رئيس المنتدى الزراعي العربي: التغير المناخي ظاهرة عالمية مرعبة    هشام نصر يوجه الشكر إلى اللجنة المنظمة لبطولة إفريقيا للأندية أبطال الكؤوس    حمادة أنور ل«المصري اليوم»: هذا ما ينقص الزمالك والأهلي في بطولات أفريقيا    بالمخالفة للدستور…حكومة الانقلاب تقترض 59 مليار دولار في العام المالي الجديد بزيادة 33%    بالصور.. نائب محافظ البحيرة تلتقي الصيادين وتجار الأسماك برشيد    عباس كامل في مهمة قذرة بتل أبيب لترتيب اجتياح رفح الفلسطينية    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    بيان مهم للقوات المسلحة المغربية بشأن مركب هجرة غير شرعية    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    قناة الحياة تحتفل بعيد تحرير سيناء بإذاعة احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    مباشر الدوري الإنجليزي - برايتون (0)-(3) مانشستر سيتي.. فودين يسجل الثالث    «ترشيدًا للكهرباء».. خطاب من وزارة الشباب ل اتحاد الكرة بشأن مباريات الدوري الممتاز    "انخفاض 12 درجة".. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة الحالية    أحمد عبد الوهاب يستعرض كواليس دوره في مسلسل الحشاشين مع منى الشاذلى غداً    محمد الباز: لا أقبل بتوجيه الشتائم للصحفيين أثناء جنازات المشاهير    عبد العزيز مخيون عن صلاح السعدني بعد رحيله : «أخلاقه كانت نادرة الوجود»    دعاء قبل صلاة الفجر يوم الجمعة.. اغتنم ساعاته من بداية الليل    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على مواقيت الصلاة غدًا في محافظات الجمهورية    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    جوائزها 100ألف جنيه.. الأوقاف تطلق مسابقة بحثية علمية بالتعاون مع قضايا الدولة    هل الشمام يهيج القولون؟    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    10 ليالي ل«المواجهة والتجوال».. تعرف على موعد ومكان العرض    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    افتتاح مبهر للبطولة الإفريقية للجودو بالقاهرة    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    عودة ثنائي الإسماعيلي أمام الأهلي في الدوري    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    النيابة العامة في الجيزة تحقق في اندلاع حريق داخل مصنع المسابك بالوراق    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    تأمين امتحانات الترم الثاني 2024.. تشديدات عاجلة من المديريات التعليمية    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي ب 42 مليون جنيه خلال 24 ساعة    "ميناء العريش": رصيف "تحيا مصر" طوله 1000 متر وجاهز لاستقبال السفن بحمولة 50 طن    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بأطفيح    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    التجهيزات النهائية لتشغيل 5 محطات جديدة في الخط الثالث للمترو    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    مدحت العدل يكشف مفاجأة سارة لنادي الزمالك    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحيفة صينية تنشر مقال رئيس مجلس إدارة الأهرام مترجم باللغة الصينية

نشرت صحيفة "شينخوا ديلي تيليجراف" الصينينة ترجمة كاملة لمقال أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدار مؤسسة الأهرام والتي تحدث فيها عن الزيارة التاريخية للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الصين.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تنشر فيه الصحيفة الصينية مقالا مطولا بهذا الحجم ومنقولا من صحيفة أخرى، وتقوم بترجمته إلى اللغة الصينية مرفقة بصورة الكاتب .
وجاء مقال النجار الذي نشر في الأهرام يوم 23 من الشهر الماضي بعنوان "مصر والصين: لقاء الحضارات والمبادئ والمصالح"
وإلى نص المقالة
مصر والصين: لقاء الحضارات والمبادئ والمصالح
بقلم أحمد السيد النجار
منذ اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية وسحب اعترافها بتايوان واعتبارها إقليما صينيا فى 16 مايو 1956، متحدية إرادة الغرب، بدأت مرحلة ممتدة إلى الآن من العلاقات القوية بين القاهرة وبكين. وكان ذلك الموقف أحد مبررات العدوان الاستعمارى الإجرامى على مصر من قبل فرنسا وبريطانيا وإسرائيل فى ذات العام. وبدت مصر وكأنها سفير لجمهورية الصين الشعبية تجمع لها الاعترافات المتتابعة من الدول الإفريقية والعربية التى ساعدتها مصر على الاستقلال. ووقفت الصين بالمقابل سندا ونصيرا لكل القضايا المصرية والعربية العادلة فى المحافل الدولية ومن خلال العلاقات المباشرة.
