نسعي منذ عشرات السنين، منذ أطلقنا دستور عام 1923 عقب ثورة قام بها فعلا شعب مصر عام 1919، وكان علي أثرها إعلان الاستقلال، وحتي لو كان استقلالاً شكليًا، حيث القوات البريطانية ظلت في بعض المواقع في مصر, إلا أننا استطعنا وضع دستور واستطعنا أن ننتخب مجلس إمة أومجلسًا نيابيًا، وأن تكون هناك حكومة علي رأسها زعيم الشعب سعد زغلول، وكانت الثورة تسعي لإقامة نظام ديمقراطي رغم أن الملكية كنظام دستوري كنا نتمني أن يكون الملك في الواقع يملك ولا يحكم، ولكن للأسف الشديد في وجود «السرايا» والملك «وقصر الدوبارة» والسفير البريطاني (المندوب السامي) لم تستطع مصر أن تقيم النظام الديمقراطي، وحينما قامت ثورة 23 يوليو 1952 كان أهم مبادئها هو إقامة نظام ديمقراطي، ولكن حتي هذه الثورة المصرية الخالصة، والقائمة علي حكم البلاد بعد طرد الإنجليز وإلغاء الأحزاب وإنهاء عصر من الإقطاع وغيرها من شعارات رائعة، إلا أننا أيضاً تورطنا في حروب من أجل بناء مستقبل الوطن حرب 1956 بهجوم ثلاث دول علي مصر، ثم حرب «اليمن» التي تورط الجيش المصري فيها، حيث أرسلنا كتيبة لمساندة الثورة اليمنية فأصبحنا جميعنا خلف هذه الكتيبة متورطين في جنوب شبه الجزيرة العربية، حتي مجيء نكسة 1967، وفقدنا قواتنا المسلحة جميعها، وأعدنا بناءها في ست سنوات حتي إستطعنا بقوة إرادة شعب مصر، وتوفيق من الله أن ننتصر في أكتوبر 1973، ولم نستطع إقامة ديمقراطية، حيث قرر الرئيس الراحل السادات عودة الأحزاب السياسية عقب المنابر الثلاثة يمين ووسط وشمال، ولكن سرعان ما اغتيل الرئيس «السادات» بعد أن أخرج الإسلام السياسي من السجون والمعتقلات،قاصداً القضاء علي ورثة «جمال عبدالناصر»، ولكن للأسف انقلب السحر علي الساحر، وقتل الرئيس السادات في يوم نصره، في يوم كان بالنسبة له و لشعب مصر، هو يوم الرمز للكرامة يوم العبور الأعظم لشعب مصر، عبور للذل وللعار وللنكسة التي قيل عن هزيمتنا من منظري النظام في حينه. وجاء خليفة السادات، الرئيس مبارك، لكي يستكمل الطريق، وكانت السنوات الأولي في حكمة مالايستطيع ناكر للجميل أن يعترف بأنها كانت شفافة وحاولنا جميعاً مع القيادة السياسية أن نبني مجتمعاً ديمقراطياً، لكن للأسف الشديد، تغيرت الأهداف، وأحيط بالرئيس مجموعة من المنتفعين ومن الانتهازيين ثم كان حلم التوريث للحكم في العشرين عامًا الأخيرة من حكم مبارك إنهارت فيها كل مؤسسات الدولة، وتغلبت المصالح الشخصية علي المصلحة العليا للوطن وزادت الأمية، وزاد الأمن من قهره، وهنا كانت القوي السياسية تلعب إما تحت سطح الأرض أو علي المكشوف تحت ستار فزاعة للنظم العالمية الحرة المراقبة لتطور الحياة السياسية في مصر، وكانت الأمية هي السائدة، وكان لغياب الدولة عن احتياجات الشعب، دور هائل ومهم للجماعات الإسلامية أو الجماعات السياسية الملتحفة بالدين، حيث عالجت الاحتياجات، حتي يأتي الدور عليها لتطلب رد الجميل، وقد كان، جاءت ثورة 25 يناير «شباب دون قيادة» لكي ينجح مع الشعب في إزاحة رموز النظام السابق (الحالي) واستطاعت القوي الملتحفة بالدين أن تسترد وديعتها لدي الأميين في مصر – فكانت صناديق الانتخابات، ورغم ما شابها من خروج عن القانون إلا أنهم أصحاب الأغلبية، الأمية في مصر، واليوم لم تتحقق الديمقراطية ومؤجل الإعلان عن البدء في إقامة نظام ديمقراطي لحين إشعار آخر !!