فى الأولى كانت القاعدة.. وفى الأخيرة كانت داعش وما بين الأولى والأخيرة كانت هناك عمليات نوعية أخرى مثل تفجيرات لندن 7/7/2005 والهجوم على «شارلى إبدو» فى 7 يناير من هذا العام وغيرهما لكن هذه العمليات لم تحدث نفس الأثر الزلزالى الذى فجّرته أحداث 11/9/2001 التى شهدتها نيويورك أو الحوادث الإرهابية التى شهدتها باريس خلال الأيام القليلة الماضية والتى مازالت مهددة بوقوع المزيد منها. وهناك أوجه شبه عديدة تربط ما بين منطلقات وآثار الحوادث الإرهابية التى وقعت قبل 14 عامًا فى نيويورك والتى تحدث الآن، حتى فى التناول الإعلامى الغربى لتلك الحوادث، هذا التناول الذى يكاد ينطلق عن مصدر واحد إلا فيما ندر من أصوات شاردة لا تستسلم للروايات الرسمية عن هذه الأحداث والتى تنافى العقل غالبًا، وفى المقابل فإن أصحاب الأصوات المختلفة يعملون جاهدين للبحث عن الحقيقة وإعلانها رغبة منهم فى إنقاذ العالم من أفكار شريرة تحكمه وتسيّر دفته.(1) نحن فى مصر لا نعرف الكاتب والصحفى والمفكر الفرنسى «تييرى ميسان» .. دعنى أخبرك شيئًا عنه: بياناته الأساسية تشير إلى أنه من مواليد 18 مايو 1967 وهو أحد كوادر الحزب الراديكالى اليسارى الفرنسى الذى يصنف ضمن اليسار المعتدل الذى يحارب اليمين المتطرف فى فرنسا وأهم رموزه مارى لوبان التى تكره العرب والمسلمين وتدعو إلى طرد الأقليات من فرنسا وأوروبا. ميسان أيضا ناشط يدعو للسلام وأهم أنشطته فى هذا الصدد ترؤسه منذ عدة سنوات لمؤتمر المحور من أجل السلام الذى نجح من خلاله فى جمع 130 شخصا من المثقفين والدبلوماسيين ورجال السياسة ينتمون إلى 37 بلدًا مختلفًا لتدارس الوضع الدولى والدعوة إلى تعبئة الشعوب للمطالبة بفرض مبادئ القانون الدولى والسلام فى العالم والوقوف فى وجه المحافظين الجدد الأشرار وفكرهم ، أما أهم نشاطاته الفكرية فهو إصداره لكتاب «الخدعة الرهيبة». فى كتابه الخدعة الرهيبة وهو من أكثر الكتب مبيعا حال صدوره طرح ميسان رؤيته حول تفجيرات 11/9/2001 التى وقعت فى أمريكا، دعونا لا ننغمس فى عرض الكتاب لكن فقط نتطرق لملخص الأقسام الثلاثة التى شملها الكتاب. القسم الأول من الكتاب جاء تحت عنوان: «إخراج دموى» وجاء فيه أن التفجيرات التى أدت إلى انهيار برجى نيويورك وتدمير جزء من حائط مبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» لم ينفذها أجانب ينتمون لتنظيم القاعدة كما روجت الرواية الرسمية الأمريكية ولكن المرجح أن هذه العمليات من صنيع عناصر من الحكومة الأمريكية ذاتها للتعجيل بمجرى أحداث أخرى. وفى القسم الثانى من «الخدعة الرهيبة» الذى حمل عنوان: «إعلام الديمقراطية فى أمريكا» جاء أن أحداث 11/9 لا يجب أن تتخذ كحصان طروادة لتبرير الحرب على أفغانستان لأن هذه الحرب تم التحضير لها مسبقًا بمساعدة من بريطانيا، واستند جورج بوش إلى مجموعات إنجيلية لشن حرب صليبية على الإسلام فى إطار استراتيجية صراع الحضارات، وفى القسم الثالث من كتابه أكد ميسان أن أسامة بن لادن ليس سوى صناعة أجهزة المخابرات الأمريكية، ولم يتوقف عن العمل لحساب هذه الأجهزة، وسلط ميسان الضوء على الروابط التى جمعت ما بين عائلتى بوش وبن لادن وقد جمعتهما علاقات البيزنس الضخمة والتعاون فى إطار مجموعة «كارليل». ومن المنطلقات السابقة ذهب ميسان إلى التحليل الفنى والتقنى للهجمات وهذا ليس بجديد فقد سبقه ولحقه آخرون إلى مثل هذه التحليلات فهدموا تماما الرواية الرسمية الأمريكية التى تتهم بن لادن والقاعدة وترفض أى حديث آخر وتعتبره من قبيل المؤامرة فى حين أن هذه الرواية الرسمية نفسها مستغرقة تماما نظرية المؤامرة. (2) ليس هناك ضمير