وأصبح جمال عبدالناصر ملء السمع والبصر فى الصين كرمز للتحرر الوطنى وتضامن الشعوب المحبة للسلام، بينما صار ماوتسى تونج وشواين لاى ومن بعدهما دينج شياو بنج وغيرهم من الزعماء الصينيين رموزا لقيم التحرر الوطنى والتنمية والعدالة تحظى بأعلى قدر من الاحترام والتقدير فى مصر. كما أصبحت الأعمال الأدبية الصينية المترجمة للعربية جزءا من الثقافة العالمية المؤثرة فى الوجدان المصرى والعربى وبالذات أعمال لاوشه، وكو مو جو، وبه شينغ تاو، وبينج شين. وبدا نهر اليانجتسى العملاق الذى ينثر مياهه فى بحر الصين الشرقى تجاه الجزر التى فصلتها الجغرافيا والسياسة عن الأرض الصينية الرئيسية، قريبا للغاية أو شقيقا لنهر النيل الذى يجمع روح إفريقيا ويمر فى أرض مصر العربية، وينثر مياهه فى البحر المتوسط حيث أنارت الحضارة المصرية القديمة للدنيا فجرا لضمير الإنسانية قبل سبعة آلاف عام مضت.
زيارة السيسى للصين تجسيد لعمق التوافق بين البلدين
رغم أن العلاقات المصرية – الصينية قامت على أساس المبادئ، إلا أن تبادل المصالح الاقتصادية والسياسية على أسس عادلة، صار ملمحا رئيسيا لهذه العلاقات فى الوقت الراهن. وفى ظل التغيرات المتتابعة فى البيئة السياسية والاقتصادية الدولية، يبدو من المهم للدول التى يجمعها منهج التعاون العادل والسلام والاندماج فى الاقتصاد الدولى على أسس عادلة ومتكافئة، أن تتجمع وتوثق تعاونها لصالح شعوبها. وهذا التعاون سيقوى موقفها ومكانتها فى الاقتصاد الدولى وفى أى مفاوضات بشأن السياسات الحاكمة للعلاقات الدولية.
وفى هذا السياق تأتى زيارة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى للصين حيث سيلتقى بالرئيس الصينى شى جين بينغ، فى ظل توافق منهج وسياسات الدولتين والرئيسين بشأن القضايا السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية. وتسعى الصين بدأب يستحق الاحترام لتطوير العلاقات مع الدول النامية والناهضة، سواء بتشكيل مجموعة بريكس، أو بإطلاق مبادرة إحياء طريق الحرير القديم لتعزيز التعاون الاقتصادى بين تلك الدول، أو بالدعوة العادلة للاعتماد على عملة احتياط دولية جديدة تحت إشراف صندوق النقد الدولى بدلا من الدولار الذى تسىء الولايات المتحدة استخدامه لمصلحتها على حساب العالم.
ويبدو السلوك العملى للصين فى العلاقات الدولية والقائم على احترام سيادة الدول والاندماج السلمى والعادل فى العلاقات الدولية، نقيضا لنزعات الهيمنة والمركزية الغربية. وهذا المنهج الصينى يلتقى بعمق مع إرادة الاستقلال الوطنى لدى مصر بعد ثورة يناير 2011 العظيمة وموجتها الثانية العملاقة فى 30 يونيو 2013. فمصر المندمجة فعليا وبعمق فى محيطها الإقليمى والعالمى تركز فى تطوير علاقاتها على الدول التى تحترم سيادتها وخيارات شعبها وقواعد العدالة والتكافؤ فى العلاقات الدولية. وفى هذا السياق تبدو الصين شريكا مثاليا لمصر لتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين، خاصة مع توافق مواقفهما من القضايا الأكثر سخونة على الساحة العالمية عموما وفى المنطقة العربية وبخاصة فى سورية وفلسطين المحتلة وبشأن الحرب ضد التطرف الدينى والإرهاب.
