أكد الشيخ محمد الراوي استاذ علوم القرآن ان علاقته بشهر رمضان علاقة حب وذكريات مشيرًا إلي أن عينه تفتحت علي القرآن واستشعر معه الرحمة من الله مؤكدًا أن تقوية العلاقة بين العبد وربه تكون بكثرة التلاوة وأن ليالي رمضان مليئة بالمغفرة والرحمة والعدل. ماذا عن علاقة الدكتور الراوي برمضان؟ علاقتي بشهر رمضان علاقة حب وذكريات .. فله في نفسي ذكريات أثرت في حياتي كلها، فأنا ابن قرية، في جوف الصعيد، تسمي "ريفة، ومن الصغر فتحت عيني علي حب رمضان فعندما كان يأتي شهر رجب كانت البيوت تستعد لشهر رمضان بالإمكانيات العادية، ونسمع من الأمهات كل عام رمضان جاء . وقد كانت من أهم المظاهر الإيمانية أن كل بيت فيه مندرة يستضيف بها قارئ للقرآن وتجلس السيدات بالداخل يستمعن للقرآن، فلم يكن في القرية شيء إلا تلاوة القرآن، فكان الماضي يعيشه الناس بالقرآن، وليس كما نري بالسهرات والحفلات، ورمضان شهر اختص بهذا الوصف " فهو شهر القرآن وليل رمضان ليل بعده ليل، والمسلم عليه ألا يجعل منه تسالي فإحياؤه يكون بالقرآن، وليس بالمسلسلات والحفلات، خاصة أن رمضان عندما يأتي تجري أيامه سريعا، وكنا في الماضي نري النساء تبكي في القرية لقرب رحيل شهر الرحمة، ونسمع أصوات المؤذنين الندية وهي تؤذن بصوت به حزن لوداع هذا الشهر الكريم. إن رمضان عندي له مقام كبير، ومن أعظم النعم علي الأمة أن يأتي رمضان، ومحروم من لم يغتنم فرصة الفوز بالشفاعة، حيث إن رمضان والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان". ومتي تفتحت عيناك علي القرآن؟ - لي مع القرآن رحلة عمر أبصرت به نفسي وأدركت فيه حكمة قلبي واستشعرت معه رحمة ربنا وتفتحت عيني علي القرآن بمجرد أن بدأت الكلام، حيث وجدت حولي القرآن، فلقد ولدت عام 1928 ولم يكن في القرية أي شيء يسليها إلا القرآن، ولم يكن فيها اضاءة، ولكن كانت مضيئة بالقرآن، فمصر من القدم قوية جداً بصلتها بالقرآن ولا غرابة ان يكون الأزهر وثيق الصلة بمصر يحمل راية كتاب الله. هل لرمضان طبيعة خاصة تؤصل علاقة المسلمين بكتاب الله؟ - القرآن يحب الليل ويحب رمضان، لأنه نزل في رمضان وفي ليلة القدر، فقال تعالي :" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" كما قال عز وجل " إنا انزلناه في ليلة القدر"، فالزمن محبوب للقرآن لأن الناس تترك فيه العادات السيئة كما تبحث فيه عن كل فضيلة وتلجأ لكتاب الله لتستزيد منه ليل نهار فهو أنيس المسلمين في تراويحهم وليلهم وقيامهم في شهر القرآن . وكيف يقوي الإنسان علاقته بالقرآن؟ - تقوية العلاقة تكون بكثرة التلاوة، ولا أعني بكثرة التلاوة القراءة الكثيرة، لكن لابد من التدبر، حيث لابد من القراءة المتدبرة، والفهم والعمل، فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها جاء بن اختها يزورها في الصباح وهي تقرأ آيتين أثنتين " قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللهُ عَلَينَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ"، وأطالت فيهما، فذهب وقضي حاجة ثم عاد فوجدها كما هي، وفي موقف السيدة عائشة تذكيراً لنا بانه عندما نكون بين يدي الله علينا ان نتذكر ما من الله به علينا ووقانا عذاب السموم . هل هناك أوقات مفضلة لقراءة القرآن؟ - القرآن كتاب مفتوح للزمن كله وليس لرمضان وحده فالإنسان لا يقطع الصلة به لأنه نزل من أجله ليهديه في كل شأن للتي هي أقوم.. لذا يجب أن تظل الصلة بالقرآن في رمضان وغيره، ولكن لرمضان صلة وثيقة به حيث نزل فيه القرآن وبه ليلة القدر، وليس معني خاصية رمضان ألا يقرأ إلا فيه، ونصيحة لكل إنسان :أن يكون له ورد يومي قل أو كثر . وكيف يتعامل المسلم مع كتاب الله؟ -إن القرآن يقرأ في جميع انحاء العالم حتي في بلاد الأعداء ولا يمكن لأحد أن يتصدي له، والقرآن لأنه نازل للهداية فمن الصعوبة أن يتعرض الإنسان لمخالفته لأنه يأتي شافعاً مشفعًا ويأتي شاهداً، ونسيان ما جاء من عند الله من أخطر الذنوب التي يفعلها الإنسان، فمن نسي الله عاقبه الله فأنساه نفسه وإذا نسي نفسه قام بالموبقات وظن انه يفعل الخير وهو ما قال الله تعالي فيهم :" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يحْسِنُونَ صُنْعًا*أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يوْمَ الْقِيامَةِ وَزْنًا" وصلة الإنسان بالقرآن ليس المقصود فيها قراءته وإنما العمل به واداراك ما جاء من اجله، حيث لابد وأن يكون القرآن عمله فينا فليس بعد هذا الكتاب كتاب ولا بعد الرسول رسول، حتي لو لم نقرأ واستحضرنا ذلك فهذا يهدينا للحق . البعض يؤكد أنه من الضروري ختمه في رمضان؟ - ليس ضروريا ختم القرآن في رمضان، وإنما المطلوب أن يكون الإنسان مع القرآن، كما لا ينبغي علي المسلم التلاوة وإنما يمكن أن يظل مع القرآن سماعا، ف" 80 % "من تلاوتي سماع. هناك من يحرص علي القراءة لختم القرآن وهو في المواصلات أو الشارع أو في اماكن الزحام والانتظار، فما تعليقك علي هذا؟ - قراءة الناس للقرآن في الزحام أو في صورة مما ذكرت مرفوض، فعلي المسلم أن يختار الوقت الذي يقرأ فيه وليس الغرض ختم القرآن فحسب وإنما يتطلب التدبر، فالقرآن يريد الإنسان الذي يشعر به ويعمل به وليس محتاجاً لشخص يقرأه ويمر عليه مرور الكرام . ننتقل إلي أمر آخر متعلق بالتعامل مع كتاب الله في شهر رمضان.. حيث هناك من يقول ان المسلم السوي لا يجوز له التعتعة في القرآن وأنها خاصة بالإنسان الذي به خلل، فما تعليق فضيلتكم؟ - التعتعة في القرآن لمن يحاول قراءته أمر عادي وله ثواب فمن اجتهد في قراءة القرآن وتعتع فيه فله أجر، ومن يأخذ علي التعتعة لمن يقرأ القرآن في رأيه نقصان، لكن لا يصح لمن تربي في القرآن وتعلمه أن يتعتع فهذا عيب. الوسائل الحديثة هناك من يهاجم التليفزيون في رمضان ويراه البعض سبب تراجع تعلق المسلم بالقرآن، فهل معني ذلك أن الوسائل الحديثة كالتليفزيون والفضائيات السبب في بعد الناس عن القرآن؟ - الوسائل ليست السبب وإنما سوء استعمالها، فليست هي السبب في عزوف الناس عن القرآن، وتربية الأسر والبيوت هي الأساس، حيث يجب ان تكون هناك محاسبة وقدوة، ولا يمكن أن أقول أن يستغني الناس عن التليفزيون لكن لا ينبغي فتح التليفزيون علي الفاضي والمليان، فهي أجهزة عالمية لدين عالمي، ولا يوجد أحد في الأرض إلا ويسمع القرآن، فالناس كلهم علموا بالقرآن وكلنا مسئولون عنه. ما الجدول الإيماني الذي تراه ملائما للمسلم في شهر رمضان؟ - أقل ما يفعله المسلم هو مراقبة نفسه، وأن يحذر من كلمة يقولها لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم، فعلي المسلم أن يحاسب نفسه علي كل حرف يقوله هذه الفترة التي اعطاها الآن لنا الله جميعا وهي رمضان مليئة بالمغفرة والرحمة والعدل، ولا يليق بالإنسان أن يحرم نفسه من النتائج أقلها محاسبة النفس، ولا يشغل نفسه بالآخرين إلا بالبر فقط، ولا يظل يعدد مساوئ الناس فهذا كله لا يفيد، فعلينا ان نذكر الله ونحرص علي الذكر . كذلك الرقابة الشديدة للنفس أنصح بها نصيحة بالغة لينجو الإنسان من الضياع، كما لابد أن يكثر المسلم دائما من التسبيح، فكلمتان خفيفتان علي اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان للرحمن " سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، فهوي النفس محتاج لمراقبة شديدة ولكل نفس هواها وهواها لا يتوقف إلا بالعون من الله وبذكره، وعلي الإنسان أن يظل هكذا طول شهر الصوم لأنه إذا أتي رمضان ومضي بلا ثواب فقد ضاع فضل كبير للمسلم.