فيه بصيص من حياة يمكن أن يقبل بهذا الإجرام لكن الإدانة الأخلاقية لا ينبغى أن تذهب بعقولنا بعيدًا عن السياقات التى تفسر تفجيرات باريس – وفى رأيى – أن هذه التفجيرات هى مشهد آخر ضخم من مشاهد تحفيز الانقضاض على بلدان الشرق الأوسط فى العرض الكبير أو المخطط الذى يستهدف المنطقة ليس فقط بالتقسيم والتفتيت ولكن أيضا بتغيير المفاهيم المتعلقة بالآخر الصهيونى، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن تفجيرات باريس جزء من المؤامرة الكبرى، لكن هذا مجرد حكم عام على الأمور لا يتطرق للتفاصيل وفيها أن البعض يرى مثلا أن مؤامرة التفجيرات الباريسية تأتى فى إطار إعادة ترتيب أوراق القارة الأوروبية ووقف زحف اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان عليها، بالإضافة إلى أن فرنسا تدفع ثمن تدخلها فى سوريا وقصف طائراتها لمواقع داعش فى سوريا.. وهناك رأى آخر يرى أن فرنسا فتحت على نفسها أكثر من جبهة عدائية مرة بوقوفها ضد نظام الأسد فى سوريا وهذا معناه عداؤها لإيران وحزب الله، ومرة بعدائها لإسرائيل وجهاز مخابراتها الموساد عندما أوقفت استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية، ويضاف إلى كل ما سبق تزايد أعداد المسلمين فى فرنسا والمخاوف المصاحبة لذلك والتحذيرات المتزايدة من قيام دولة إسلامية فى قلب أوروبا.. وتتفق آراء أخرى كثيرة على أن ما حدث فى فرنسا لا يخرج عن استراتيجية توظيف الإرهاب لتنفيذ سياسات التدخل فى الشئون الداخلية لبلدان الشرق الأوسط المستهدف وإلهاء شعوبه عن قضاياها وحقوقها تجاه إسرائيل على الأقل. (3) وما سبق من وجهات نظر ينقصها وجهة نظر أخرى أراها معتبرة وصاحبها هذا الفرنسى الذى ذكرته قبلاً أقصد تييرى ميسان الذى لا يكتفى بوصف ما نراه على خشبة المسرح لكنه يحاول دائمًا النفاذ إلى ما تخبئه الكواليس. (4) فى أحدث مقالاته: «فرنسا دولة داعمة وضحية للإرهاب» المنشور على موقعه «شبكة فولتير» ينطلق ميسان من المشهد الحالى وصدمة الفرنسيين الذين يجهلون أن حكومتهم (فى عهد ساركوزى) أرسلت جنودًا فرنسيين فى مهمات رسمية إلى ليبيا وسوريا لتدريب جهاديين ودفعهم لارتكاب جرائم فظيعة محصلتها أن فرنسا صارت دولة داعمة للإرهاب..(تعليق من عندى: ألم تفعل أمريكا نفس الشىء؟!).. ويضيف ميسان أنه لا أحد فى فرنسا قادر على تفسير سبب إصرار الرئيس أولاند على الوقوف ضد سوريا لدرجة أن شركاءه الأوروبيين بدأوا يشكون فى تصرفاته العمياء، ويفسر ميسان أن موقف أولاند هذا ما هو إلا ثمرة فساد فى علاقاته بديكتاتوريات فى الشرق الأوسط وانبثاق للحلم الإمبراطورى فى مخيلته، مضيفا أن الفرنسيين كانوا يلاحظون ذلك بحزن دون أن يتبادر إلى أذهانهم أن هذه الأمور سوف تعكر صفو حياتهم. يذهب أيضا ميسان إلى أن الحكومة الفرنسية كانت تنتظر هذه التفجيرات وتجرى الاستعدادات لها ويدلل على هذا بعدة ملاحظات أكثرها إثارة للدهشة أنه فى صباح يوم الجمعة الذى وقعت فيه التفجيرات كانت خدمات الإسعاف فى المستشفيات تتمرن على الاستجابة لهجوم محتمل على مواقع متعددة بينما أبلغت إسرائيل مسئولى أمن الجالية اليهودية فى باريس عن خطر هجوم وشيك واسع النطاق.. .. يقول أيضا ميسان إن الحكومة الفرنسية متورطة حاليًا فى مؤامرة ضد أنظمة عربية إلى جانب ديكتاتوريات الخليج وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين وإسرائيل ومسئولين كبار فى الولاياتالمتحدة، إضافة إلى شركات متعددة الجنسيات ويقرر ميسان أن فرنسا هى الآن أسيرة تحالفات مخزية، وضحية عمليات ابتزاز قادت أحد حلفائها لرعاية الهجوم الذى نفّذته داعش فى باريس.. انتهى الكلام.