أمريكي يعتدي على شباب مسلمين أثناء الصلاة في ولاية تكساس.. فيديو    استقرار أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 15 نوفمبر 2025    الصحة: مصر تمتلك مقومات عالمية لتصبح مركزًا رائدًا في السياحة العلاجية    وزيرا الإنتاج الحربي والإسكان يستعرضان مستجدات التقدم في المشروعات المشتركة    محافظ أسيوط يتفقد مواقع مقترحة لإنشاء أول نادي للذكاء الاصطناعي بالمحافظة    ترامب يلمّح لقراره بشأن فنزويلا بعد تعزيز الانتشار العسكري الأمريكي| فما القصة؟    الجيش السوداني يعلن سيطرته على بلدة أم دم حاج أحمد بشمال كردفان    فحص طبي لياسين مرعي يحسم موقفه أمام شبيبة القبائل    شيكابالا يقترح تنظيم مباريات خيرية لدعم أسر نجوم الكرة المتوفين    أمن الشرقية يضبط المتهم بسرقة أبواب المقابر في بلبيس    «الأول في الشرق الأوسط».. المتحف المصري بالتحرير يحتفل بمرور 123 عاما على افتتاحه    أحمد مالك والأخوان ناصر في حلقة نقاشية حول السينما العربية الصاعدة    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    أستاذ بقصر العيني يشارك في قمة Forbes Middle East لقادة الرعاية الصحية    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    اللجنة المصرية بغزة: استجابة فورية لدعم مخيمات النزوح مع دخول الشتاء    الطقس اليوم.. أمطار واضطراب بالملاحة على عدة مناطق    إصابه 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ملاكي بطريق سفاجا-الغردقة    وصول الطفل ياسين إلى محكمة جنايات دمنهور مرتديا ملابس سبايدر مان    بدء أولي جلسات استئناف حكم سائق التريلا المتسبب في وفاة فتيات العنب بالمنوفية    أيمن عاشور: التحضير للمؤتمر الدولى للتعليم العالى فى القاهرة يناير المقبل    تراجع فى بعض الأصناف....تعرف على اسعار الخضروات اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى اسواق المنيا    هشام حنفي: محمد صبري عاشق للزمالك وعشرة 40 عاما    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    حارس لايبزيج: محمد صلاح أبرز لاعبي ليفربول في تاريخه الحديث.. والجماهير تعشقه لهذا السبب    مؤتمر السكان والتنمية.. وزير الصحة يبحث مع البنك الأوروبي تعزيز الاستثمارات وتطوير المنشآت الصحية    طرق حماية الأطفال ودعم مناعتهم مع بداية الشتاء    إخماد حريق محل عطارة امتد لعدد من الشقق ببولاق الدكرور.. صور    نشر أخبار كاذبة عن الانتخابات يعرضك لغرامة 200 ألف جنيه    معلول يغيب عن مواجهة تونس والبرازيل    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    الري: الاعتماد على البصمة المائية لتحديد المحاصيل التي يتم زراعتها بالمياه المعالجة    سعر طن الأسمنت اليوم السبت 15نوفمبر 2025 في المنيا بسوق مواد البناء    آخر يوم.. فرص عمل جديدة في الأردن برواتب تصل إلى 33 ألف جنيه    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    انتخابات النواب، تفاصيل مؤتمر جماهيري لدعم القائمة الوطنية بقطاع شرق الدلتا    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    مواعيد مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل ثلاثة فلسطينيين ويداهم عدة منازل بنابلس    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    ضوابط تلقي التبرعات في الدعاية الانتخاببة وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية    محاكمة خادمة بتهمة سرقة مخدومتها بالنزهة.. اليوم    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    الاتجار في أدوية التأمين الصحي «جريمة»    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    أوروبا حاجة تكسف، المنتخبات المتأهلة لنهائيات كأس العالم 2026    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    مستشار الرئيس الفلسطيني: الطريق نحو السلام الحقيقي يمر عبر إقامة الدولة الفلسطينية    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    عمرو عرفة يحتفل بزفاف ابنته بحضور ليلى علوي ومحمد ورامي إمام وحفيد الزعيم    "رقم واحد يا أنصاص" تضع محمد رمضان في ورطة.. تفاصيل    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    نانسي عجرم عن ماجد الكدواني: بيضحكنى ويبكينى فى نفس الوقت    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد حسن عبد الله: الناقد العربي لا يملك إلا أن يكون عربيًّا
نشر في صوت البلد يوم 23 - 04 - 2020

يملك الناقد الأدبي د. محمد حسن عبدالله - وهو يجتاز العام الخامس والثمانين من عمره - ذهنًا متقدًا لشاب في الثلاثينيات، يقرأ المشهد الثقافي الحالي ويحلله، كمراقب يعمل أدواته النقدية في تحليل الظاهرة الأدبية، ولكن من بعيد، ربما لأنه آلف عزلته الاختيارية بضاحية المعادي البعيدة عن وسط القاهرة، أو ربما لاستشعاره ما يعانيه ذلك المشهد من أزمة، يصفها بأنها أزمة أخلاق، لكن ذلك لا يعني أنه يجلس في "صومعته" كناسك اعتزل الحياة الثقافية، حيث لا يزال رغم كل هذه السنوات محافظًا على عقد صالونه الأدبي الشهري في مكتبه الذي يحتل الطابق الأرضي من منزله بالمعادي.
