رغم سيطرة حالة من التشاؤم علي الشعب المصري في الفترة الأخيرة بسبب تكرار أحداث العنف المرتبط بميدان التحرير بدءا من أحداث ماسبيرو مرورا بأحداث السفارة الإسرائيلية ومديرية أمن الجيزة وأحداث مسرح البالون وشارع محمد محمود وانتهاء بأحداث شارع مجلس الوزراء إلا أن هناك ما يدعو للتفاؤل إذا عرفنا أن هناك دراسة اقتصادية مهمة تؤكد أن مصر خلال خمس سنوات سوف تصبح أهم دولة اقتصادية واستثمارية في المنطقة بل إنها سوف تهدد عروش دول اقتصادية مهمة في المنطقة والعالم أجمع والفضل في ذلك لثورة 25 يناير التي ستجعل مصر تحتل مكانتها الطبيعية بين الدول الكبري من دول العالم المتقدم سواء علي المستوي الاقتصادي أو المستوي السياسي. تقول الدراسة التي أعدها مركز الدراسات الاقتصادية رغم كل ما يجري الآن من أحداث وصراعات ورغم أن قراءة للمشهد السياسي والاقتصادي يجعلك تتوقف أمامه ولا تستطيع التفكير إلا أن النظر الي الامام سوف يكون مشرقا وتبدأ الدراسة بوصف مصر خلال عام 2011 وتؤكد أن هذا العام في بدايته وقعت احداث كنيسة القديسين في الاسكندرية إلا أنه قبل نهاية شهر يناير كانت ثورة 25 يناير التي فتحت أبواب الأمل للشباب والكبار وكان من الممكن اختصار الزمن إلا أن كل الثورات في العالم تتبعها أحداث أكثر سخونة مما يحدث في مصر فرغم قيام الثورة وملاحقة رءوس الفساد إلا أن السبب في التأخر يرجع إلي تعاقب أربع رؤساء وزراء علي الحكم في مصر فبعد رئيس الوزراء المحبوس أحمد نظيف جاءت وزارة اللواء أحمد شفيق ثم وزارة عصام شرف وبعدها وزارة كمال الجنزوري، كما تم اغلاق البورصة المصرية لأول مرة في تاريخها 25 يوما وإغلاق البنوك لمدة 23 يوما وفرض حظر التجوال لمدة 42 يوما وزادت الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات لتصل إلي أكثر من 200 اعتصام ووقفة احتجاجية في الاسبوع في بعض الاحيان وهو الأمر الذي كلف خزينة الدولة 17 مليار جنيه مصري كان أصعبها علي الاقتصاد أحداث دمياط التي بدأت يوم 5/11/2011 والقيام بقطع طريق مصنع «موبكو» للاسمدة التي نتج عنها اغلاق ميناء دمياط وعدم تفريغ وشحن 21 سفينة بالرصيف وعدم دخول 31 سفينة أخري الميناء وتوقف شحن الغاز لأوروبا خاصة اسبانيا وتسبب هذا في خسارة مصر ما يعادل 350 مليون دولار.. وفقدها ما لا يقل عن 2 مليون طن يوريا حجم انتاج المصنع كانت ستغطي الاستخدام المحلي.. بالاضافة إلي خسارة البنوك التي تتعامل مع جميع الشركات سواء في استيراد أو تصدير منتجات المصنع بما قيمته مليار دولار خلال فترة الازمة وتضيف الدراسة أنه خلال تلك الفترة من هذا العام والتي تعدت أكثر من عشرة أشهر زاد الدين المحلي من 888 مليار جنيه إلي 1044 مليار جنيه والدين الخارجي 34.5 مليار دولار إلي 36 مليار دولار وانخفض الناتج القومي 1.2 تريليون جنيه سنويا إلي 680 مليار جنيه سنويا وخسائر البورصة وصلت إلي 196 مليار جنيه والسياحة انخفض حجمها من 12.5 مليون سائح سنويا إلي 2.5 مليون سائح خلال نفس الفترة من العام السابق وبذلك انخفضت إيرادات السياحة من 12 مليار دولار إلي 2.8 مليار دولار وارتفعت نسبة التضخم خلال عام 2011 من 15٪ إلي 27٪ وانخفض التصنيف الائتماني لمصر 4 مرات ووصل حاليا إلي «B.B سالب» بعد أن كان «B.B موجب» ومع كل هذه الازمات التي تعيشها مصر حاليا فإن النظر للمستقبل يقول عكس ذلك تماما. فتقول الدراسة إن ذلك كله يمكن تعويضه وخلال فترة زمنية وجيزة لا تزيد علي ثلاث سنوات تستطيع مصر خلالها أن تقف علي قدميها وإذا أضفنا إليها عامين آخرين أي ما يعادل خطة خمسية لتصبح خمس سنوات تستطيع مصر أن تكون من أهم دول العالم والمنطقة اقتصاديا وسياسيا فمع تحقيق حلم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية سوف يتحقق النمو الاقتصادي الرهيب المتوقع لمصر من خلال عدة محاور أهمها أن مصر دولة