انهار نظام حكم بشار الأسد فى سوريا فانفتحت طاقة جهنم، وراحت "الميديا" الغربية تصدّر لنا وجها واحدا من وجوه الحكم فى سوريا، وتسعى لإقناعنا أن الحاكم المخلوع لم يكن فقط إبليس، الذى يتولى ملف الشر فى الأرض، ولكنه أستاذ إبليس، الذى علمه فنون الشر (هل فعلا كان كذلك أم أن هناك ثمة مبالغات مقصودة من هذه الدعايات؟.. هذا محل نظر ولا نتعجل الإجابة حتى تذهب السكرة وتأتى الفكرة)، وما أريد أن أنبه عليه أولا هو عمل هذا النوع من الدعاية الغربية المكثفة والمقصودة، التى ركزت مثلا خلال الأيام القليلة الماضية على توصيل رسالة مفادها أن بشار ونظامه هو نموذج و "ستريوتايب" لحكام آخرين فى المنطقة العربية، وتدعم "الميديا الغربية" بهذا إعلام التنظيمات الإرهابية المنتشرة فى المنطقة وخارجها، التى احتفلت بشماتة فجة برحيل بشار، وراحت تعزف على لحن الغرب وتسقط نموذج بشار (بعد تشويهه) على أنظمة وحكام عرب آخرين فى المنطقة. ولأننا شعوب طيبة تسيرّها العاطفة أكثر من الفكر، وتتميز بالذاكرة الأسفنجية، التى تفقد ما تحتويه بالضغط، تمارس الدعايات الغربية، ودعايات التنظيمات الإرهابية، اللتين تقفان الآن فى خندق واحد – عملها من خلال الضغط على ذاكرتنا ووعينا الجمعى بالأكاذيب المهندسة من خلال ال (BRAINWASHING)، وترجمتها غسل الدماغ، ومثالها أن تجعل شخص ما يؤمن بشيء ما من خلال إخباره مرارًا وتكرارًا أن هذا الشىء صحيح ومنع وصول معلومات أخرى إليه، وعلى سبيل المثال: غسل دماغ شخص ما لتجعله يعتقد أن الحرب لا يمكن تجنبها، وفى مثالنا أن تقنع الشعوب العربية كل أنظمة الحكم العربية ديكتاتورية ويجب الدخول معها فى حرب لإسقاطها. وهكذا تصبح العقول مهيأة لاستقبال هذه الدعايات.. لماذا؟.. لأنه لا أحد يمنح نفسه فرصة موضوعية لفحص ما يحدث أو اختبار صحة الشائع من هذه الدعايات، ومدى تماسكها على خلفية الواقع الحقيقى، والتفاعلات التى أنتجت هذا الواقع، الذى يعيشه العرب خلال المائة عام الأخيرة على الأقل، وأخطر هذه التفاعلات ناتج عن إصابة الجسد العربى ضعيف المناعة بورم خبيث اسمه إسرائيل، وريث الاستعمار الغربى الذى لم يغادر المنطقة حتى اليوم وبعد مضى أكثر من نصف قرن على إعلان آخر كيان عربى التحرر منه (البحرين والإمارات وقطر أعلنت استقلالها عن بريطانيا 1971)، ومنذ قيام إسرائيل، وإلى اليوم، لم تسلم دولة عربية، بمكوناتها الثلاث (الأرض والشعب والحكومة) من مخططات الغزو الرامية إلى تمكين إسرائيل، وسيطرتها على مقدرات العرب وثرواتهم، والسعى مباشرة ومن خلال الغرب، إلى إضعاف نموذج الدولة الوطنية والسعى إلى إفشالها إن أمكن حتى لا يكون هناك ما يمثل خطرًا حقيقيًا على إسرائيل أو على الأقل يصير العرب طيعين للانقياد، ولن نعيد ونزيد فى الحديث عن مخطط الشرق الأوسط الكبير، والدفع بالكيان الصهيونى لقيادة المنطقة عوضا عن مصر بزعم أن مصر فشلت فى قيادة المنطقة لأكثر من 50 عاما. والقصة تبدأ دائما من مصر، فهى رغم أنف الدعاية الصهيونية، كبيرة العرب، القائدة، والملهمة، والتغيير لابد أن يبدأ من عندها، وكانت ولا تزال مصر الهدف الدائم، الذى وضعه الاستعمار القديم والحديث على لوحة التنشين، ومنذ أن انسلخت مصر عمليًا عن الإمبراطورية العثمانية فى عهد محمد على، واختارت نموذج الدولة الوطنية، وترسخ هذا النموذج مع ثورة 23 يوليو 1952، ودعمه بقوة الرئيس عبد الناصر، يسعى الغرب إلى تشجيع الداعين لإحياء دولة الخلافة، لضرب نموذج الدولة الوطنية، والقومية العربية، وحركات ودعوات التحرر، ولهذا السبب أيضا صار عبد الناصر العدو الأول للاستعمار الحديث ولإسرائيل، واستهدفته دعايتهما بالتشويه ونعته بالديكتاتورية، ولا تزال تفعل ذلك إلى اليوم (بعد 54 سنة من رحيله)، فهل سعينا إلى تفهيم الأجيال الجديدة لماذا يحدث هذا؟. للحديث بقية