حقيقة العبور الأول لقناة السويس كما يرويها قائدها اللواء فتحي عبدالله: معركة «رأس العش» أعادت الثقة للقوات المسلحة بعد نكسة يونيو 1967 لم يأت انتصار أكتوبر الساحق 1973 من فراغ، بل كان نتيجة لعدد من المعارك والمواجهات مع العدو الإسرائيلي التي لا يذكرها التاريخ ويمنحها حقها، معركة رأس العش كانت العبور الأول لقناة السويس رغم ضعف إمكاناتها، لكنها استطاعت أن تحمي بورفؤاد من الاحتلال وكان الرئيس جمال عبدالناصر متواجدًا علي مقربة منها بشرق القناة طوال الليل.. تفاصيل هذه المعركة يرويها قائدها اللواء فتحي عبدالله. ما أهمية معركة «رأس العش»؟ إنها كانت أول معارك الصمود أمام العدو الإسرائيلي بعد نكسة 5 يونيو 1967 وكانت بداية استعادة القوات المسلحة لثقتها بنفسها. لماذا منطقة «رأس العش» تحديدًا؟ هذه المعركة كانت 30 يونيو 1967 أي بعد النكسة بعشرين يومًا فقط، السبب الرئيسي لهذه المعركة هو قيام العدو الإسرائيلي بدفع «قول» مدرع من الدبابات والعربات النصف جنزير المحملة بهونات 120 مل، وكان العدو بعد احتلاله لسيناء بالكامل يحاول الاستيلاء علي مدينة بورفؤاد شرق القناة، وهي الجزء الوحيد المتبقي شرق القناة الذي لم يكن العدو قد استولي عليه بعد. كيف تم الإعداد لاستراتيجية المعركة؟ تم إبلاغ القائد العسكري بمدينة بورسعيد ظهر يوم 30 يونيو 67، من عناصر الاستطلاع المصرية أن العدو يتقدم بقوات مدرعة علي المدق الترابي الموازي لقناة السويس في منطقة الكاب، بهدف الوصول إلي مدينة بورفؤاد والاستيلاء عليها، فأصدر القائد العسكري أوامره إلي قائد الكتيبة 43 صاعقة المتمركزة ببورسعيد بدفع فصيلة صاعقة بكامل أسلحتها إلي منطقة محطة إرشاد السفن لرأس العش لعبور الفصيلة إلي الضفة الشرقية لقناة السويس، واتخاذها موقعًا دفاعيًا بشرق القناة لصد وتدمير قوات العدو المتقدمة في اتجاه مدينة بورفؤاد. تم استدعائي بواسطة قائد الكتيبة الرائد سيد الشرقاوي، وتم إصدار أوامره لي بأن أقوم بتجهيز الفصيلة الثانية من السرية الثانية من قوة الكتيبة، كنت آنذاك برتبة الملازم ثان وبعد صدور الأوامر لي قمت بتجهيز فصيلتي بالأسلحة والذخائر وهو التسليح الخفيف لقوات الصاعقة والبنادق الآلية والرشاشات الخفيفة والقذائف RBG، بعد استكمال تجهيز الفصيلة قمت بإعطاء تمام الاستعداد إلي محطة إرشاد السفن برأس العش، وتم عبور الفصيلة بكامل أفرادها وأسلحتها والذخائر، وكانت قوة الفصيلة لا تتعدي 30 مجندًا. وكان هذا العبور هو أول عبور لقوات مسلحة مصرية من الضفة الغربية لقناة السويس، إلي الضفة الشرقية بعد النكسة بعشرين يومًا، وتم العبور الساعة الثالثة عصر 29 يونيو1967، عند الوصول للضفة الشرقية قمت بواسطة أفراد فصيلتي بتجهيز موقع دفاعي بسرعة، حيث إن العدو كان في هذا التوقيت متقدمًا من منطقة الكاب بشرق القناة متجهًا إلي منطقة التينة، ثم تقدم إلي منطقة رأس العش في نحو الساعة الخامسة مساء، حيث فوجئ العدو بوجود القوات المصرية شرق القناة فتوقف كل المدرع الإسرائيلي من موقع الفصيلة عن لقائد الكتيبة وتوجهت بعد يصل إلي 