اقتصادا مصر والصين وفرص هائلة لتطوير العلاقات
رغم أهمية العلاقات السياسية والثقافية بين مصر والصين، إلا أن العلاقات الاقتصادية بينهما تحمل آفاقا هائلة للتطور ومصالح كبرى للشعبين والدولتين على ضوء توافق وتكامل الإمكانات الاقتصادية بينهما. ولإدراك هذا التوافق لابد من الإشارة سريعا إلى واقع الاقتصادين المصرى والصينى ومدى توافق إمكاناتهما فى الوقت الراهن.
وبالنسبة للاقتصاد المصرى بلغ الناتج المحلى الإجمالى نحو 2033 مليار جنيه مصرى (295 مليار دولار) عام 2013 – 2014، وتشير التقديرات إلى أنه سيبلغ نحو 2403 مليارات جنيه (335 مليار دولار) فى العام المالى 2014 – 2015.
أما الناتج القومى المصرى فتشير بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم إلى أنه بلغ 240 مليار دولار عام 2012. وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 2980 دولارا. ونظرا لأن الجنيه المصرى مقدر بأقل من قيمته الحقيقية كثيرا، فإن البنك الدولى يشير إلى أن قيمة الناتج القومى المصرى المقدر بالدولار وفقا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار والجنيه، بلغت نحو 521 مليار دولار عام 2012. وبلغ متوسط نصيب الفرد من هذا الناتج نحو 6450 دولارا. ومن المتوقع أن يكون الناتج القومى المصرى المقدر بهذه الطريقة (تعادل القوى الشرائية) قد بلغ قرابة 600 مليار دولار فى العام الحالى 2014.
وفضلا عن هذا الناتج فإن هناك قطاعا غير رسمى كبيرا للغاية، وتجرى محاولات لاستيعابه فى الاقتصاد الرسمى وحساب ناتجة. وعندما يحدث ذلك فإنه سيشكل إضافة كبيرة للناتج القومى الإجمالى لمصر.
وبالمقابل تشير بيانات البنك الدولى إلى أن قيمة الناتج القومى الإجمالى للصين قد بلغت نحو 7731 مليار دولار عام 2012. أى نحو 32 مثل الناتج القومى المصرى المحسوب بنفس الطريقة. وبلغ متوسط نصيب الفرد فى الصين من الناتج القومى نحو 5720 دولارا، أى قرابة ضعف نظيره فى مصر.
وبلغت قيمة ذلك الناتج محسوبا بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية بين اليوان والدولار نحو 12205 مليارات دولار، أى نحو 23 مثل الناتج القومى المصرى المحسوب بنفس الطريقة. وبلغ متوسط نصيب الفرد منه 9040 دولارا أى نحو 1.4 مرة قدر نظيره فى مصر. وتجدر الإشارة إلى أن الناتج المحلى الإجمالى الصينى بلغ 355 مليار دولار فقط عام 1990، أى أنه أصبح فى عام 2012 قرابة 22 مثل قيمته عام 1990، سواء بسبب النمو السريع لذلك الناتج بنسبة 10% فى المتوسط خلال تلك الفترة، أو بسبب صعود سعر صرف اليوان الصينى وما ترتب عليه من زيادة كبيرة فى قيمة الناتج المحلى الإجمالى للصين مقدرا بالدولار.
ومنذ عشرة أعوام مضت قمت بإعداد دراسة عن التغيرات المستقبلية فى تراتب القوى الاقتصادية العالمية بناء على قيمة الناتج ومتوسط معدل النمو المتوقع. وكانت النتيجة أن قيمة الناتج المحلى الإجمالى للصين ستتجاوز قيمة نظيره الأمريكى على أقصى تقدير فى عام 2022 لتصبح الصين أكبر اقتصادات العالم حجما. وها هى تقديرات مجلة الإيكونوميست البريطانية تذهب إلى أن هذا الأمر سيحدث عام 2017.
وتسهم الصين فى الوقت الراهن بنحو 15.4% من الناتج العالمي، مقارنة بنحو 19.3% للولايات المتحدة. كما أنها تتصدر دول العالم المصدرة للسلع بحصة بلغت 10.5% من الصادرات العالمية، مقارنة بنحو 9% للولايات المتحدة، حيث تفوقت الصين على الولايات المتحدة فى هذا المجال منذ أربعة أعوام. كما أن الصادرات الصينية عالية التقنية بلغت نحو 406 مليارات دولار شكلت نحو 25.8% من إجمالى الصادرات العالمية عالية التقنية عام 2010، مقارنة بنحو 146 مليار دولار صادرات أمريكية عالية التقنية، شكلت 9.3% من الصادرات العالمية عالية التقنية فى العام نفسه.