وفي حوارنا معه، يفتح صاحب "جماليات الحضور الفرعوني" في أدب نجيب محفوظ، خزينة ذكرياته، ويعلق كذلك على المشهد الأدبي الراهين، ينتصر لبعضه وينتقد بعضه الآخر، بموضوعية، ودون مغالاة.
في بداية حديثنا معه عن كتابه "الواقعية في الرواية العربية" لكونه رائداً في الدراسات النقدية العربية، وقد صدر في أوائل سبعينيات القرن الماضي أشار إلى ما ينقص الواقعية في الإبداع الروائي العربي وكيف يمكن تجاوز الجانب الأيديولوجي المذهبي في منهج الواقعية في الإبداع الأدبي مؤكداً أن بحث "الواقعية" هو أطروحة الدكتوراه، وكان الاختيار قائما على أن الواقعية – في جوهرها – أسلوب يستوعب كافة الأساليب، ومع مضي الزمن عرفنا الواقعية النقدية (الأوروبية) ثم الواقعية الاشتراكية، ونعيش حالياً زمن الواقعية السحرية، وهكذا يمكن أن تستوعب الرؤية كافة الاجتهادات، فمن قبل كانت هناك الواقعية الرومانسية، ولعلنا نصل إلى الواقعية الرمزية ... لماذا لا؟! ولماذا نظل ننتظر نزول الوحي في الغرب مرة، وفي أميركا الجنوبية مرة، ونحن – العرب – أصلاء في التعبير عن كافة مستويات الحالات الإنسانية . هكذا يقول تراثنا الشعري والحكائي، الذي يتجاوز الشائع من المقامات والنوادر، إلى "الفرج بعد الشدة"، و"مصارع العشاق"، ومن قبلهما كتاب "البخلاء"، هذه مسالك فريدة في طاقتها الإبداعية، ولكن من المؤسف أن قطاع/ قطيع /قطيعة الثقافة العربية لا تريد أن تمد بصرها في غير الاتجاه الذي أدمنته.
وعند سؤاله هل الرواية العربية تستجيب للواقع السياسي والاجتماعي في العالم العربي، أكد بالطبع، فهي لا تملك إلا أن تستجيب، فتكوين الخبرة الإنسانية المتوارثة لا يذهب بعيدا عن هذين العنصرين: السياسة والمجتمع، غير أن الاستجابة قد تأخذ طابعا سلبياً، مثلما فعل أصحاب "المدن الفاضلة" فقد لجأوا إلى تأسيس هذه المدن المتخيلة، رفضا للواقع الذي يعيشونه، وتطلعاً إلى واقع بديل.
وعن أثر جيل الستينيات (جيله) على الرواية العربية وهل استطاع هذا الجيل أن ينقل الرواية من الاتجاه الواقعي التقليدي إلى نموذج مختلف يطور تقنية السرد، أكد أن جيل الستينيات، أو جيلي، هو الذي طوَّر فن الرواية العربية، وأسس لها مكاناً بين الآداب العالمية، ما بين حنا مينه في سوريا، وعبدالرحمن مجيد الربيعي في العراق، والطيب صالح في السودان، هؤلاء البناة العظام للواقعية في توجهاتهم التي تبدو للعين المتسرعة مختلفة في جوهرها، غير أنها تنبعث من مشكاة واحدة.
