الملائكة.. الأول يتدلل نائما علي سريره.. فيحرص علي تغيير ألوان ملابسه.. أما الثاني فهو مفروض عليه اللون الأزرق كزي رسمي للمجرمين.. ولكن الصغار لا يملكون هذا الترف، ولا ذاك الخضوع المتدلل!.. تلك حاشية.. أما الموضوع فهو ذاك المنهج الذي يمضي عليه «الديب» مترافعا.. فبعد أن جعل المخلوع يظهر في صورة «كامل الأوصاف» لحد التطابق مع «ملاك بجناحين».. فقد راح ينفي عنه كل الاتهامات دون تقديم أي برهان.. المهم أنه يستخدم نبرة الصوت وقدراته البلاغية.. فضلا عن اعتقاده في أن ما يقوله له علاقة بالقانون.. فالمخلوع عنده لا علاقة له بقتل المتظاهرين.. نافيا عنه أنه كان رئيسا للبلاد.. والحمد لله أنه من حيث لا يقصد جعله مناقضا وبعيدا كل البعد أمير المؤمنين «عمر بن الخطاب».. لأن سيدنا عمر بن الخطاب كان القائل: «والله لو عثرت دابة في الشام لسئلت عنها».. أما المخلوع فهو غير مسئول عن مئات الشهداء وآلاف المصابين داخل حدود وطنه.. والكارثة أن وزير الداخلية أيضا غير مسئول.. ثم حاول أن يلصق المسئولية بالجيش المصري، ناسيا أن المخلوع كان في ذاك الوقت هو القائد الأعلي للجيش المصري.. هذا لا يهمنا.. لكن ما يهمنا أن جريمتي التربح والفساد المتهم بهما المخلوع.. لم يجد لهما «الديب» سببا ينفيهما غير أنهما سقطتا بالتقادم، لمرور عشر سنوات علي ارتكابهما.. ثم استدرك ليقول إن تلك الجريمتين يجب أن يحاكم عنهما أمام محكمة عسكرية.. ولم ينس تقديم المبرر، فهو يري أن المخلوع مازال يحمل رتبة الفريق في القوات المسلحة.. أي أنه واحد من مرءوسي المشير «محمد حسين طنطاوي» – بحكم الرتبة العسكرية الجديدة للمخلوع – وهذا تصغير يليق به.. كل تلك يمكن أن تدخل في باب الدعابات وإطلاق الوقائع السخيفة.. لأنه كلام يصعب علينا وصفه بأنه نكتة. وعندما دخل «الديب» في المنطقة التي يصعب عليه خلق دفوع لها – أقصد بذلك تصدير الغاز لإسرائيل – قرر إلصاق التهمة بجهاز المخابرات المصرية وكل من «عاطف عبيد» رئيس الوزراء الأسبق و«سامح فهمي» وزير البترول الأسبق.. ونسي أن كليهما عينهما «المخلوع» نفسه.. ثم ذهب إلي محاولة ذبح شريك المخلوع وصديقه «حسين سالم».. فإذا بصوت «الصندوق الأسود» لشخصية المخلوع.. وأقصد به «حسين سالم» يأتينا عبر روزاليوسف خلال تصريحاته مع الزميل «توحيد مجدي».. وقال قولا رادعا.. فقد اتصل بقرينة «المخلوع» وحذرها، بأنه يملك ما يقدم «الملاك الأكبر» و«الملائكة الصغار» لحبل المشنقة! يبدو أن الأستاذ «فريد الديب» بما يملك من براعة في فن الترافع أمام المحاكم.. وبما لديه من «مفهومية» وخفة ظل.. سيذهب بالمخلوع إلي حيث ذهب بنجوم قضاياه الكبري.. أقصد بهم: «موسي صبري» خلال صراعه مع الأستاذ «محمود عوض».. و«أيمن نور» خلال صراع «المخلوع» معه.. و«عزام عزام» الجاسوس الإسرائيلي عندما اشتد الصراع بين المخابرات المصرية والمخابرات الإسرائيلية.. ومعلوم بالضرورة أن تلك قضايا ترافع فيها «الديب» بالبراعة ذاتها.. وخسرها كلها بفشل ساحق وعظيم! الأستاذ «فريد الديب» يحرص خلال مرافعته – الجريء والملائكة – أن يقول كلاما كله صابون!.. فهو يفرض علي من يترافع عنه أن يمر علي الصابون مكسورا للحد الذي يصعب لملمة عظامه.. وبما أنه جريء.. فهو غير مكترث بأن حلقات مسلسله تستطيع أن تستمتع بها، دونما أن تتذكر شيئا بانتهاء الحلقة.. ولو أن من يحاول الرد عليه، قد نجح في تفنيد مزاعمه.. ظني أنه سيبحث عن «الروب» ليتدثر به محاولا مواجهة الناس!.. لكن الناس يعلمون أن مهنة المحاماة المقدسة، تفرض علي المحامي بذل كل الجهد لتبرئة المتهم.. ويبقي الأمر في النهاية مرهونا بعدالة المحكمة.. وهذا أمر نثق فيه ثقة كبيرة.. لكن ما لا نثق فيه هو تلك السعادة الطاغية التي يتمتع بها «الملائكة» داخل القفص.. ولعل واقعة واحدة تنسف مرافعات «الديب» من أولها إلي آخرها.. فقد قال إن الأمن المركزي لا يتجاوز عدد أفراده ربع المليون.. فإذا ب«الملاك الأزرق» – حبيب العادلي – يصحح له قائلا: «عددهم 117 ألفا فقط»!.. وتلك معلومة ما كان يجب أن يخطئها الدفاع لو أنه درس الموضوع جيدا.. لكن «الديب» لا تهمه الدراسة ولا تدقيق المعلومات والأرقام.. كل ما يهمه أن يفجر السعادة الكاذبة في صدور متهميه.. ويبدو أنه مشغول بأن يصبح بطلاً قومياً لحفنة من الناس يمثلون حزب الأغلبية الكاسحة.. وعددهم يتناقص من 25 مواطنا إلي «دستة أشرار».. أقصد ظرفاء ثورة 25 يناير الذين يرفعون لافتة «آسفين يا ريس»!