وتضم السوق المصرية نحو 88 مليون مستهلك هم عدد السكان داخل مصر حاليا، فضلا عن أكثر من 8 ملايين مصرى يعملون ويعيشون خارج مصر. كما ترتبط مصر باتفاقيات للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبى والبلدان العربية، وبلدان شرق وجنوب إفريقيا، فضلا عن العديد من اتفاقيات تحرير التجارة مع العديد من الدول الأخرى بصورة فردية. وهذا يعنى أن أى شركة تعمل فى مصر تستطيع الحصول على الخامات والسلع الأولية والوسيطة من تلك الدول بدون جمارك، أو برسوم جمركية محدودة يجرى تخفيضها باتجاه إلغائها كليا تدريجيا. كما أن إنتاج أى شركة موجودة فى مصر يستطيع دخول كل تلك الأسواق بدون رسوم جمركية، إذا استوفى النسبة المطلوبة للمكون المصري.
وتملك مصر موقعا جغرافيا مميزا بصورة استثنائية حيث تتوسط قارات العالم القديم. وهذا الموقع يتمتع بميزة هائلة كموقع لأى استثمارات أجنبية تتوطن فى مصر. فنفقات النقل والتأمين للتجارة مع مختلف أسواق العالم تكون منخفضة كثيرا عن النفقات المناظرة لمنتجات الاستثمارات المتوطنة فى بلدان أخرى. وعلى سبيل المثال لو أقامت شركة صينية مصنعا للسيارات فى الصين وأرادت الحصول على مواد خام أو سلع وسيطة أو تصدير إنتاجها لمصر وأوروبا والمنطقة العربية وإفريقيا وشرق الولايات أمريكا الشمالية، فإنها ستتحمل نفقات كبيرة للنقل والتأمين من الصين إلى تلك المناطق. أما لو أقامت المصنع فى مصر، فإنها ستستفيد بالانخفاض الكبير فى نفقات النقل والتأمين عند نقل منتجاتها إلى الأسواق المذكورة القريبة للغاية من مصر. كما ستستفيد من رخص أجور العمالة المصرية. كما ستستفيد من الدخول الحر لتلك الأسواق التى ترتبط مصر معها باتفاقيات تجارة حرة.
وضمن التوافق الاقتصادى بين مصر والصين فى مجال الاستثمارات المباشرة، أن مصر دولة مستوردة لخدمات رأس المال، بينما أصبحت الصين من كبار مصدرى تلك الخدمات. ووفقا لتقرير الاستثمار العالمى الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الأونكتاد (UNCTAD) بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى مصر نحو 5.6 مليار دولار عام 2013. ويشير نفس التقرير، إلى أن قيمة الاستثمارات المباشرة المتدفقة من الصين إلى مختلف بلدان العالم قد بلغت نحو 101 مليار دولار فى العام نفسه. وتعتبر الاستثمارات الصينية فى مصر محدودة للغاية ولا تعبر عن الإمكانات المالية للصين، ولا عن فرص الاستثمار المتاحة فى مصر. وتأتى الصين فى المرتبة ال15 بين الدول التى تضخ استثمارات أجنبية مباشرة إلى مصر، بينما تأتى بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فى مقدمة قائمة أهم الدول التى تضخ استثمارات أجنبية مباشرة إلى مصر.
