علاقة وثيقة نشأت بين نجيب محفوظ وإبداعه، وسيد قطب ونقده قبل ثورة يوليو 1952 جعلت من بعض الكتاب والأدباء يصفون نجيب محفوظ بأنه كاتب إسلامي خاصة بعد أن نشر محفوظ مقالة عن كتاب سيد قطب "التصوير الفني في القرآن" بمجلة الرسالة 23 أبريل 1945 ونجيب محفوظ لا ينكر فضل سيد قطب وأنور المعداوي عليه نقديا في بداية الطريق، حيث كانا من أوائل النقاد الذين تناولوا أعماله بفهم عميق، وإدراك لأهمية رواياته وإبداعه في مواجهة جيل تسيد الساحة الأدبية وقتها وظل قلقا ومرتابا في نجيب محفوظ من أمثال (الشيوخ): عباس محمود العقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل وإبراهيم عبدالقادر المازني، فقد جاء محفوظ بإبداع مغاير ولغة مغايرة، ورؤية مختلفة مع عدد قليل من مبدعي جيله من أمثال عادل كامل الذي توقف نهائيا، بينما واصل محفوظ الطريق المحفوفة بالمخاطر إلى أن وصل إلى نوبل عام 1988. وقد شغل هذا الموضوع الناقد الدكتور علي بن تميم أثناء إعداده لأطروحته لنيل الدكتوراه التي حملت عنوان "النقاد ونجيب محفوظ .. الرواية من النوع السردي القاتل إلى جماليات العالم الثالث"، والتي صدرت مؤخرا عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بأبوظبي. يقول د. علي بن تميم "إذا كان نقد قطب يشكل صورة لمحفوظ، ففي المقابل يشكل محفوظ صورة أخرى للناقد في (المرايا )." ويتساءل: ما هي طبيعة التشكيل السردي لشخصية قطب؟ وطبيعة التشكيل النقدي لمحفوظ؟ ويقول: إن مقالات سيد قطب صاغت صورة لمحفوظ، صورة الشاب المبدع المظلوم الذي كان ضحية الشيوخ، وقدمت "المرايا" صورة مشابهة نوعا ما لقطب، وهي صورة الضحية أيضا، صورة الناقد الذي ترك النقد، وتحول إلى التطرف. ويرى بن تميم أن قطب عند محفوظ ناقد مثقف، ومحفوظ عند قطب أديب شاب يجب أن يحتفى به، وبينما يتحسر قطب لأن النقد لم يلتفت لمثبت قواعد الرواية العربية، يتحسر محفوظ على قطب، لأنه ترك النقد، وإن وفَّى محفوظ بالعهد واستمر في الكتابة، فإن قطب نقض العهد بتركه النقد. ويربط د. علي بن تميم في ذكاء شديد بين حادثتي قتل قطب ومحاولة قتل نجيب محفوظ، فيقول "إذا ما قتل قطب بتهمة الإرهاب الديني، فإن نجيب محفوظ كاد أن يقتل بحجة عكسية." وعن العلاقة الأدبية والنقدية بينهما يرى أن قطب فضخ الخطاب النقدي (السائد في زمنه) من أجل محفوظ، بينما محفوظ يفضح شخصية قطب (عبدالوهاب إسماعيل) في "المرايا". ويشير بن تميم إلى أن سيد قطب هو الذي أسهم في نشر نجيب محفوظ بين القراء، حيث كانت حركة الإخوان المسلمين يزداد انتشارها بين صفوف المصريين بعد الثورة، وسيد قطب كان أحد أهم أعضائها، وهذا جعل جزءا كبيرا من الإخوان المسلمين سواء كانوا أعضاء أو متعاطفين مع الحركة يحرصون على قراءة محفوظ، خاصة وأن قطب قد كتب عنه (أربعة مقالات)، فتم تمثله بوصفه كاتبا إسلاميا، حتى تم رفضه بعد أن نشر رواية "أولاد حارتنا" عام 1959. وعلى ذلك يرى الناقد أن سيد قطب أعطى قاعدة شعبية مهمة لمحفوظ بعد الثورة، وأدخله في سياق الاتجاهات المتنوعة التي يحاول فيها كل اتجاه أن ينسبه إليه. فالاشتراكيون يرون أن عالم محفوظ اشتراكي كما فعل مثلا غالي شكري، في حين أن الإسلاميين يرون أن عالم محفوظ إسلامي كما فعل محمد حسن عبدالله في كتابه "الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ"، ويدعي الوسطيون أن عالمه بين بين كما فعل علي شلش في "الطريق والصدى"، وإبراهيم فتحي الذي ألح على أن العالم السردي عند محفوظ يتمتع بالعضوية. ويوضح الناقد أن ارتباط محفوظ بسيد قطب بعد أن كتب عنه، جعله ضحية الشيوخ ومنافسا للحكيم، وأسهمت معاركه مع الشيوخ في خلق علاقة سيئة بينه وبينهم، وربما أهمله الشيوخ ظنا بأنه من مؤيدي قطب، خاصة بعد أن نشر محفوظ المقالة التي أشرنا إليها عن كتاب قطب "التصوير الفني في القرآن". ومن هنا يكون التساؤل المهم: هل لتفسير سيد قطب المأساوي لقضية إهمال محفوظ أثر في محفوظ نفسه بحيث شعر بأنه فعلا ضحية الشيوخ؟ كان الكاتب سيد إبراهيم قطب معجبا بأستاذه عباس محمود العقاد و لكن سرعان ما انفصل عنه وانفرد بأسلوبه المميز غير المتحيز لأي أديب آخر و لقد غلب على أسلوبه الطابع الأدبي في نظر النقاد الأدباء و غلب عليه الطابع الإسلامي في نظر الدعاة الجدد والإسلاميين الأصوليين ومنهم جماعة الإخوان الذين عرفوه من خلال كتبه الإسلامية التصوير الفني في القرآن والظلال والعدالة الإسلامية والكتاب الأخير الذي عجل بموته شنقا ولقد كتب في النقد وكان جريئا ثاقبا ودقيق النظر وكانت له معارك أدبية كثيرة مع أدباء لهم وزنهم في الساحة الأدبية كالعقاد وطه والمازني والرافعي ونجيب محفوظ وغيرهم. معاركه تخرجه منتصرا على خصومه في غالب الأحوال. كانت له صولات وجولات مع صديقه محفوظ الروائي الشهير صاحب الثلاثية الاجتماعية ونقده له موضوعي هادق يجرح ولا يذبح بالتصريح دون تلميح ويستفيد منه زملاؤه الكتاب. أخطأ سيد في توجهه الديني وكان مغاليا فيه وشديدا إلى حد السخط ولعل العوامل النفسية جعلت منه داعية شرسا على موالاة الدعاة اتجاه الساسة أصحاب المناصب الحساسة. إن سيد قطب أراد الآخرة فنالها طلب الشهادة فرزقه الله من شرب نعيمها الأبدي ولا أراني مبالغا إذا قلت إن سيدا حرم المكتبة الإسلامية من فكره الغزير كان شحيحا إلى حد البخل وكان معقدا ناقما ساخطا على وضعية المسلمين المعاصرين ومكانتهم من الغرب إلى حد الانتحار ولو شاء لعاش سالما غانما في الدارين. ومهما يكن من أمر فهذا قضاء الله الذي لا يُرد فلا نملك إلا أن نترحم عليه وبالرغم من أعدائه الكثر فيبقى شهيد الإسلام لأنه بذل روحه بل باع نفسه لله رب العالمين ولقد ترحم عليه خصومه وهم كارهون لكن معترفون.