أكد د. إسماعيل الدفتار وهو من كبار علماء الأزهر أن السبب الرئيسي في انتشار الاحاديث الموضوعة عن رمضان جاء من باب حب الادعاء والمعرفة والعلم، معتبرًا أن من يقول بتنقية صحيح البخاري ويثيرون هذا الجدل لا يعلمون شيئًا عن البخاري وأن باب التنقية في الاحاديث اغلق فلا تصحيح ولا تضعيف. • بداية... ماذا يمثل رمضان في حياتك؟ - رمضان يمثل لي ما يمثله لأي مسلم حريص علي دينه لزيادة العبادة والتقرب لله، وهو موسم لتكرار وتذكر المواقف التي كان يقفها الرسول والمسلمون، كما أن رمضان يذكر بما ينبغي أن يكون عليه المسلم في بقية الأيام، فهو بمنزلة عملية إعداد وتدريب للمسلم علي السلوك السوي، والاستقامة علي منهج الله. • ومتي استشعرت هذا الشهر؟ - استشعرت أهمية رمضان منذ الطفولة.. لأني نشأت في أسرة أزهرية، ومتدينة سواء من الأب والأم، وكذلك من حولنا من الجيران، حيث كانت الحفاوة التي يتم بها استقبال شهر رمضان تجعلنا نستشعر قيمته منذ الصغر، بالإضافة إلي ما كان يعتاده الناس في هذا الشهر من إحضار فانوس رمضان لإدخال البهجة والسرور علي الأطفال، والمشاركة الجماعية في الإفطار مع الأقران، حيث كنا نجتمع في ساحة واسعة وكل أمامه ما زودته به أمه من مأكولات لكي يتناولها وسط المجموعة، وتبادل الأطمعة فيما بينهم، وهذا كان فيه تدريب للطفل علي أن يكون معطاء وعلي أن يكون اجتماعيا، ويؤكد الروابط الإنسانية. • وكيف كانت بدايتك لصوم رمضان؟ - بحكم أنني كنت في الكتاب مبكرا، مع حفظي للقرآن وأنا في سن السابعة.. جعلني ذلك أتوق لأن أكون ملتزما بما يلتزم به المسلم في كل المجالات، فأردت الصيام في هذه السن، ولكن كنت ضعيف البنية في الصغر، فأشفقت الأم والأب علي، وفي أول يوم لي للصيام بدأت تظهر عندي آثار الإجهاد علي بعد صلاة العصر، وأصبت بالجوع الشديد، وضعف الحركة، وكنت مصرا علي أن أظل صائما، ولكي أظهر القوة كنت أتحرك داخل البيت أمام والدتي حتي لا يجبرني أحد علي الإفطار.. لكن الأم أصرت علي إفطاري، وعندما امتنعت جاءت بقطعة باذنجان مقلية ووضعتها علي فمي، وقالت لي"لقد افطرت"، ووالدي أقنعني وأنا في سن السابعة بأنني من الممكن أن أفطر طوال رمضان ولكن أصوم اليوم الأخير في رمضان فأحصل علي ثواب الناس كله في رمضان. وفي العام التالي صممت علي الصيام واستطعت أن أصوم ثلاثة أيام من رمضان، لكن احتمالي للصوم خاصة أنه كان في الصيف ضعف وأفطرت بقية رمضان، لكن في العام الذي يليه صمت رمضان كاملا. • رمضان الماضي هل يختلف عن رمضان الحاضر؟ - كل مرحلة في حياتي لها ظروفها وملابساتها، ففي مرحلة الصبا كان لرمضان طعم غير مرحلة الشباب غير مرحلة الكهولة، والشيخوخة، ففي المرحلة الأولي من المسئولية المحدودة عندما كنت طالبا مسئولا فقط عن تحصيل العلوم كان لرمضان طعم غير رمضان الذي كنت فيه أتحمل مسئولية تعليم الطلبة، ولكن الاتجاه والهدف في جميع رمضان كان واحدا في حياتي وهو ما يدخل السرور والطمأنينة علي قلبي. • وما الذي تفتقده من الماضي؟ - ما أفتقده هو أن الإنسان في الماضي كانت الآمال عريضة أمامه لما يمكن فعله في شهر رمضان، لكن الآمال اليوم أكثر من القدرات البدنية وأعرض من الظروف المتاحة. • ما الأمور التي واظبت عليها منذ الصغر وحتي الآن في شهر رمضان؟ - هناك أشياء لم تتغير عندي منذ الصغر، وهي قراءة القرآن، وإلقاء الدروس، وصلاة التراويح، فكل هذه من فضائل شهر رمضان التي أحرص عليها منذ الصغر. • هل تذكر أول خطبة قمت بها في رمضان؟ - شهر رمضان لم يكن البداية لي لإلقاء أول خطبة، حيث كانت أول خطبة لي في شهر رجب وكنت في الصف الثالث الثانوي بالمعهد الديني، لكني لم استمر في الخطابة لأنني كنت بطبعي خجولا جدا، وعندما اتأمل اليوم في مسار حياتي أقول سبحان المغير الذي لا يتغير ، وأقول كيف تغيرت من هذا إلي إنسان محاضر وأخطب في الناس . وأول خطبة اتذكرها لي في رمضان كانت في 1961 حيث قضيت آخره في مدينة المنيا، وخطبت في مسجد التحرير، فتحدثت عن الفضائل العشر في رمضان، والاستعداد لاستقبال ليلة القدر. • وبماذا تنصح القيام به في المساجد خلال الشهر؟ - المسجد هو معهد التربية الأصيل والكلمة في المسجد لها تأثيرها علي المتواجدين فيه، ففرصة في شهر رمضان أن يكون هناك توجيه سليم ورشيد من الإمام او المسئول عن إلقاء الدروس بالمسجد، وينبغي أن يعلم كل إنسان في المسجد أنه مسئول عن أخيه المسلم ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعد من قبيل الفرض في المسجد، فكل من يملك القدرة أن يؤدي النصيحة فيجب أن يقدمها، لكن بشكل مقبول يليق بمكانة المسجد. • وما السلبيات التي تأخذها علي الدعاة في شهر رمضان؟ - أهم تلك السلبيات هي تكرار الموضوعات، حيث إن موضوعات شهر رمضان معلومة وهي إما أن تكون عن القرآن أو عن الصيام أو عن الغزاوت، أو ليلة القدر والعشر الأواخر من رمضان، ولا أقول تركها لكن ينبغي الاستناد إليها في بيان ما يجب أن نكون عليه في الوقت الحاضر، بأن يكون في بيئة من البيئات يلزمها عمل خير من الأعمال فمن الممكن ربطها بشهر رمضان، وكذلك الربط بالظروف العامة. أحاديث رمضانية موضوعة • لماذا تكثر الأحاديث الموضوعة عن رمضان؟ - هذا نتيجة شهوة من يتكلم، فيريد أن يظهر للناس أن عنده معلومات فأي شيء يصادفه يذكره، لكن الكلام عن رمضان في الكتاب والسنة معلوم، وعندنا الكتب الستة والأحاديث الواردة في شهر رمضان. • وما أكثر تلك الأحاديث شهرة بين الناس ؟ - أكثر الأحاديث الموضوعة عن رمضان تتعلق بالحديث عن فضائل شهر رمضان، وأن الصائم له ثواب معين، وكذلك الأحاديث التي تحدثت عن الحور العين وقصور الجنة التي تنتظر الصائم بكلام فيه شيء من المبالغة، وللعلم معظم الاحاديث الموضوعة وردت بروايات متعددة واغلبها ضعيف وليس بمكذوب. • ورد في بعض التنقية أن حديث "اللهم لك صمت، وعلي رزقك أفطرت" هو حديث ضعيف، فما صحة ذلك؟ - إذا سلمنا أن هذا حديث ضعيف، أليس هذا دعاء يمكن للمسلم الدعاء به، فقول المسلم «اللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» فذلك دعاء مجرد سواء كان حديثًا أو غيره، أما نسبته للرسول فالعلماء تحدثوا عن أنه من الموقوفات علي بعض الصحابة وبالتحديد سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وبعضه يرفعه إلي النبي صلي الله عليه وسلم. • لماذا لم يحدث من قبل أساتذة الحديث جهد في تنقية تلك الأحاديث الرمضانية؟ - الأمر معلوم وليس بحاجة لتنقية، أما انتشار هذه الأحاديث بين الناس دون البحث عن صحتها، فهذا معناه الغرور الذي يركب كثير من الناس فلا يعول أن يسأل أهل الاختصاص ويكفيه ما عرفه، لا سيما أن هناك الكثيرين يستخدمون الكمبيوتر وشبكة المعلومات الدولية للحصول علي الأحاديث الخاصة برمضان وغيره، وهو ما يؤدي إلي مزالق يقع فيها الكثيرون، كالأحاديث التي تتحدث عن وصايا النبي للإمام علي ، ومحاورة الشيطان فهذه تكون احاديث مكذوبة ، فمن يلجأ للإنترنت للبحث عن الأحاديث يبحث عما يريد وهو علي غير علم بما يصنعه العلماء، وما ينبغي ان يكون من وسائل توثيق المرويات. التصوف والأحاديث • هل للتصوف دخل في وضع بعض الأحاديث لا سيما في مناسبات مثل رمضان؟ - المتصوفة القدامي وما يسمون بالزهاد كانوا من العلماء وكان لهم منهج في التوجيه ويكمن المثال الواضح علي ذلك الإمام أبو حامد الغزالي الذي يجمع بين المعقول والمنقول في العلوم، ومن لا يعلم فليقرأ كتاب "معيار العلم" ليري كيف كانت قوة تفكيره، وكذلك كتاب «المستصفي في أصول الفقه» وهو من اوضح الأدلة علي عمق التفكير عند الغزالي ، فيما يتصل بكتابه «إحياء علوم الدين» يأتي بالأحاديث وهو له أسلوب معين فقد يقول وفي الخبر، ويسوق الأحاديث علي اعتبار أنه يري بعين البصيرة، فعندما يتذوق النص يتذوقه وأن عليه أنوار النبوة، فهذا منهج عند المتصوفة، فيسوقه علي جانب الترغيب والترهيب، لكن لا يسوقه في الأحكام لأن له كتاب في الفقه وهو «الوجيز»، وكتاب الأحكام الفقهية علي مذهب الشافعية يدل علي انه فقيه، فهو لا يسوق أحاديث لا يصح الاستدلال بها. • هل معني ذلك أن الصوفية براء من تلك الأحاديث الموضوعة ؟ - لا.. ليس كلهم، فلقد تحدثت عن القدامي، فالصوفية طائفة من المسلمين كسائر الطوائف من المسلمين منهم من يكون هكذا، ومنهم من لا يكون هكذا، لكن معلوم عند علماء الحديث أن بعض المتصوفة في قديم الزمان كانوا يجيزون وضع الأحاديث لترغيب الناس في الأعمال، ولهم في ذلك مسلك، والعلماء متفطنين لهذا حتي من الصوفية انفسهم ولهم تعليقات وانتقادات مليئة بكتب التراث، فتراثنا لم تحظ به أمة من الأمم لكن المسلمين غافلون عن التراث مضيعون له.