وترتيبا على الميزات الخاصة – التى ينطوى عليها ضخ استثمارات صينية إلى مصر، فإن أحد أهم مجالات تطوير العلاقات الاقتصادية المصرية – الصينية هو زيادة تدفقات الاستثمارات الصينية المباشرة إلى مصر لمصلحة الطرفين. وتوجد فرص استثمارية هائلة فى صناعات الأسمدة الفوسفاتية فى ظل امتلاك مصر لاحتياطى عملاق من خام الفوسفات من منطقة العوينات حتى ساحل البحر الأحمر. وتوجد فرص مناظرة فى صناعة الأسمنت وأسمدة اليوريا وبودرة التلك والحجر الجيرى والجبس والكوارتز والرخام والبازلت والذهب وغيرها من الخامات المعدنية والمحجرية. كما تملك مصر احتياطيا ضخما من الرمل الزجاجى بالذات فى جنوب غرب سيناء والذى يشكل قاعدة عملاقة لتطوير صناعة الزجاج والمرايا. كما توجد فرص استثمارية مجزية للغاية فى تصنيع السلع الزراعية وبالذات مركزات العصائر وحفظ وتعليب الخضر والفاكهة. كما توجد فرص استثمارية كبيرة فى الاستزراع السمكى فى البحار، وما يترتب عليه من صناعات تجهيز وتعليب الأسماك. كما توجد فرص متميزة فى صناعة السيارات التى تتجه مصر لتطويرها بصورة حاسمة بالمشاركة مع الشركات الدولية المعنية بسوق السيارات المصرى الذى يستهلك نحو ربع مليون سيارة سنويا، والمعنية بالاستثمار فى مصر فى هذا القطاع للتصدير للأسواق العربية والأوروبية والإفريقية. كما توجد فرص استثمارية متميزة فى صناعة وصيانة السفن فى مصر، التى يمر منها فى قناة السويس أكثر من 18 ألف سفينة، تحمل نحو عشر التجارة العالمية. ومع التفريعة الجديدة لقناة السويس فإن حصتها من عبور التجارة الدولية سوف يتزايد تدريجيا ليتضاعف خلال عدة أعوام.
كذلك فإن مصر لديها فرصة متميزة فى صناعات تكرير البترول وتصنيع البتروكيماويات خاصة وأنها قريبة من أكبر خزانات الاحتياطى النفطى العالمى فى منطقة الخليج العربى وليبيا، وقريبة فى نفس الوقت من أكبر أسواق استهلاك المنتجات النفطية فى أوروبا وفى مصر نفسها. وتستورد مصر فى الوقت الحالى المنتجات النفطية بسبب عجز معامل تكرير النفط المصرية عن تلبية الطلب المحلى على تلك المنتجات.
وفيما يتعلق بالتجارة السلعية بين مصر والصين، فإن صادرات مصر للصين بلغت نحو 488 مليون دولار عام 2013 – 2014. وجاءت الصين فى المرتبة العاشرة بين أهم الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية. وقد سبقتها كل من إيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية المتحدة، والهند، وفرنسا، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وكوريا الجنوبية. وتتركز صادرات مصر للصين فى مواد البناء والكيماويات والأسمدة والجلود.
وبالمقابل، بلغت قيمة واردات مصر من الصين فى العام المالى 2013 – 2014 نحو 4986 مليون دولار. وتعتبر الصين ثالث أكبر دولة موردة للسلع إلى مصر بعد الإمارات (6.4 مليار دولار)، والمملكة العربية السعودية (5.8 مليار دولار).
وتعانى مصر عجزا تجاريا كبيرا بلغ 4498 مليون دولار فى تجارتها مع الصين، وهو جزء مهم من العجز التجارى المصرى الكبير مع العالم والذى بلغ 33.7 مليار دولار عام 2013 – 2014. ومثلما يحتاج الميزان التجارى المصرى مع العالم للإصلاح لمعالجة العجز الكبير الذى يعانى منه، فإن الميزان التجارى المصرى مع الصين يحتاج للإصلاح أيضا.
وعلى صعيد آخر تحولت الصين إلى أكبر دولة مستوردة لخدمات السياحة فى العالم. وقد ارتفع الإنفاق السياحى الصينى فى الخارج عشر مرات منذ عام 2000 ليبلغ نحو 128.6 مليار دولار عام 2013، وهو ما يعادل نحو 10.7% من إجمالى الإنفاق العالمى على السياحة فى العام نفسه. وبالمقابل تعتبر مصر دولة مصدرة كبيرة لخدمات السياحة بكل أنواعها. لكن تدفق السياح الصينيين لمصر محدود للغاية بالمقارنة لتدفقهم لكل دول العالم. ورغم أن بعد المسافة الجغرافية بين مصر والصين يشكل معوقا لتوسع حركة السياحة بين البلدين، إلا أن إمكانيات تطور تلك السياحة تبقى أعلى كثيرا من الوضع القائم حاليا. وعلى سبيل المثال يلجأ بعض السياح الروس والألمان والإيطاليين إلى شراء شقق فندقية فى مصر بالذات فى منطقة البحر الأحمر. ويقضى كبار السن ممن خرجوا للمعاش فترات طويلة فى تلك الشقق التى اشتروها. كما يتم استخدامها من قبل عائلاتهم. كما أن إدارات القرى السياحية التى توجد بها تلك الشقق الفندقية تقوم بتأجيرها لحسابهم فى باقى أيام السنة بحيث تتحول لمصدر للدخل لهم. وهذا النموذج قابل للتكرار مع السياح الصينيين بالذات كبار السن وعائلاتهم.