150 مترًا، وكان لا يزال قرار الأممالمتحدة قائمًا في هذا التوقيت بإيقاف إطلاق النيران بين الجانبين منذ انتهاء نكسة و67 قام العدو بالاتصال بقيادته وأبلغهم بتمركز قوات مصرية برأس العش فقامت القيادة الإسرائيلية بدفع طائرة استطلاع مروحية تسمي «سوبر بايبر كب» فوق موقع الفصيلة ليقوم بتبليغ قيادته بعدد القوة المتمركزة وكذلك التسليح المتواجد معه. ثم بدأ العدو الإسرائيلي في إرسال جنوده من عربات نصف جنزير وبدءوا يتخذون تشكيلاً قتاليًا في مواجهة فصيلة الصاعقة، وفي آخر ضوء في نحو الثامنة مساء بدأ العدو في فتح النيران علينا وما كان مني إلا أن خالفت الأوامر بفتح النيران علي العدو، واستمر بعربات مدرعة الاشتباك بين فصيلتي بتسليحها الخفيف الذي لا يتعدي البنادق الآلية أمام فصيل العدو بدباباته ومدرعاته ونيرانه الكثيفة، وهنا تقدم الرقيب حسني سلامة بقاذفRBG واقترب من أول دبابة تجاه الفصيلة وقام بتدميرها وانفجرت الدبابة بذخائرها. واستمرت المعركة طوال الليل نتيجة للتعزيزات التي أرسلت إلينا، حتي اتصل بي قائد الكتيبة باللا سلكي ليبلغني برسالة الرئيس جمال عبدالناصر بأنه يتابع سير المعركة بنفسه وعلينا ألا نسمح للعدو باحتلال بور فؤاد حتي آخر قطرة بدمائنا وألا يصل العدو لبور فؤاد إلا مروراً فوق جثثنا! كنت حريصًا علي نقل الرسالة لكل الفصيلة التي رفعت من معنوياتهم وأخذوا يكبرون وزادت ضراوة النيران في اتجاه العدو الذي فشل في اختراق الموقع الدفاعي، واستطاع العدو إحداث بعض الخسائر في الفصيلة باستشهاد الملازم أول جابر الجزار المعاون لي وبعض الجنود، إلا أننا استطعنا نحن الثلاثون فرداً القضاء علي العدو تمامًا الذي بدأ في التقهقر للخلف، واستمرت أرض رأس العش تحت سيطرتنا وهي المنطقة الوحيدة التي كان تتواجد بها قوات مسلحة مصرية من كامل صحراء سيناء، وهناك تم إنشاء «النقطة القوية» للقوات المسلحة. كنتم تمرون بإحباط شديد بعد النكسة والقوة غير المتكافئة مع العدو إضافة إلي أن ليلة القتال كانت ظلامًا ماذا كان الحافز لديكم؟ كان جنود الفصيلة يشعرون بالفخر أن جاءتهم الفرصة لمواجهة العدو، ليثبتوا أن الجندي المصري قادر علي تدمير قواته والقضاء علي أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يقهر، كما أن الرئيس جمال عبدالناصر صباح يوم المعركة في نشرة أخبار السابعة بالإذاعة أصدر قراراً جمهوريًا بترقية ضباط وصف جنود المعركة ترقية استثنائية لرتبة أعلي، فهذه المعركة أعادت الثقة للقوات المسلحة وتوالت انتصاراتنا في حرب الاستنزاف طوال ست سنوات وصولاً بانتصار أكتوبر 73. معركة مهمة ومؤثرة كرأس العش لم لماذا تأخذ حقها التاريخي في رأيك؟ طبعًا لك الحق في هذا الاندهاش، لكن التاريخ العسكري والمعاهد العسكرية تدرس هذه المعركة. كيف تري ثورة «25 ينايز» في هذه الأثناء؟ أنا اعتبر أن ثلاثة أحداث كانت لها ثلاثة ردود أفعال قوية علي، لا أستطيع استيعابها وهي: النكسة 1967، انتصار 1973، والتي أحسبها كأحلام اليقظة، إنما شعوري بالفخر الأكبر بمعركة رأس العش لأنه شاءت الأقدار أن أقودها.