ظل طريق «الحرير» القديم لعدة قرون جسراً تجارياً واقتصادياً وثقافياً يربط بين منطقة وسط وغرب آسيا والمنطقة العربية، فقد شكل سلسلة من طرق التجارة التى كانت محور التفاعل الاقتصادى والثقافى من خلال ربط التجار والعلماء والأدباء والحجاج والرهبان والجنود من الصين إلى البحر المتوسط خلال فترات مختلفة من الزمن، فى طريق يمتد سبعة آلاف كيلو متر، وحمل اسم «طريق الحرير» نسبة إلى تجارة الحرير الصينى التى كانت رائجة ومزدهرة على امتداد ذلك الطريق. كانت التجارة على طريق الحرير عاملا مهما فى تطور حضارات الصين وشبه القارة الهندية وبلاد فارس وأوروبا والممالك العربية، فقد عملت القوافل التجارية على تطوير التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الحضارات، وجرى تبادل التقنيات والأديان والفلسفات والثقافات، إلى جانب التجارة، فكان «طريق الحرير» وسيلة للتبادل الثقافى بين الحضارات السائدة، حيث انتشرت مراكز تبادل التجارة واستراحة القوافل «كروان سراي»، وظل ذلك إلى أن تحول المركز السياسى للصين إلى الجزء الشمالي، وتحول المركز الاقتصادى إلى الساحل الشرقى والمناطق الجنوبية، وقد أصبح الشحن عبر البحار الخيار الأفضل لنقل السلع، ومن ثم تخلى «طريق الحرير» تدريجيا عن دوره كشريان اقتصادى وثقافى بين الحضارات. يهدف الحزام الاقتصادى المقترح على طول «طريق الحرير» الجديد إلى تنمية اقتصاديات الدول على طول ذلك الطريق، من خلال إنشاء نسخة حديثة من الطريق التجارى القديم بشكل عصري، تهدف إلى تغيير المفاهيم التقليدية فى العلاقات الدولية، حيث يحل التعاون محل الصراع، وتطوير مفهوم الأمن الوطنى ليشمل السلام الإقليمي، وربما فى مرحلة لاحقة السلام الدولي، وتركيزه على مفهوم القوة الناعمة بدلا من القوة الخشنة، وتسعى الصين لإعادة إحياء مفاهيم عريقة، وغرسها فى الفكر السياسى الدولى المعاصر معتمدة فى ذلك على عاملين، الأول العامل الحضارى الصينى وانبهار العالم بتلك الحضارة، والعامل الثانى مرتبط بمعدل التنمية السريع والمرتفع، وهو ما أدى بكثير من الدول للترحيب بالتعاون مع الصين والتطلع للاستفادة من تجربتها وما لديها من فائض فى الأموال. يهدف المشروع إلى ربط نحو مليار نسمة بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى التى تنتمى إلى الثقافة الإسلامية مع سكان جنوب شرق آسيا الذين ينتمون إلى الثقافة البوذية، حيث يملك سكانهما حضارة عريقة وثقافة راقية، ولديهما قاعدة سكانية هائلة، ويمكن أن يشكلا سوقا ضخمة منفتحة بامكانياتهم وقدراتهم وثرواتهم الطبيعية والبشرية والثقافية والحضارية، وصولاً بعد ذلك إلى عمق القارة الإفريقية. الحماس والتفاؤل لدى القائمين على ذلك المشروع لا يعنيان أن انجاز الحزام الاقتصادى لطريق الحرير الجديد سوف يكون سهلاً، فهناك تحديات كبيرة فى مقدمتها الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة، والمنافسة بين القوى الكبرى ومدى تأثيرها على المنطقة، هذا بالإضافة إلى أن المدن الصينية على طول الحزام الاقتصادى هى مناطق أقل نمواً وليست بها كثافة سكانية عالية، وتكاد تنعدم فيها البنية التحتية، ويتطلب ذلك استثمارات ضخمة، وفترة زمنية أطول، الأمر الذى سوف يستغرق عدة عقود على الأقل لتغيير الأوضاع فى تلك المناطق. أهمية «طريق الحرير» لمصر والمنطقة العربية والذى يمر عبر طريقين، طريق الحرير البحرى الذى من المقرر أن يكون بمثابة رابط قوى بين الصين ودول الخليج ومصر، حيث يمر أحد فروعه إلى سلطنة عمان عبر العراق وايران، ويتجه الآخر نحو اليمن والبحر الأحمر ومصر ثم إلى أوروبا، أما طريق الحرير البرى فيسير عبر آسيا الوسطى وإيران وبلاد الرافدين وفرع منه إلى دمشق ثم الإسكندرية، وفرع ثالث عبر آسيا الوسطى والأناضول إلى أوروبا، وهذا يجعل المنطقة العربية بوجه عام جزءا لا يتجزأ من مبادرة «طريق الحرير» لأنه سوف يفيدها ليس لتعزيز التجارة مع الصين والدول الأخرى فحسب، بل وأيضا لجذب التقنيات والاستثمارات الصينية ومن مختلف الدول الواقعة على الطريق الحريرى. وسوف نعرض بالتفصيل للفرص والمنافع التى يمكن أن تحققها كل منطقة جغرافية على حدة، إن شاء الله. كاتب وباحث فى الشئون الآسيوية