قبل أكثر من ألفى عام، ربط طريق الحرير القديم بين حضارتى الصين ومصر برباط وثيق، فكان جسرا ووشاجا للصداقة والتواصل الودى بين الأمتين، فيما يعد ذاكرة تاريخية مشتركة لشعبى البلدين. وقد طرح الرئيس الصيني، شى جين بينغ، مؤخرا مبادرة لتطوير «حزام اقتصادى على طول طريق الحرير»، و«طريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين». هذه المبادرة، كونها خطوة مهمة للصين على طريق تعميق إصلاحها الاقتصادى وانفتاحها على الخارج خاصة على المناطق الواقعة غرب الصين، لا تساهم فى مواصلة وتطوير روح طريق الحرير القديم فحسب، وإنما أيضا تضيف مقومات عصرية وقوة دافعة للعلاقات الصينية- المصرية فى المرحلة الجديدة. أولا: مبادرتا «الحزام» و«الطريق» تتماشيان مع مفاهيم التنمية السلمية والتعاون فى العصر الحديث ومتطلبات الصين للتنمية والتعاون مع الخارج قبل أكثر من ألفى سنة، كتب طريق الحرير القديم فصلا متألقا فى تاريخ الإنسانية، حيث ربط الحضارات الكبرى فى آسيا وأوروبا وإفريقيا، وظلت حركة مرور التجارة على طريق الحرير، مع أصوات أجراس الإبل والقوافل، ماثلة فى ذاكرة الشعوب. وقد حققت العديد من الأمم، ومنها الصين ومصر، عبر طريقى الحرير البرى والبحرى تبادل البضائع والمعارف والبشر والأفكار، مما عزز التقدم الاقتصادى والثقافى والاجتماعى فى العديد من البلدان، وسهّل الحوار والاندماج بين حضارات مختلفة. ومع دخول القرن الحادى والعشرين، ذلك العصر الذى تسوده مفاهيم التنمية السلمية والتعاون، مع استمرار ملامح البيئة الدولية والإقليمية المعقدة، صار طريق الحرير أكثر أهمية وقيمة كرمز للسلام والتعاون والانفتاح وتبادل المعرفة. إنه لأمر مصيرى لنا أن نتبنى روح طريق الحرير القديم وأن نعلو بها اليوم وأن نبث فيها ديناميكية أكبر، وأن ندرك قيمتها فى هذا العصر الجديد، ومن ثم نبدع ثروة مادية وثقافية جديدة للإنسانية. تعتبر مبادرتا «الحزام» و«الطريق» نقطة بارزة أيضا لدبلوماسية الصين فى المرحلة الجديدة. وهما تجسدان مفهوم الإخاء والصدق والمنفعة المتبادلة الشاملة، ستشارك الصين بفاعلية أكثر فى الشؤون الإقليمية والدولية، وستلعب دورا أكبر كدولة كبيرة مسئولة. ثانيا: مبادرتا «الحزام» و«الطريق» من أجل التعاون المنفتح والشامل، وخطة منهجية تتحقق بأسلوب متدرج. ترتكز مبادرتا «الحزام» و«الطريق» على التعاون الإقليمى الذى لا يمكن تحقيقه إلا بالانتقال من المهام السهلة إلى المهام الأكثر صعوبة، ومن مواضع متفرقة إلى مناطق أكثر اتساعا، وفى النهاية إلى المنطقة كلها. بينما يتعلق بالمشروعات التى تحظى بالتفهم المشترك والمصالح المشتركة للأطراف المعنية، مثل البنية التحتية والطاقة والموارد والتواصل الشعبى والثقافي، علينا أن نتحرك سريعا فى التشاورات وتطبيقها بمجرد أن تصبح الظروف ناضجة. والهدف من ذلك هو تحقيق التدفق المتواصل للسلع، الحوكمة السليمة، التناغم الاجتماعى، المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة. من خلال هذه العملية، يمكن للصين أن تتبع المقاربة الصحيحة للتمسك بالعدل أولا والسعى إلى الإنصاف والمصالح فى آن واحد، وتقديم العون، وفقا لما تسمح به قدراتها، إلى الدول النامية والدول المجاورة الصديقة. ثالثا: المزايا التكاملية بين الصين ومصر قوية وبناء «الحزام» و«الطريق» سيجلب مصالح حقيقية للشعبين لعبت المنطقة العربية دورا بارزا فى طريق الحرير القديم واحتلت مكانة مهمة فيه. واليوم، ما زالت المنطقة العربية، وفى القلب منها مصر، تمثل نقطة التقاء «الحزام» و«الطريق» فى الاتجاه الغربي. فمصر تربط القارتين الآسيوية والإفريقية ولا يفصلها عن أوروبا إلا البحر الأبيض المتوسط، ولها نفوذ واسع فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وتمتع بموقع جغرافى متميز فى العالم العربي، كما أنها تعمل على تنمية مشروع قناة السويس، لذلك فإن مصر بوابة مهمة وجسر مهم لتعاون الصين مع الخارج. أما الصين فهى شريك تجارى يمكن أن تعتمد مصر عليه، فالصين لديها قدرات استثمارية قوية وتفوق تكنولوجي، فمن الممكن أن تتقاسم الصين مع مصر تجاربها الناجحة فى الإصلاح والانفتاح والتنمية الاقتصادية. لقد حقق التعاون الاقتصادى والتجارى بين الصين ومصر نتائج مثمرة فى عام 2013،. وعام 2014 هو فاتحة تعميق الإصلاح فى الصين بشكل شامل، وهو أيضا عام مهم لعملية الانتقال السياسى فى مصر. وأنا، كصديق للشعب المصري، أتمنى بكل إخلاص أن تحقق مصر الأمن والوحدة واستعادة وتيرة النمو الاقتصادى بشكل شامل وسريع. وأنا على ثقة تامة بأنه طالما تبذل الصين ومصر جهودا إيجابية فى اتجاه واحد وتتعاونان فى بناء «الحزام» و«الطريق»، فسوف تحققان المنفعة المتبادلة والفوز المشترك بقدر أكبر. لمزيد من مقالات سونغ آيقوه