وعند التطرق إلى كتابه "الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ" وكون أدبه متأثرا بالقيم الإسلامية والثقافة الإسلامية، وتوضيح إذا ما كان نجيب محفوظ كاتبا إسلاميا رغم أنه لم يكتب بشكل مباشر عن الإسلام مثل عبقريات العقاد أو روايات جورجي زيدان أو كتابات مصطفى محمود، أوضح الناقد د. محمد حسن عبدالله أن ما كتبه نجيب محفوظ من روايات، وقصص قصيرة، يختلف تماما عن كل من ذكرت، ولم أقل إنه كاتب إسلامي (بالمعنى الشائع لهذا المصطلح)، ولكنه كاتب ينظر إلى شخصياته، وإلى الأحداث في ذاتها نظرة فلسفية عميقة، ويطرح من خلالهما رؤى كونية، وسلوكية راقية، وأحيانا مثالية، وفي كل الأحوال يرتقي تصويره لشخصياته، وتعليله للأحداث عن المألوف الذي (يتمحك) في الواقعية ليسقط في هوة الغواية، والإغواء. نجيب محفوظ لم يفعل هذا على الإطلاق.
وعند سؤاله لماذا لم يحصل أي كاتب عربي على نوبل منذ أن حصل عليها نجيب محفوظ قبل ربع قرن أوضح من المؤكد أن لدينا في مصر، وفي النتاج العربي الفكري والفني العام ما يرقى إلى مستوى المنافسة على جائزة نوبل، ومن المؤسف أنها تخلفت عن مفكر إنساني في حجم طه حسين، ومبدع نادر الأداء مثل يحيى حقي، وغيرهما. وفي ظني أن هناك انحيازاً/ تسييساً للجائزة، ساعدناه بموقفنا السلبي من كبار مبدعينا، فلم نعمل على ترجمة أعمالهم إلى اللغات العالمية المقروءة، والتعريف بهم في الدوريات المهمة.
وعند سؤاله لديك العديد من الكتب عن المسرح منها "الحكيم وحوار المرايا". وكيف يمكن سد فراغ الكتابة المسرحية بعد جيل توفيق الحكيم، أكد أن المسرح يزدهر بتأثير عاملين – إلى جانب توارث الحرفة، والعمل على رقيها. المسرح يحتاج إلى مجتمع متسامح، يتسع صدره لتقبل الانتقاد، ومواجهة النقص ولا ترفع فيه الدعاوى من النقابات لمجرد تصوير أحد منتسبيها في عمل لا ترضى عنه تلك الفئة. ويزدهر حين تعترف السلطة الحاكمة – ولو بالإحراج – بحق الاختلاف، وحق الاجتهاد، فظهور مسرح يوسف إدريس، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ونعمان عاشور، وغيرهم .. لم يكن مصادفة، وإنما كان ترتيبا على تحقق ما سبق ذكره من عوامل الإنعاش.
وشرح قضية أزمة المسرح أزمة نصوص أم تمويل مؤكداً أن كل الأزمات في وطننا العربي (دون الشعور بالتردد أمام التعميم بكل) مصدرها: الإدارة البيروقراطية التي يجسدها (الكاتب جالس القرفصاء) فهو لا يبحث ولا يتحرك، بقدر ما يكبح ويشكك، أو يفضل الجاهز المتفق عليه. ثم حالة التحاسد والتنافس غير النزيه (غير الفني) بين الكتاب أنفسهم.
وتحدث عن العلاقة بين الناقد العربي والهوية وهل النقد العربي مجرد ناقل للنظريات النقدية الغربية أم مشارك في حركتها عن طريق التمثل والاستيعاب، أوضح عبدالله أن الناقد العربي لا يملك إلا أن يكون عربيا، حتى وإن استهوته (برنيطة الخواجة) فراح (يرطن) بما لم يبدع، لعله يتصدر (الزفة) وجهد الناقد العربي إلى الآن ينحصر في محاولة التطبيق، والتوفيق. فإذا وجد من يحاول إضافة لمسته الخاصة، واجه من الاستهانة بمحاولته ما يحمله على التراجع عنها .
ونوه أن كتابه "الحب في التراث العربي" ليس أبطال قصص الحب فيه شعراء فقط، ففيهم من الفقهاء والعلماء والأمراء من هم أصحاب تجارب ومواقف، وكتاب "الحب في التراب العربي" يؤكد هذا، كما يؤكده كتاب "مصارع العشاق" وغيره.
