بعد إعلان الرئيس السيسي عن دعمه لطريق الحرير، ومبادرة الرئيس الصينى، ظهرت الأسئلة عما ستؤدى إليه دعم تلك المبادرة، والتساؤل الأهم هو ما يعنيه مصطلح طريق الحرير؟ من البداية .. ترجع تسمية "طريق الحرير" بهذا الاسم عام 1877م، حيث كان يربط هذا الطريق بين الصين وبين الجزء الجنوبى والغربى لآسيا الوسطى والهند، وقد كانت الصين فى عالم العصور القديمة، أول دولة تزرع التوت وتربى ديدان القز وتنتج المنسوجات الحريرية، حيث تعد المنسوجات الحريرية الصينية من أهم المنتجات التى تقدم لشعوب العالم حتى اليوم، لذا أطلق عليه اسم "الحرير" نسبة إلى أشهر سلعة تنتجها الدولة التى أطلقته. ويذكر أن طريق الحرير لم تكن طريقًا واحدةً، ولكن شبكة من الطرق الفرعية التى تصب فى طرق كبرى أو بالأحرى فى طريقين كبيرتين، إحداهما شمالية (صيفية) والأخرى شتوية، كانوا يسلكونها فى زمن الشتاء، والذى يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعًا هو أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر فى طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذه الطريق التجارية الأكثر شهرة فى العالم القديم. ويروى أن مسارات "طريق الحرير" انتظمت منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وظلت منتظمةً ل 1500 سنة تالية، كانت طريق الحرير خلالها معبرًا ثقافيًّا واجتماعيًّا ذا أثر عميق فى المناطق التى يمر بها، لم يتوقف شأن طريق الحرير على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة، وإنما تجاوز "الاقتصاد العالمي"، إلى آفاق إنسانية أخرى، فانتقلت عبره "الديانات"، فعرف العالم البوذية وعرفت آسيا الإسلام وانتقل عبره "البارود" فعرفت الأمم الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبره "الورق" فحدثت طفرة كبرى فى موروث الإنسانية مع النشاط التدوينى الواسع الذى سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت عبره أنماط من "النظم الاجتماعية" التى كانت ستظل، لولاه، مدفونة فى حواضر وسط آسيا. وقبل آلاف السنين، عندما انتقل الحرير الصينى إلى أوروبا عبر "طريق الحرير"، لم ينتقل معه الأقمشة والملابس الحريرية الجميلة فحسب، بل انتقلت حضارة الشرق القديمة والزاهية أيضا، ومنذ ذلك الوقت، أصبح الحرير رمزا لنشر حضارة الشرق، وقد اكتشفت أقدم المنسوجات الحريرية فى أطلال "ليانجتشو" الثقافية التى يرجع تاريخها إلى ما قبل 4700 عام تقريبا، فضلا من أن طريق الحرير أدت إلى تراكم المخزون العالمى للذهب، فى الصين، حتى إنه بحلول القرن العاشر الميلادي، صارت الصين وحدها، تمتلك من مخزون الذهب قدرًا أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية مجتمعة. وتمر السنون .. ففى سبتمبر 2013، أعلن الرئيس الصينى فى خطاب ألقاه بجامعة ظار باييف فى كازاخستان عما أسماه "حزام طريق الحرير الاقتصادي" مبادرة جديدة فى السياسة الخارجية، تهدف إلى تعزيز أواصر التعاون الدولى والتنمية المشتركة فى مختلف أنحاء أوروآسيا، عرض الرئيس الصينى خمسة أهداف محددة تتمثل فى تعزيز التعاون الاقتصادي، وتحسين سبل ربط الطريق، وتشجيع التجارة والاستثمار، وتسهيل تحويل العملات، ودعم عمليات التبادل بين الشعوب. وفى أكتوبر من العام الماضى، دعا الرئيس الصينى فى خطاب ألقاه أمام البرلمان الإندونيسى إلى إعادة إنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة لخلق "طريق الحرير البحري" اللائق بالقرن الحادى والعشرين من أجل تعزيز الربط الدولي، والبحث العلمى والبيئي، وأنشطة تربية وصيد الأسماك. لذا قام الرئيس السيسي بإعلان دعمه لمبادرة الرئيس الصينى، شى جين بينج، لإحياء "طريق الحرير"، منوهًا إلى أن القاهرة تدعم مثل هذه المبادرات الإيجابية التى تستهدف تحقيق التعاون ومصالح الشعوب، وبدوره أشار الرئيس الصينى إلى أن مبادرة إعادة إحياء طريق الحرير ستحقق المصلحة المشتركة للبلدين، إذ يمر هذه الطريق ب65 دولة، ومن شأنه أن يختصر الكثير من العوائق التجارية التى ارتفعت في الفترة الماضية.