لست أعرف إن كان ما أعانيه من بعض الضعف فى ذاكرتى هو من قبيل ضغوط الحياة اليومية، أو بسبب تراكم الأحداث والأشخاص فى مساحة ذهنية محدودة، ولعل هذا الأمر يشكل بالنسبة لى ضيقا ما بعده ضيق، فقد اعتمدت كثيرا على ذاكرتى حتى أرهقتها .وأتعبتها بكثير من التفاصيل بحكم العمل. لكن جاء مؤخرا زميلى وصديقى الكاتب الصحفى والناقد الفنى الكبير محمود عبد الشكور ليعيد لى ذكريات وأحداثًا وأناسًا أثروا فى نفسى وشاركوا فى تكوين عقلى. ربما نسيتهم أو عبروا من الذاكرة عبور الكرام وحنينا لزمن كان جميلا. حين أصدر الأستاذ محمود عبد الشكور كتابه الرائع «كنت صبيا فى السبعينيات» أعجبنى العنوان جدا، لأن فترة السبعينيات هى نفسها تلك الفترة التى كبرنا فيها قبل أواننا ونحن نتابع تطور أحداث هائلة فى مصر ما كنا ندرى أنها تسوقنا نحو عالم جديد، تتغير فيه مصر رويدا رويدا من الهزيمة إلى النصر، ومن الحصار إلى الانفتاح على العالم ، ومن الشرق إلى الغرب، لكنها أيضا انتقلت من الثقافة المصرية بروائعها إلى ثقافات وافدة تغيرت معها معالم الحياة والناس والمجتمع. من هنا انطلق بنا محمود عبد الشكور فى تلك السنوات الزاخرة . ومحمود يجمع بين النظرة الأدبية بلغتها الراقية ومفرداتها المعبرة، وبين اللغة السينمائية التى تجيد تسليط الرؤية على زاوية معينة أو حدث بعينه، كما أن له حسا صحفيا مرهفا، وقد جمع بين كل هذا ليقدم لنا هذا العمل المتميز، الذى يجمع بين سيرته الشخصية لكن من منظور اجتماعى وثقافى، استطاع أن يجسد فيه كل تفاصيل مجتمع السبعينيات، وبين رؤيته ككاتب ومثقف. لا أعرف كيف استطاع محمود عبد الشكور أن يحتفظ بكل تلك التفاصيل، الأحداث السياسية بتفاصيلها البرامج الإذاعية الأغانى والأفلام المسرحيات مباريات الكرة الصحف والمجلات، حتى «ألغاز المغامرون الخمسة» والمسلسلات الأجنبية، تذكر محمد عوض والساخر محمد عفيفى الذى كنت أتتبع يومياته فى جريدة الأخبار بشغف وربما لا يعرفه أبناء الأجيال التالية، وتذكر حفل عيد الفن الذى سنه الرئيس السادات، وتذكر أن الفنانة نجوى سالم قد ارتدت طرحة الزفاف وراحت تطلق الزغاريد، وتذكر تلك العبارات التى كتبها عبد الحليم حافظ فى برنامج أوتوجراف الذى كان يقدمه الراحل طارق حبيب . قدرة مذهلة أدامها الله عليه. تفاصيل كثيرة ممتعة أعاد بها محمود ذكريات كنت أحزن أنها سقطت من ذاكرتى، لعل والده رحمه الله أستاذ الفلسفة والذى كان محمود متيما به وشغل جزءا كبيرا من الكتاب ومن ذكريات زميلنا التى رواها لنا كثيرا عنه، وكثيرا ما دخلنا فى نقاشات حول ضرورة الفلسفة فى هذا العصر المادى، فكان محمود ينبرى مدافعا عنها بضراوة تأثرا بوالده. الحقيقة أن هذا كتاب يمس شغاف قلب من عاش طفولته فى السبعينيات.. فشكرا لمحمود عبد الشكور أن أعاد لنا ذكريات الطفولة والصبا.