لرمضان في حياة علمائنا كثير من المحطات التي تمثل أمرا انتقاليا، وبعضهم ما زال رمضان الأمس ويري فيها أحداثاً وأموراً من الصعب ان تعود مرة أخري إلي رمضان اليوم، ولقد استطاعت روزاليوسف أن تقتحم حياة كبار علماء الدين للتعرف منهم علي ذكرياتهم في رمضان «الطفولة» وما هم عليه في رمضان اليوم ، وكيفية استفادة المسلم من هذه الأمور. بداية يتذكر د. علي جمعة مفتي الجمهورية رمضان الأمس الذي ارتبط لديه بتصرفات أسرته المتدينة ، حيث يقول :لقد كنا أسرة نحافظ علي العبادة من الصغر، فنشأت في بيئة لا تنفصل الصلاة فيها عن هوية الإنسان، وأتذكر أن أول صيام لي كان عمري تسع سنوات وكنت في رابعة ابتدائي، وفي أول يوم صيام أكلت وأنا طفل، فتركني والدي أتناول الطعام، وفي النهاية تذكرت أنني صائم فغضبت جدا وقلت لوالدي: لماذا لم تنبهني أني صائم، فأخذ يضحك وقال لي: إنما أطعمك الله وسقاك، فأكملت الصيام ولكني كنت زعلان لأني لم أنتبه إلي أنني صائم. وأضاف قائلاً: إن رمضان يمثل لي محطة، وحدث بها تحولات، وفكرة المحطات في العبادة أمر هام، فمن الصلاة للصلاة كفارة لما بينهما، ومن الجمعة إلي الجمعة كفارة لما بينهما، ومن رمضان إلي رمضان كفارة لما بينهما، ومن العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما ، فهذا المعني يجعل العبادة محطات يقف عندها المسلم للمراجعة ولتجديد الإيمان وللشحن القلبي والروحي، فرمضان يمثل لي كل هذه المعاني. واستطرد :" عندما بدأت الصيام وإلي الآن لم أفطر في رمضان سوي مرتين في حياتي المرة الأولي عشرة أيام في سنة، وعشرة أيام في سنة أخري ، ففي المرة الأولي أصبت بشيء من الحمي وأمرني الطبيب بالإفطار، وكنت أقول له إن الحرارة هذه طاقة زائدة وليست بحاجة إلي أن أفطر، ولكن الطبيب صمم علي أن أفطر حتي آخذ العلاج، وهذه المرة كانت مؤلمة جدا علي نفسي بأن أفطر في رمضان، لأن هذا الشهر له مكانة كبري، خاصة أن مذهبي شافعي، والشافعي يري أن رمضان لا يتعوض ، وعليه فمن الأفضل للمسافر أن يصوم رمضان ما دام قادرا، حيث إن القضية ليست مسألة رخصة، لأنها موجودة بالفعل ، ولا يكون علي المسافر أثم لو أفطر لكن أيام رمضان لن تتكرر، ولذلك فأنا متبني الرأي القائل أنني لو مسافر فمن الأفضل ألا أفطر... أما المرة الثانية التي أفطرت فيها في رمضان كان سبب خضوعي عملية جراحية وأفطرت عشرة أيام في رمضان" بينما يشير د. محمد الراوي استاذ علوم القرآن إلي أن علاقته بشهر رمضان علاقة حب وذكريات فله في نفسه ذكريات أثرت في حياتي كلها، ويقول :"أنا بن قرية، وقريتي في جوف الصعيد، تسمي "ريفة" وتقع في جنوب الصعيد، ومن الصغر فتحت عيني علي حب رمضان فعندما كان يأتي شهر رجب كانت البيوت تستعد لشهر رمضان بالإمكانيات العادية، ونسمع من الأمهات كل عام رمضان جاء. واستطرد: "لقد كانت من أهم المظاهر الإيمانية أن كل بيت كان فيه مندرة يستضيف بها قارئاً يقرأ القرآن، وتجلس السيدات بالداخل يستمعن للقرآن، فلم يكن في القرية شيء إلا تلاوة القرآن، فكان بحق في الماضي يعيشه الناس بالقرآن، وليس كما نري بالسهرات والحفلات،وكنا في الماضي نري النساء تبكي في القرية لقرب رحيل شهر الرحمة، ونسمع أصوات المؤذنين الندية وهي تؤذن بصوت به حزن لوداع هذا الشهر الكريم. روح الترابط بينما تري د. سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن هناك اختلافا بين رمضان الأمس واليوم حيث كان رمضان الأمس يشهد الترابط الأسري فيه أقوي، وكان هناك الترابط بين الجيران، فكانوا يتبادلون الطعام والشراب، وكان الناس يعيشون رمضان في الماضي في ذكر ودعاء وإقامة للصلاة وروحانيات، فلم تكن هناك مسلسلات تشغل المسلمين عن الاهتمام بالعبادة. وأضافت أننا بهذه الروح كنا نصوم ونحن في الثامنة من العمر وفي ذلك الوقت كان التوقيت صيفي، وتعودنا علي التجمع مع العائلة وكنا نخرج بالفوانيس ونلم العادة " الأموال التي تعطي للصغار في شهر الصوم"، وكنت اعيش وقتها في حي شعبي - المطرية- وكانت توجد هذه العادات التي تعلقت في أذهاننا ونحن صغار، ولكن للاسف انقرضت كل هذه المظاهر. واستطردت :" أما رمضان اليوم فللأسف أصبح شكليا، فلم يعد الناس يستغلونه في العبادة والروحانيات، وإنما استخدم لجذب الناس لمشاهدة البرامج والفضائيات والمسلسلات، وأصبحت عبادة الصيام بلا تأثير في سلوكيات الناس، ففصلها الناس عن السلوكيات، وأصبحوا في رمضان يتزاحمون علي السهرات والخيم الرمضانية التي تشوبها المنكرات، وجعلوا رمضان بالاسم وليس بالتطبيق والعمل. أما د.إسماعيل الدفتار عضو مجمع البحوث الإسلامية فيوضح أن رمضان تم ترسيخ قيمته في نفسه منذ الصغر بحكم نشأته في أسرة أزهرية، ومتدينة سواء من الأب والأم،ويشير إلي أن رمضان كان الناس يستقبلونه بحفاوة تجعلهم يستشعرون قيمته منذ الصغر، بالإضافة إلي ماكان يعتاده الناس في هذا الشهر من إحضار فانوس رمضان لإدخال البهجة والسرور علي الأطفال، والمشاركة الجماعية في الإفطار مع الأقران. واستطرد قائلا " كنا نجتمع في ساحة واسعة وكل أمامه ما زودته به أمه من مأكولات لكي يتناولها وسط المجموعة، وتبادل الأطمعة فيما بينهم، وهذا كان فيه تدريب للطفل علي أن يكون معطاء وعلي أن يكون اجتماعيا، ويؤكد الروابط الإنسانية. وأكد أن لرمضان اليوم طعماً غير رمضان الذي كنت فيه اتحامل مسئولية تعليم الطلبة، ولكن الاتجاه والهدف في جميع رمضان كان واحدا في حياته وهو ما يدخل السرور والطمأنينة علي قلبه.