زراعية وبعد وقف نزيف سرقة الأراضي التي كانت تتم لكبار رجال الأعمال الذين حصلوا علي كميات أراضي بالكيلو متر ووضعوها في الثلاجة ولم يفعلوا أي شيء عليها انتظارا لارتفاع ثمنها حتي يقبضوا هم الفارق المادي الرهيب ليصبحوا مليارديرات دون أن يفعلوا أي شيء لهذا البلد.. فقد أكدت الابحاث أن مصر تستطيع أن تضيف 7.5 مليون فدان الي الرقعة الزراعية منها ثلاثة ملايين فدان في الصحراء الغربية ومليون ونصف المليون فدان في سيناء ومليون فدان في منطقة الساحل الشمالي والعلمين ومليون ونصف حول بحيرة ناصر ومنطقة توشكي مما يجعل مصر تستطيع أن تتخلص من الاعباء الاستيرادية لبعض المحاصيل الزراعة مثل القمح والسكر والزيت بل يمكنها أن تكون من الدول المصدرة لهذه المحاصيل إذا أرادت ذلك وهذه الأراضي تنتظر فقط البدء في زراعتها خاصة أن الابحاث أكدت توافر المياه الجوفية التي يمكنها أن تحول الصحاري الي جنة خضراء. وسوف تساعد المنظومة السياسية إذا طبقت الديمقراطية في أن تجعل مصر محط أنظار العالم مما يجعل السائح الأجنبي يأتي الي مصر وهو مطمئن مما يضاعف عدد السائحين ليصبح عددهم أكثر من 30 مليون سائح سنويا بدلا من 12.5 مليون سائح، بالاضافة الي التدفقات الاستثمارية الضخمة التي سوف تأتي للاستثمار في مصر والتي سوف تزيد أضعاف الاستثمارات الحالية خاصة في منطقة قناة السويس التي يمكن أن تزيد دخلها الي أضعاف دخلها الحالي من خلال انشاء مشروعات عملاقة حول المجري المائي للقناة لتتحول قناة السويس من مجرد مجري مائي تدفع فيه السفن العابرة رسوم عبورها فقط الي منطقة ضخمة لصيانة السفن وشحنها وتفريغها وتحويل ضفتي القناة الي منطقة تجارة حرة تزيد من دخل الدولة أضعاف مضاعفة وتزيد من دخل الفرد العامل في هذه المنطقة أكثر من 4 مرات دخل الفرد في أي منطقة مصرية أخري ويعادل دخل الفرد في عدد كبير من دول العالم المتقدم. وأكدت الدراسة أيضا أن مصر سوف تشهد في السنوات القادمة ازدهار زراعات ومنتجات كانت تتميز بها في الماضي وقضي عليها النظام السابق مثل صناعة الحرير الطبيعي التي كانت مصر إحدي الدول المصدرة له من عهد الفراعنة وحتي وقت قريب بعد أن تعاقدت عدة شركات بعد قيام ثورة 25 يناير علي زراعة كمية كبيرة من شجر التوت علي حواف الترع والمصارف واستيراد سلالات جديدة من دودة القز تنتج كميات ضخمة الحرير الطبيعي كما عادت مصر لزراعة مساحات أوسع من القطن طويل التيلة الذي كانت تتميز به مصر عن باقي دول العالم بعد أن اشتهر القطن المصري بأنه طويل التيلة عكس القطن الأمريكي قصير التيلة الذي استطاعت الولاياتالمتحدةالامريكية خلال ثلاثين عاما ضرب هذه الصناعة الضخمة التي كانت تتميز بها مصر والقضاء علي زراعات القطن طويل التيلة الذي يتناسب مع الاجواء المصرية لحساب القطن قصير التيلة الذي لا يتناسب مع الاجواء المصرية مما تسبب في خسائر فادحة لهذه الزراعة الاستراتيجية مما جعل مصر تتراجع إلي الوراء في التصنيف العالمي في انتاج القطن، كما تشير الدراسة الي امكانية دخول مصر صناعة البرمجيات وصناعة الطاقة وغيرها من الصناعات التي لم تكن موجودة من قبل، يقول الدكتور صلاح جودة المشرف علي الدراسة ومدير مركز الدراسات الاقتصادية: أولا علينا أن نعترف إن عام 2011 كان عاما فريد البنية يحمل الحرية للشعب المصري الذي تخلص من 30 سنة من الظلم والفساد والاحتكار والقمع وغيرها من الامور التي عاشتها الشعب المصري تحت قيادة الرئيس المخلوع وحاشيته.. لكن بعد قيام الثورة حدث ما لم يكن متوقعا بزيادة المطالبات الفئوية والانفلات الأمني وتوقف حركة الانتاج مما كلف خزينة الدولة الكثير من الاعباء المالية وحدث عجز في الموازنة وغيرها من المسببات التي ذكرت في الدراسة ولكن مع كل هذا إذا نظرنا للمستقبل فإنه مع حالة التفاؤل يمكن أن نعوض كل هذا في السنوات المقبلة لاننا نمتلك