أما كتاب "طوق الحمامة" فقد قال ابن حزم في مقدمته: إنه لن يهتم بعشاق البادية من العرب وأشباههم (فزمانهم غير زماننا)، وبذلك أخلص كتابه لتجربته الذاتية، ولملاحظاته على سلوكيات مجتمعه، وهذا نموذج يستحق التقدير، ويستحق أن نلتزم به. فزمانهم غير زماننا!
وأكد أن العلاقة بين الرواية والقصة القصيرة، والعلاقة الجدلية بين النقد والإبداع، لأن شيخنا الراحل غنيمي هلال في درسه النقدي يرى أن المبدع هو أول ناقد لعمله، وأرى أن القدرة على الإبداع تعتمد على اتجاه الموهبة، ودعمها بالإطلاع الدائب في اتجاه محدد، فإذا تعددت الاتجاهات ووسعتها طاقة المبدع المعرفية والفنية، فإنه لن يشعر بتصادم الفنون، وإنما ستتولد التجربة في وجدانه مشكلة بالإطار الذي يناسبها: رواية أو مسرحية أو قصة قصيرة، دون شعور بالتناقض.
يرى د. جابر عصفور أننا في زمن الرواية، ويرى د. محمد عبدالمطلب أننا في زمن الشعر، بينما رأى الراحل د. عبدالقادر القط أننا في زمن الدراما. وهنا يؤكد د. محمد حسن عبدالله أن الإجابة عن هذا الموضوع يرد عليه قول الشاعر القديم:
وكل يدعي وصلا بليلى ** وليلى لا تقر له بذاكا
ونحمد الله أنه ليس للأدباء المبدعين نقيب، ولا للنقيب الذي يدعي ذلك (جندورمة) فالمسألة إذن وجهة نظر، أو اجتهاد لا يصادر، ولا يصادم، ولا يملك أن يحول المسار. وفيما أتصور أن دوافع الإبداع أبعد مدى من أن توجه أو يقترح عليها، فإنما هي حاجات وتطلعات، وقدرات معرفية تظل تتأرجح، مثل الزورق الذي يتغير مساره ما بين الجزر والمد.
يملك الناقد الأدبي د. محمد حسن عبدالله - وهو يجتاز العام الخامس والثمانين من عمره - ذهنًا متقدًا لشاب في الثلاثينيات، يقرأ المشهد الثقافي الحالي ويحلله، كمراقب يعمل أدواته النقدية في تحليل الظاهرة الأدبية، ولكن من بعيد، ربما لأنه آلف عزلته الاختيارية بضاحية المعادي البعيدة عن وسط القاهرة، أو ربما لاستشعاره ما يعانيه ذلك المشهد من أزمة، يصفها بأنها أزمة أخلاق، لكن ذلك لا يعني أنه يجلس في "صومعته" كناسك اعتزل الحياة الثقافية، حيث لا يزال رغم كل هذه السنوات محافظًا على عقد صالونه الأدبي الشهري في مكتبه الذي يحتل الطابق الأرضي من منزله بالمعادي.
وفي حوارنا معه، يفتح صاحب "جماليات الحضور الفرعوني" في أدب نجيب محفوظ، خزينة ذكرياته، ويعلق كذلك على المشهد الأدبي الراهين، ينتصر لبعضه وينتقد بعضه الآخر، بموضوعية، ودون مغالاة.
في بداية حديثنا معه عن كتابه "الواقعية في الرواية العربية" لكونه رائداً في الدراسات النقدية العربية، وقد صدر في أوائل سبعينيات القرن الماضي أشار إلى ما ينقص الواقعية في الإبداع الروائي العربي وكيف يمكن تجاوز الجانب الأيديولوجي المذهبي في منهج الواقعية في الإبداع الأدبي مؤكداً أن بحث "الواقعية" هو أطروحة الدكتوراه، وكان الاختيار قائما على أن الواقعية – في جوهرها – أسلوب يستوعب كافة الأساليب، ومع مضي الزمن عرفنا الواقعية النقدية (الأوروبية) ثم الواقعية الاشتراكية، ونعيش حالياً زمن الواقعية السحرية، وهكذا يمكن أن تستوعب الرؤية كافة الاجتهادات، فمن قبل كانت هناك الواقعية الرومانسية، ولعلنا نصل إلى الواقعية الرمزية ... لماذا لا؟! ولماذا نظل ننتظر نزول الوحي في الغرب مرة، وفي أميركا الجنوبية مرة، ونحن – العرب – أصلاء في التعبير عن كافة مستويات الحالات الإنسانية . هكذا يقول تراثنا الشعري والحكائي، الذي يتجاوز الشائع من المقامات والنوادر، إلى "الفرج بعد الشدة"، و"مصارع العشاق"، ومن قبلهما كتاب "البخلاء"، هذه مسالك فريدة في طاقتها الإبداعية، ولكن من المؤسف أن قطاع/ قطيع /قطيعة الثقافة العربية لا تريد أن تمد بصرها في غير الاتجاه الذي أدمنته.
