مازالت المعركة الانتخابية في مصر تجري علي «قدم وساق» ومازالت النتائج تتأرجح بين أغلبية من خلفية ملتحفة بل متسربلة بالدين، ومحاولات حثيثة من القوي السياسية الليبرالية الهادفة لتأمين مستقبل البلاد، هادفة لتحقيق مبادئ وأهداف (الثورة) إذا ارتضينا هذا الوصف لما قام به شباب الأمة يوم 25 يناير والتحق الشعب كله بأبنائه حتي يوم 11 فبراير حينما استطعنا أن نسقط رمز النظام وهيكله بتخلي الرئيس مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية، وما استتبعه من أحداث حتي وصولنا اليوم إلي نهاية المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية. وهذا الارتضاء بالتوصيف علي أن ما قمنا به يسمي ثورة إلا أن التاريخ سوف يثبت أن ما حدث بداية من 25 يناير وحتي اليوم مع وجود النظام نفسه أي ما قبل 25 يناير، دون رموزه، وتولي الهيئة العليا للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد وأخيراً تعيين مجلس استشاري مدني، لمساعدة المجلس العسكري في اتخاذه لقراراته الغاية في الأهمية بالمرحلة الانتقالية، وإن جاء ذلك متأخراً إلا أن ما حدث يجب قبوله والتعامل معه دون البكاء علي اللبن المسكوب!! ولعل التحدي الرئيسي أمام شعب مصر اليوم هو الوصول إلي توافق شعبي بعد انتهاء انتخابات البرلمان لكي نشكل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وهو ما أعتقد أن المجلس الاستشاري سوف يعمل علي إيجاد صيغة يسترشد بها البرلمان المنتخب في إيجاد هذه الآلية التاريخية، لوضع دستور دائم في البلاد ولعل ما أعتقده أنه سوف يكون محل خلاف شديد بين القوي السياسية ذات الأغلبية في البرلمان وهي الأحزاب الدينية التي تسعي لوجود دولة (دين قراطية) كما قلت في مقال الاثنين الماضي، وبين إدارة البلاد ومجلسها الاستشاري وكذلك الحكومة ومعظم الليبراليين إن لم يكن جميعهم وخلفهم الأغلبية العظمي من (حزب الكنبة) أو العاكفين عن المشاركة للأسف الشديد!! ولعلنا نتذكر عام 1971 حينما صدر تعديل للدستور الأمريكي بإضافة عشر مواد سميت «وثيقة الحقوقي» Bill of rights وتضمنت تلك المواد أنه لا يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تفرض اتباع دين معين، وتمنع حرية النقد حديثاً أو كتابة، أو تحد من حرية الصحافة، أو تمنع التجمعات الشعبية للتعبير عن مطالبهم، ولا يحق لمجلس الشيوخ أيضاً سن قوانين تمنع المواطنين من حمل السلاح واقتنائه أو بيعه أو شرائه، ولا يحق لأحد ممثلي الدولة أو الجيش دخول بيت مواطن إلا بموافقة المالك، ولا يحق للدولة البحث في أوراق أو ممتلكات المواطنين، ولا يحق أخذ أموال الأفراد العقارية بدون تعويض مقبول يدفع للمواطنين وفي حالة ارتكاب جريمة فللمجرم الحق في الإسراع لمحاكمته، وله الحق في أن يعرف الجرم الذي ارتكبه، أو المخالفة التي قام بها، وله الحق في مقابلة الشهود الذين يشهدون ضده وسماع أقوالهم، وله الحق في الحصول علي شهود لمصلحته، وله الحق في تعيين مجلس قضائي يدافع عنه، وتلاحقت التعديلات الدستورية حتي بلغت 22 مادة حتي عام 1951. ولعل الفارق بين الدستور الأمريكي والدساتير المصرية منذ 1923 وحتي عام 1971 والتعديلات التي جرت عليه حتي سقوطه بإعلان دستوري عام 2011 من 68 مادة، أن الدستور الأمريكي يعتبر وثيقة علمانية، تبدأ بعبارة «نحن الشعب» ولا تحتوي الوثيقة علي أي ذكر لكلمة الرب أو المسيحية أو الإشارة لكلمة دين – حيث استخدمت كلمة دين في الدستور الأمريكي للتأكيد علي عدم التمييز بين المواطنين علي أساس عقائدهم. أمام شعب مصر أكبر تحد للمستقبل، وهو وضع دستور يتوافق عليه الشعب، يقودنا إلي دولة ديمقراطية تعمل علي رفع مستوي المواطن المصري إلي ما يستحقه بين مواطنين بد العالم الحر!