أكد تقرير صادر عن المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية بالمجالس القومية المتخصصة، أن عشرة ملايين مواطن يعيشون تحت خط الفقر، وأن التزايد المستمر في عدد السكان ساهم إلي حد كبير في عدم وجود عدالة في توزيع الثروة. عشرة ملايين مواطن تحت خط الفقر، ناهيك عن الفقراء والذين- في تقديري- يصلون إلي أكثر من ضعف هذا الرقم، يضاف إليهم "الفقراء الجدد"، أي المنحدرين من الطبقة الوسطي المتآكلة. مشهد اجتماعي يحتاج إلي وقفة ، وقراءة تتجاوز الرقم. فقراء يعني أنهم يعيشون في عشوائيات، تسودها حياة لا تعرف القانون، وتتفشي فيها الأمراض الاجتماعية من الجريمة إلي الموبقات الأخلاقية. نسمع عن أسرة بأكملها تعيش في غرفة، وتكشف البحوث الاجتماعية عن ظواهر غريبة مثل "زني المحارم"، ونري في الأعمال السينمائية- فيما يعرف بالسينما الواقعية- صورا غريبة من التحايل الاجتماعي في هذه العشوائيات السكنية. فقراء يعني أنهم غير قادرين علي الانتاج في سوق العمل، وقد يكونون غير قادرين علي المنافسة في الحصول علي وظائف، مما يعني أنهم عالة علي المجتمع، وقد تكون المرأة هي المعيلة لأسرة بأكملها مما يضع عليها أعباء لا تطاق. فقراء يعني انخفاض معدل الرعاية الصحية، وهم الأكثر عرضة للأمراض، والأقل قدرة علي مواجهتها. فقراء يعني أنه ليس في مقدورهم تعليم أبنائهم، وإن استطاعوا ذلك فقد لا يكونون قادرين علي الاستمرار في تحمل أعباء التعليم من دروس خصوصية، وكتاب خارجي، الخ. كثير منهم يقذف بأبنائه في سوق العمل مبكرا، والبعض منهم الذي استطاع بالكاد أن يقتطع من قوته، وموارده المحدودة حتي ينفق علي أبنائه في التعليم قد لا يجد لهم وظائف بعد تخرجهم لأن مستوي التعليم الذي حصلوا عليه لا يؤهلهم للاستمرار في سوق العمل. فقراء يعني أنه لا توجد جودة بأي معني للحياة التي يعيشونها. لا يصلون إلي المرافق الأساسية من مياة نظيفة، وصرف صحي، ولا يعرفون الترفيه، ولا يجدون سوي الأحباط، واليأس، وربما الحقد الاجتماعي. فقراء يعني، كما كشفت وزارة الأسرة والسكان في عملها أنهم خارج حساب الدولة، بمعني أنه لا توجد لديهم أوراق ثبوتية، من شهادات ميلاد، وبطاقة رقم قومي، الخ. وبالتالي يحرمون مما تقدمه الدولة من دعم غذائي، ولا يتمتعون بعمل منتظم، أو مظلة تأمين، أو حياة كريمة بعيدا عن دائرة الاشتباه الشرطي، أو الملاحقة الأمنية. فقراء يعني باختصار أنهم يورثون الفقر لأبنائهم. واللافت أن الفقراء ينجبون أكثر من غيرهم، وبالتالي تتسع دائرة الفقر والتهميش الاجتماعي. وعادة ما يقترن الفقر الاجتماعي بالفقر الثقافي، أي أن العوز المادي يصاحبه فقر ذهني. فقراء يعني أن لهم ولاء آخر ينازع الولاء للدولة. يطرقون أبواب المساجد والكنائس بحثا عن المساعدة، وينتظرون ما يخرج من ذمة الأغنياء تجاههم، يعني ذلك أنه قد تكون لديهم مشاعر مختلطة تجاه وطنهم. مواجهة الفقر لا تعني تقديم المساعدة المادية للفقراء. هذه المساعدة تبقيهم علي قيد الحياة، لكنها لا تساعدهم علي الخروج من دائرة الفقر المفرغة. مواجهة الفقر تكون برفع مستوي التنمية البشرية للفقراء من تعليم وصحة وتدريب، بحيث يتمكن (من التمكين أي تفعيل المقدرة) هؤلاء الفقراء من تطوير نوعية الحياة، واكتساب ثقافة مختلفة، وقدرات تعليمية وتدريبية تعينهم علي الالتحاق بسوق العمل وفق شروطه ومتطلباته المتغيرة. باختصار يحدث الحراك الاجتماعي الذي بات جامدا في مجتمعنا. إذا لم يحدث ذلك فلا أمل للفقراء أن ينفضوا الفقر عن كاهلهم، ولا أمل للدولة في التخلص من الفقر بإخراج الفقراء من قبضته.