ورغم التأثيرات السلبية التى تعرض لها قطاع السياحة فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، إلى أن عدد السياح الذين تدفقوا إلى مصر بلغ 12.2 مليون سائح عام 2012 – 2013، وبلغ عدد الليالى السياحية التى قضاها السياح فى مصر نحو 142 مليون ليلة سياحية فى العام المذكور. وهذا القطاع سيتعافى بشكل سريع خاصة فى ظل وجود بنية أساسية سياحية متطورة وقادرة على استيعاب أعداد كبيرة من السياح.
وكل ما سبق يشير إلى إمكانيات كبيرة لتطوير العلاقات الاقتصادية الشاملة بين مصر والصين فى مجالات التجارة السلعية والاستثمارات والتجارة الخدمية وفى مقدمتها السياحة.
الإنجاز الاقتصادى الصيني: خبرة مهمة لكل العالم
قبل كل أشكال التعاون الاقتصادية الممكنة بين مصر والصين، فإن الأخيرة تقدم لمصر وللعالم نموذجا فذا للنهوض الاقتصادى يستحق الدراسة والتأمل والاستفادة منه. فقد أنجزت الصين صعودها الاقتصادى الجبار فى مدى زمنى طويل وبالاعتماد على الذات بالأساس. وتشير بيانات البنك الدولى إلى أن الاقتصاد الصينى نما بمعدل 6.4% سنويا فى المتوسط خلال الفترة من عام 1965 وحتى عام 1980. وقد مكنه ذلك من بناء قاعدة اقتصادية هائلة، ومستوى جيد من التعليم والتدريب لقوة العمل، ونخبة علمية حققت إنجازات مدنية وعسكرية مكنت الصين من الدخول للنادى النووى فى ستينيات القرن الماضي، ومكنتها من التحول التدريجى لقوة اقتصادية وعسكرية كبرى. وكانت البنية الاقتصادية الصينية تؤهلها لتوسيع اندماجها فى الاقتصاد العالمى وتوظيف قدرتها التنافسية العالية فى زيادة صادراتها بشكل سريع وفارق. ومنذ عام 1980 وحتى العام الحالى 2014، حققت الصين معدلا مذهلا للنمو الاقتصادى المتواصل بلغ نحو 10% سنويا فى المتوسط خلال الفترة المذكورة. وصحيح أن معدل النمو الاقتصادى الصينى قد تراجع لنحو 7.7% فى العام الماضى وسيبلغ نحو 7.4% فى العام الحالي، لكنه يبقى الأعلى عالميا بين كل الدول الكبرى.
وقد ارتبط ذلك النمو بصورة وثيقة بمعدلات ادخار واستثمار محلية بالغة الارتفاع، وعلى سبيل المثال فإن بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم (2014)، تشير إلى أن معدل الادخار المحلى الصينى بلغ نحو 51.2% من الناتج المحلى الإجمالي، بينما يدور معدل الاستثمار فى الصين حول مستوى 45% من الناتج المحلى الإجمالى منذ سنوات طويلة. وهو ما سمح بتحقيق معدل نمو هائل من جهة، ومراكمة احتياطيات هائلة هى الأضخم عالميا لدى البنك المركزى الصيني. وتلك الاحتياطيات التى اتجهت الصين لتنويعها تشكل أداة رئيسية لدى الصين للتأثير فى مجريات الأمور فى أسواق العملات العالمية. كما أن اتجاه الصين لتسوية تبادلاتها التجارية مع العديد من البلدان بعملاتها المحلية، سوف يعزز فرص إزاحة الدولار عن موقع عملة الاحتياط الدولية ليحل محله سلة عملات أو عملة جديدة يشرف عليها صندوق النقد الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أساءت استخدام وضعية الدولار كعملة احتياط دولية بالإفراط فى الإصدار النقدى بدون غطاء ذهبى أو إنتاجى لهذا الإصدار، الأمر الذى يعنى فى النهاية أنها تحصل على سلع وخدمات العالم مقابل مجرد أوراق تحمل علامة الدولار بلا أى غطاء. وهذا النمط من استخدام وضعية الدولار كعملة احتياط دولية هو أقرب لعمليات السطو على باقى دول العالم، أو آلية لاستنزاف شعوب العالم مقابل مجرد أوراق أمريكية!
