حوار- خالد بيومى الدكتور محمد حسن عبدالله ناقد وأكاديمى مرموق، عمل أستاذا للنقد والبلاغة بجامعة الكويت قرابة ربع قرن، وحاليا هو أستاذ متفرغ للنقد والبلاغة بجامعة الفيوم فى مصر، له مساهمات نقدية ثرية تعد علامات فى مسيرة النقد الأدبى المعاصر، فى الرواية والمسرح والتراث. حصل على أطروحة الدكتوراه عام 1970 وكانت عن نجيب محفوظ، وقد ارتبط بعلاقة صداقة قوية مع نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، أصدر محمد حسن عبد الله أكثر من ستين كتاباً فى النقد والبلاغة والأدب المقارن وتحقيق التراث، والمسرح، والقصة والرواية، وهو يوازن فى نقده بين الشعر والسرد بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، من أبرز كتبه: مداخل النقد الأدبى الحديث، إسلاميات نجيب محفوظ،الواقعية فى الرواية العربية، الحكيم وحوار المرايا، الريف فى الرواية العربية، إبراهيم طوقان، دراسة فى شعره، أقنعة التاريخ، بين النص والعرض، آفاق المعاصرة فى الرواية العربية، قصص الأطفال ومسرحهم، الحركة الأدبية والفكرية فى الكويت، الجزائر فى الشعر العربى، وغيرها من المؤلفات، هنا حوار معه، ■ يعد كتابك» الواقعية فى الرواية العربية» رائداً فى الدراسات النقدية العربية وقد صدر فى أوائل سبعينيات القرن الماضى، برأيك ما الذى ينقص الواقعية فى الإبداع الروائى العربى؟ وكيف يمكن تجاوز الجانب الأيديولوجى المذهبى فى منهج الواقعية فى الإبداع الأدبى؟ «الواقعية» هو أطروحة الدكتوراه، وكان الاختيار قائما على أن الواقعية – فى جوهرها – أسلوب يستوعب كافة الأساليب، ولماذا نظل ننتظر نزول الوحى فى الغرب مرة، وفى أمريكا الجنوبية مرة، ونحن – العرب – أصلاء فى التعبير عن جميع مستويات الحالات الإنسانية، هكذا يقول تراثنا الشعرى والحكائى، الذى يتجاوز الشائع من المقامات والنوادر، إلى «الفرج بعد الشدة» و«مصارع العشاق» ومن قبلهما كتاب «البخلاء» هذه مسالك فريدة فى طاقتها الإبداعية، ولكن من المؤسف أن قطاع /قطيعة الثقافة العربية لا تريد أن تمد بصرها فى غير الاتجاه الذى أدمنته. ■ برأيك، هل الرواية العربية تستجيب للواقع السياسى والاجتماعى فى العالم العربى؟ بالطبع، فهى لا تملك إلا أن تستجيب، فتكوين الخبرة الإنسانية المتوارثة لا يذهب بعيدا عن هذين العنصرين: السياسة والمجتمع، غير أن الاستجابة قد تأخذ طابعا سلبياً، مثلما فعل أصحاب (المدن الفاضلة) فقد لجأوا إلى تأسيس هذه المدن المتخيلة، رفضا للواقع الذى يعيشونه، وتطلعاً إلى واقع بديل. ■ ما أثر جيل الستينيات- جيلك- على الرواية العربية؟ وهل استطاع هذا الجيل أن ينقل الرواية من الاتجاه الواقعى التقليدى إلى نموذج مختلف يطور تقنية السرد؟ جيل الستينيات، أو جيلى، هو الذى طور فن الرواية العربية، وأسس لها مكاناً بين الآداب العالمية، ما بين حنا مينه فى سورية، وعبد الرحمن مجيد الربيعى فى العراق، والطيب صالح فى السودان، هؤلاء البناة العظام للواقعية فى توجهاتهم التى تبدو للعين المتسرعة مختلفة فى جوهرها، غير أنها تنبعث من مشكاة واحدة. ■ أصدرت كتابا بعنوان «الإسلامية والروحية فى أدب نجيب محفوظ» الذى صرح بأن أدبه متأثر بالقيم الإسلامية والثقافة الإسلامية، هل يعد نجيب محفوظ كاتبا إسلاميا رغم أنه لم يكتب بشكل مباشر عن الإسلام مثل عبقريات العقاد أو روايات جورجى زيدان أو كتابات مصطفى محمود، ماذا تقول؟ ما كتب نجيب محفوظ من روايات، وقصص قصيرة، يختلف تماما عن كل من ذكرت، ولم أقل إنه كاتب إسلامى (بالمعنى الشائع لهذا المصطلح)، ولكنه كاتب ينظر إلى شخصياته، وإلى الأحداث فى ذاتها نظرة فلسفية عميقة، ويطرح من خلالهما رؤى كونية، وسلوكية راقية، وأحيانا مثالية، وفى كل الأحوال يرتقى تصويره لشخصياته، وتعليله للأحداث عن المألوف الذى (يتمحك) فى الواقعية ليسقط فى هوة الغواية، والإغواء، نجيب محفوظ لم يفعل هذا على الإطلاق. ■ برأيك، لماذا لم يحصل أى كاتب عربى على نوبل منذ أن حصل عليها نجيب محفوظ قبل ربع قرن؟ من المؤكد أن لدينا فى مصر، وفى النتاج العربى الفكرى والفنى العام ما يرقى إلى مستوى المنافسة على جائزة نوبل، ومن المؤسف أنها تخلفت عن مفكر إنسانى فى حجم طه حسين، ومبدع نادر الأداء مثل يحيى حقى، وغيرهما، وفى ظنى أن هناك انحيازاً/ تسييساً للجائزة، ساعدناه بموقفنا السلبى من كبار مبدعينا، فلم نعمل على ترجمة أعمالهم إلى اللغات العالمية المقروءة، والتعريف بهم فى الدوريات المهمة. ■ لديك العديد من الكتب عن المسرح منها «الحكيم وحوار المرايا»، كيف يمكن سد فراغ الكتابة المسرحية بعد جيل توفيق الحكيم؟ المسرح يزدهر بتأثير عاملين - إلى جانب توارث الحرفة، والعمل على رقيها - المسرح يحتاج إلى مجتمع متسامح، يتسع صدره لتقبل الانتقاد، ومواجهة النقص ولا ترفع فيه الدعاوى من النقابات لمجرد تصوير أحد منتسبيها فى عمل لا ترضى عنه تلك الفئة ، ويزدهر حين تعترف السلطة الحاكمة – ولو بالإحراج – بحق الاختلاف، وحق الاجتهاد، فظهور مسرح يوسف إدريس، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ونعمان عاشور، وغيرهم ، لم يكن مصادفة، وإنما كان ترتيبا على تحقق ما سبق ذكره من عوامل الإنعاش ، ■ برأيك، هل أزمة المسرح أزمة نصوص أم تمويل؟ كل الأزمات فى وطننا العربى (دون الشعور بالتردد أمام التعميم بكل) مصدرها : الإدارة البيروقراطية التى يجسدها (الكاتب جالس القرفصاء) فهو لا يبحث ولا يتحرك، بقدر ما يكبح ويشكك، أو يفضل الجاهز المتفق عليه، ثم حالة التحاسد والتنافس غير النزيه (غير الفنى) بين الكتاب أنفسهم. ■ كيف ترى العلاقة بين الناقد العربى والهوية؟ وهل النقد العربى مجرد ناقل للنظريات النقدية الغربية أم مشارك فى حركتها عن طريق التمثل والاستيعاب؟ الناقد العربى لا يملك إلا أن يكون عربيا، حتى وإن استهوته (برنيطة الخواجة) فراح (يرطن) بما لم يبدع، لعله يتصدر (الزفة) وجهد الناقد العربى إلى الآن ينحصر فى محاولة التطبيق، والتوفيق، فإذا وجد من يحاول إضافة لمسته الخاصة، واجه من الاستهانة بمحاولته ما يحمله على التراجع عنها. ■ أصدرت كتاب» الحب فى التراث العربى «ونلاحظ أن معظم أبطال قصص الحب شعراء، فهل الشعر نديم الهيام؟ وهل يصلح كتاب» طوق الحمامة « لابن حزم دستورا للعشاق فى هذا العصر؟ لا ليس أبطال قصص الحب شعراء، ففيهم من الفقهاء والعلماء والأمراء من هم أصحاب تجارب ومواقف، وكتاب «الحب فى التراب العربى» يؤكد هذا، كما يؤكده كتاب»مصارع العشاق» وغيره. أما كتاب «طوق الحمامة» فقد قال ابن حزم فى مقدمته: إنه لن يهتم بعشاق البادية من العرب وأشباههم (فزمانهم غير زماننا) وبذلك أخلص كتابه لتجربته الذاتية، ولملاحظاته على سلوكيات مجتمعه، وهذا نموذج يستحق التقدير، ويستحق أن نلتزم به، فزمانهم غير زماننا! ■ كتبت الرواية والقصة القصيرة والمسرح، كيف ترى العلاقة الجدلية بين النقد والإبداع وهل يؤثر النقد على لحظات الكتابة عندك؟ كان شيخنا غنيمى هلال - طيب الله ثراه - فى درسه النقدى يرى أن المبدع هو أول ناقد لعمله، وأرى أن القدرة على الإبداع تعتمد على اتجاه الموهبة، ودعمها بالاطلاع الدائب فى اتجاه محدد، فإذا تعددت الاتجاهات ووسعتها طاقة المبدع المعرفية والفنية، فإنه لن يشعر بتصادم الفنون، وإنما ستتولد التجربة فى وجدانه مشكلة بالإطار الذى يناسبها: رواية أو مسرحية أو قصة قصيرة، دون شعور بالتناقض. ■ يرى جابر عصفور أننا فى زمن الرواية، ويرى محمد عبدالمطلب أننا فى زمن الشعر؟ بينما يرى الراحل عبدالقادر القط أننا فى زمن الدراما، فى أى زمن نحن؟ هذا السؤال يرد عليه قول الشاعر القديم: وكل يدعى وصلا بليلى، وليلى لا تقر له بذاك، ونحمد الله أنه ليس للأدباء المبدعين نقيب، ولا للنقيب الذى يدعى ذلك فالمسألة إذن وجهة نظر، أو اجتهاد لا يصادر، ولا يصادم، ولا يملك أن يحول المسار، وفيما أتصور أن دوافع الإبداع أبعد مدى من أن توجه أو يقترح عليها، فإنما هى حاجات وتطلعات، وقدرات معرفية تظل تتأرجح، مثل الزورق الذى يتغير مساره ما بين الجزر والمد.