وعند سؤاله هل الرواية العربية تستجيب للواقع السياسي والاجتماعي في العالم العربي، أكد بالطبع، فهي لا تملك إلا أن تستجيب، فتكوين الخبرة الإنسانية المتوارثة لا يذهب بعيدا عن هذين العنصرين: السياسة والمجتمع، غير أن الاستجابة قد تأخذ طابعا سلبياً، مثلما فعل أصحاب "المدن الفاضلة" فقد لجأوا إلى تأسيس هذه المدن المتخيلة، رفضا للواقع الذي يعيشونه، وتطلعاً إلى واقع بديل.
وعن أثر جيل الستينيات (جيله) على الرواية العربية وهل استطاع هذا الجيل أن ينقل الرواية من الاتجاه الواقعي التقليدي إلى نموذج مختلف يطور تقنية السرد، أكد أن جيل الستينيات، أو جيلي، هو الذي طوَّر فن الرواية العربية، وأسس لها مكاناً بين الآداب العالمية، ما بين حنا مينه في سوريا، وعبدالرحمن مجيد الربيعي في العراق، والطيب صالح في السودان، هؤلاء البناة العظام للواقعية في توجهاتهم التي تبدو للعين المتسرعة مختلفة في جوهرها، غير أنها تنبعث من مشكاة واحدة.
وعند التطرق إلى كتابه "الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ" وكون أدبه متأثرا بالقيم الإسلامية والثقافة الإسلامية، وتوضيح إذا ما كان نجيب محفوظ كاتبا إسلاميا رغم أنه لم يكتب بشكل مباشر عن الإسلام مثل عبقريات العقاد أو روايات جورجي زيدان أو كتابات مصطفى محمود، أوضح الناقد د. محمد حسن عبدالله أن ما كتبه نجيب محفوظ من روايات، وقصص قصيرة، يختلف تماما عن كل من ذكرت، ولم أقل إنه كاتب إسلامي (بالمعنى الشائع لهذا المصطلح)، ولكنه كاتب ينظر إلى شخصياته، وإلى الأحداث في ذاتها نظرة فلسفية عميقة، ويطرح من خلالهما رؤى كونية، وسلوكية راقية، وأحيانا مثالية، وفي كل الأحوال يرتقي تصويره لشخصياته، وتعليله للأحداث عن المألوف الذي (يتمحك) في الواقعية ليسقط في هوة الغواية، والإغواء. نجيب محفوظ لم يفعل هذا على الإطلاق.
وعند سؤاله لماذا لم يحصل أي كاتب عربي على نوبل منذ أن حصل عليها نجيب محفوظ قبل ربع قرن أوضح من المؤكد أن لدينا في مصر، وفي النتاج العربي الفكري والفني العام ما يرقى إلى مستوى المنافسة على جائزة نوبل، ومن المؤسف أنها تخلفت عن مفكر إنساني في حجم طه حسين، ومبدع نادر الأداء مثل يحيى حقي، وغيرهما. وفي ظني أن هناك انحيازاً/ تسييساً للجائزة، ساعدناه بموقفنا السلبي من كبار مبدعينا، فلم نعمل على ترجمة أعمالهم إلى اللغات العالمية المقروءة، والتعريف بهم في الدوريات المهمة.