الادوات الطبيعية والبشرية التي يمكنها أن تساعدنا أن نقف علي أقدامنا أولا ثم نستطيع أن ننافس الدول التي سبقتنا بمراحل وإذا أردنا ذلك علينا أولا أن نعيد الأمن للشارع وهو ما بدأت ملامحه في الظهور في الاسابيع الأخيرة ثم علينا أن نبدأ في تطبيق حالة التقشف ومنع السرقة والاحتكار وهو ما يقوم بتطبيقه حاليا رئيس الوزراء كمال الجنزوري والمجموعة الاقتصادية وثم الانطلاق في المشروعات الزراعية التي يتم الاعلان عنها باستزراع كميات ضخمة من الاراضي التي كانت موجودة من قبل ونحتاج فقط من يزرعها وهذه المشروعات الزراعية سوف تتبعها مشروعات صناعية عملاقة تنقل مصر نقلة حضارية ضخمة وهو ما يساعد علي زيادة دخل الفرد علي 400 دولار. ومن جانبهم أكد محللون اقتصاديون ألمان أن مصر لن تصل الي حافة الافلاس نتيجة مواردها الطبيعية وموقعها الجغرافي الذي يقع بين طرفي التجارة الرئيسية في العالم رغم الاوضاع الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري منذ بداية عام 2011. وأوضح الخبير المصرفي الألماني هوارد شولتز -في تصريحات صحفية- ان زيادة الصادرات ونجاح الانتخابات البرلمانية يعدان مؤشرين ايجابيين علي قدرة مصر علي تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية خاصة علي الصعيد الاقتصادي الذي يشمل ارتفاع معدلات العجز في الميزانية والتضخم والبطالة وتراجع احتياطيات النقد الاجنبي وقيمة العملة المحلية وعائدات السياحة. وأضاف أن الحكومة المصرية ينبغي عليها اعطاء الاولوية لدعم الامن والاستقرار وتقليص معدلات البطالة والفجوة بين الاغنياء والفقراء من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الانفاق الاستهلاكي. وأشار الي أن تحسن بيئة الاستثمار في مصر سوف يتوقف علي ازالة الغموض وحالة عدم اليقين علي المستويين السياسي والاقتصادي مشددا علي ضرورة دعم معدلات الطلب المحلي عن طريق زيادة الاجور وتحسين جودة المنتجات المحلية. كما قالت كورديلا فيشر كبيرة المحللين الاقتصاديين بمؤسسة ليتباريسكي للاستشارات الاقتصادية والمالية إن بناء اقتصاد قوي بمصر يستلزم دعم سيادة القانون وكبح الفساد وتنفيذ المزيد من الاصلاحات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية والادارة. وأضاف أن مصر تتمتع بمزايا اقتصادية تنافسية من بينها الموقع الجغرافي المتميز والعمالة الرخيصة المدربة وقربها من الاسواق العربية والافريقية والاسيوية والاوروبية.. بالاضافة الي ارتباطها باتفاقيات شراكة اقتصادية مع عدد كبير من الدول والتكتلات الاقليمية. إلا أنها أوضحت أن الحكومة المصرية ينبغي عليها اعادة النظر في سياسات الدعم الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من الميزانية لتقليص معدلات عجز الموازنة وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان استفادة الفئات الفقيرة منه بدلا من الاغنياء محذرة من التداعيات الخطيرة التي سوف تنجم حال اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في مصر. وفي السياق ذاته قال فيليكس هينغنر المحلل الاقتصادي الألماني ان الحكومة المصرية ينبغي عليها بذل جميع الجهود لتحسين تصنيف مصر الائتماني لتجنب رفع اسعار الفائدة وتقليص معدل المديونية وزيادة ثقة المستثمرين الاجانب. وأضاف أن مصر ينبغي عليها دعم قدراتها في مجال تجارة الخدمات والاستفادة من الاتفاقيات التي وقعتها مع شركائها التجاريين للاستفادة من موقعها المتميز وتوفير المزيد من فرص العمل. واستبعد احتمال تراجع استثمارات بلاده في مصر حال وصول التيار الاسلامي إلي السلطة، مشددا علي أن الاحزاب التي ستشكل الحكومة القادمة في مصر ينبغي عليها تنفيذ حزمة من السياسات الاقتصادية لدعم البيئة المواتية للاستثمار وتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري ودعم احتياطي النقد الاجنبي.