وقد أدى النمو الاقتصادى الصينى المتركز فى قطاعى الصناعة التحويلية والخدمات المتطورة منذ 35 عاما إلى إحداث تغيير نوعى فى هيكل الاقتصاد الصيني، فبعد أن كانت حصة قطاع الزراعة من الناتج المحلى الإجمالى نحو 44% عام 1965، تراجعت إلى 32% عام 1988، قبل أن تنخفض إلى 10% من هذا الناتج عام 2010، وبالمقابل ارتفعت حصة قطاع الصناعة من 39% عام 1965، إلى 46% عام 1988، إلى 47% عام 2010. كما ارتفعت حصة قطاع الخدمات من 17% من الناتج المحلى الإجمالى عام 1965، إلى 22% عام 1988، إلى 43% عام 2010، وذلك حسب بيانات البنك الدولى فى تقريره عن التنمية فى العالم.
كما تغير هيكل الصادرات الصينية تبعا للتغير فى هيكل الناتج، فبعد أن كانت صادرات المواد الأولية والوقود والمعادن والفلزات والأغذية تشكل نحو 54% من إجمالى الصادرات الصينية عام 1965، تراجعت إلى 27% عام 1980، ثم إلى أقل من 5% عام 2010. وبالمقابل ارتفعت صادرات السلع الصناعية من 46% عام 1965، إلى 73% عام 1980، إلى 94% عام 2010، وذلك وفقا لبيانات البنك الدولي.
والحقيقة أنه بقدر ما أذهلت الصين العالم بنموها السريع وانطلاقتها الاقتصادية الجبارة، فإنها تذهلنا أيضا بنجاحاتها الكبيرة فى تخفيض أعداد الذين يعيشون فى فقر مدقع بأقل من 1.25 دولار فى اليوم للفرد، أو بأقل من دولارين فى اليوم.
وتشير بيانات البنك الدولى إلى انخفاض أعداد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم، من 972 مليون نسمة عام 1981 إلى 395 مليون نسمة عام 2008. وأعداد من يعيشون بأقل من 1.25 دولار فى اليوم من 835 مليون نسمة عام 1981 إلى 173 مليون نسمة عام 2008. ورغم عدم توافر بيانات دولية بشأن هذا الأمر بعد عام 2008، إلا أن التقديرات تشير إلى أن العدد يمكن أن يكون قد انخفض إلى ما دون المائة مليون نسمة فى الوقت الراهن.
وللعلم فإن عدد الفقراء فى العالم بدون الصين، الذين يعيشون بأقل من دولار وربع فى اليوم قد ارتفع من 1103 ملايين نسمة عام 1981، إلى 1116 مليون نسمة عام 2008. كما ارتفع عدد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم من 1613 مليون نسمة عام 1981 إلى 2076 مليون نسمة عام 2008.
وهذه البيانات تشير بوضوح إلى تفوق الإنجاز الصينى فى مواجهة الفقر بالمقارنة مع باقى دول العالم. وقد اعتمد الإنجاز الصينى على النمو السريع والمتواصل للاقتصاد الوطنى وانتشار النتائج الإيجابية لهذا النمو فى جميع طبقات المجتمع. وإن كانت الصين تحتاج إلى تحسين توزيع الدخل بصورة جوهرية لضمان استمرار فعالية الطب المحلى الذى يعد المحفز الأول للنمو الاقتصادى والذى تزداد أهميته فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة وما ترافق معها من إجراءات حمائية.
لكن النموذج الصينى للتنمية القائمة على الاعتماد على الذات باحتشاد ادخارى واستثمارى محلي، وبانفتاح واسع النطاق على العالم بشروط معتدلة، وبمعالجات حاسمة للفقر لتنشيط الطلب المحلى، يبقى نموذجا يستحق الدراسة والاستفادة منه فى مصر وباقى دول العالم.
- تنشر بالتزامن مع جريدة تليجراف شينخوا اوسع الصحف الصينية انتشارا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.