وعند سؤاله لديك العديد من الكتب عن المسرح منها "الحكيم وحوار المرايا". وكيف يمكن سد فراغ الكتابة المسرحية بعد جيل توفيق الحكيم، أكد أن المسرح يزدهر بتأثير عاملين – إلى جانب توارث الحرفة، والعمل على رقيها. المسرح يحتاج إلى مجتمع متسامح، يتسع صدره لتقبل الانتقاد، ومواجهة النقص ولا ترفع فيه الدعاوى من النقابات لمجرد تصوير أحد منتسبيها في عمل لا ترضى عنه تلك الفئة. ويزدهر حين تعترف السلطة الحاكمة – ولو بالإحراج – بحق الاختلاف، وحق الاجتهاد، فظهور مسرح يوسف إدريس، وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج، ونعمان عاشور، وغيرهم .. لم يكن مصادفة، وإنما كان ترتيبا على تحقق ما سبق ذكره من عوامل الإنعاش.
وشرح قضية أزمة المسرح أزمة نصوص أم تمويل مؤكداً أن كل الأزمات في وطننا العربي (دون الشعور بالتردد أمام التعميم بكل) مصدرها: الإدارة البيروقراطية التي يجسدها (الكاتب جالس القرفصاء) فهو لا يبحث ولا يتحرك، بقدر ما يكبح ويشكك، أو يفضل الجاهز المتفق عليه. ثم حالة التحاسد والتنافس غير النزيه (غير الفني) بين الكتاب أنفسهم.
وتحدث عن العلاقة بين الناقد العربي والهوية وهل النقد العربي مجرد ناقل للنظريات النقدية الغربية أم مشارك في حركتها عن طريق التمثل والاستيعاب، أوضح عبدالله أن الناقد العربي لا يملك إلا أن يكون عربيا، حتى وإن استهوته (برنيطة الخواجة) فراح (يرطن) بما لم يبدع، لعله يتصدر (الزفة) وجهد الناقد العربي إلى الآن ينحصر في محاولة التطبيق، والتوفيق. فإذا وجد من يحاول إضافة لمسته الخاصة، واجه من الاستهانة بمحاولته ما يحمله على التراجع عنها .
ونوه أن كتابه "الحب في التراث العربي" ليس أبطال قصص الحب فيه شعراء فقط، ففيهم من الفقهاء والعلماء والأمراء من هم أصحاب تجارب ومواقف، وكتاب "الحب في التراب العربي" يؤكد هذا، كما يؤكده كتاب "مصارع العشاق" وغيره.
أما كتاب "طوق الحمامة" فقد قال ابن حزم في مقدمته: إنه لن يهتم بعشاق البادية من العرب وأشباههم (فزمانهم غير زماننا)، وبذلك أخلص كتابه لتجربته الذاتية، ولملاحظاته على سلوكيات مجتمعه، وهذا نموذج يستحق التقدير، ويستحق أن نلتزم به. فزمانهم غير زماننا!
وأكد أن العلاقة بين الرواية والقصة القصيرة، والعلاقة الجدلية بين النقد والإبداع، لأن شيخنا الراحل غنيمي هلال في درسه النقدي يرى أن المبدع هو أول ناقد لعمله، وأرى أن القدرة على الإبداع تعتمد على اتجاه الموهبة، ودعمها بالإطلاع الدائب في اتجاه محدد، فإذا تعددت الاتجاهات ووسعتها طاقة المبدع المعرفية والفنية، فإنه لن يشعر بتصادم الفنون، وإنما ستتولد التجربة في وجدانه مشكلة بالإطار الذي يناسبها: رواية أو مسرحية أو قصة قصيرة، دون شعور بالتناقض.
يرى د. جابر عصفور أننا في زمن الرواية، ويرى د. محمد عبدالمطلب أننا في زمن الشعر، بينما رأى الراحل د. عبدالقادر القط أننا في زمن الدراما. وهنا يؤكد د. محمد حسن عبدالله أن الإجابة عن هذا الموضوع يرد عليه قول الشاعر القديم:
وكل يدعي وصلا بليلى ** وليلى لا تقر له بذاكا
ونحمد الله أنه ليس للأدباء المبدعين نقيب، ولا للنقيب الذي يدعي ذلك (جندورمة) فالمسألة إذن وجهة نظر، أو اجتهاد لا يصادر، ولا يصادم، ولا يملك أن يحول المسار. وفيما أتصور أن دوافع الإبداع أبعد مدى من أن توجه أو يقترح عليها، فإنما هي حاجات وتطلعات، وقدرات معرفية تظل تتأرجح، مثل الزورق الذي يتغير مساره ما بين الجزر والمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.