إن حرب أكتوبر73 ستكون دائما مرجعا تاريخيًا خاصًا لكل من المجالين العسكرى والسياسى لاستخلاص الدروس والخبرات من أحداثها لإضافتها إلى القدرات الذاتية فى استغلال وتهيئة المسرح السياسى الدولى لتنفيذ الأهداف وتحقيق المصالح . المسرح السياسى قبل حرب أكتوبر -نتيجة لانتصار إسرائيل فى حرب يونيو سنة 1967، نجحت هى والولاياتالمتحدة فى تحقيق أهدافهما الاستراتيجية، التي سعت إليها وهى حصار مصر داخل حدودها - ضمان التفوق العسكرى لإسرائيل إن إسرائيل هى أداة التنفيذ والحفاظ على المصالح الغربية –إطلاق يد الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط -تحجيم حركة عدم الانحياز، وأصرت إسرائيل على رفض الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، مما تسبب فى استمرار حالة الحرب ، وظل الاعتقاد بأن القوة العسكرية هى الحاسمة لتحقيق الأهداف, وبدأت إسرائيل فى توسيع استيطانها فى الأراضى المحتلة، ودعم وتطوير قدراتها العسكرية، متخذة من نظرية الأمن الإسرائيلى شعارًا لتحقيق أهدافها التوسعية، ووسيلة لخداع الرأى العام العالمى. - بدأ النشاط السياسى العربى بإزالة الخلافات العربية بعقد مؤتمر الخرطوم والتى جاءت قراراته مدعمة لمصر (عودة قواتها من اليمن- الدعم المالى لغلق قناة السويس) على كلا المستويين العربى والدولى، حيث كان صدور القرار رقم 242 عن مجلس الأمن، وكان لهما تأثير مباشر فى تطور العمل الوطنى والقومى فى المراحل التالية من الصراع، ولم ترفض مصر جهود الحل السلمى، بل سمحت للاتحاد السوفيتى بالقيام بكل ما يراه مناسبًا فى هذا المضمار، وإجراء اتصالاته مع جميع الأطراف بشرط عدم التفاوض مع إسرائيل إلا بعد الانسحاب من الأراضى التى احتلتها مع عدم التنازل عن أى جزء منها. - كان منهج السياسة الخارجية المصرية مبنى على أساس رفض الهزيمة العسكرية واعتبار ما حدث هو نتيجة جولة من الجولات وليست نهايتها ولا استسلام وهذا تطلب أسلوب من العمل تتخذ الخطوات الآتية : 1- العمل السياسى لكسب الوقت دون الوصول إلى حل كغطاء حتى يتم إعادة واستكمال القدرة العسكرية المصرية لتكون داعمة فى الوصول لحل المشكلة. 2-إقناع الرأى العام العالمى بأننا لا نريد الحرب من أجل الحرب وإنما من اجل استعادة الأرض المغتصبة بالقوة وتحقيق أهداف الشعب الفلسطينى. -تأثر المجتمع الدولى من حرب يونيو67 حيث أغلقت قناة السويس وتأثر حركة التجارة العالمية وآثارها السلبية على الاقتصاد العالمى وخاصة فى مجال النفط لزيادة طول خطوط المواصلات وتعرضها للمخاطر وزيادة تكلفة الشحن مما دفعه إلى إجراء محاولات كثيرة لتحقيق السلام بين الأطراف المتصارعة فقدمت الأممالمتحدة مبعوثها الخاص جونار يارنج الذى بذل جهودا كبيرة لتقريب وجهات النظر إلا أنه فشل بسبب التعنت الإسرائيلى ولو فى إيقاف النيران وقدم عبد الناصر مبادرة ورفضت أيضا وقدمت الولاياتالمتحدة مقترحاتها للحل وبعثت وزير خارجيتها روجرز وظل يعمل بين فشل ونجاح حتى استطاع الوصول إلى وقف إطلاق النيران أغسطس عام 70 ثم تجمد الموقف على ذلك فى حالة اللاسلم واللاحرب بسبب الوفاق بين الاتحاد السوفيتى والولاياتالمتحدة وتراجعت قضية الشرق الأوسط للأولوية الثالثة من الاهتمام الدولى مما دفع إسرائيل للاستمرار فى التعنت ورفض السلام . المسرح السياسى بعد حرب أكتوبر اعتمدت مصر على ذاتها والدعم العربى ووضعت استراتيجيتها لتنفيذ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة فنتهجت حرب الاستنزاف منهجا وطريقا لإعادة بناء القوات المسلحة تنظيما وتدريبا ومعنويا وبناء الدفاعات غرب القناة مع استمرار القتال كما استخدمت الدبلوماسية (المجال السياسى) لإثبات أنها تسعى إلى الانسحاب إسرائيلى وتحقق أهداف الشعب الفلسطيني وإقناع العالم بصفة عامة والاتحاد السوفيتى بصفة خاصة، أننا لا نريد الحرب من أجل الحرب مع المحافظة على صلابة الجبهة الداخلية والتضامن العربى وذلك لتهيئة المسرح السياسى الدولى والإقليمى لاسترداد الحقوق المشروعة. -كانت المفاجأة الكبرى الهجوم المصرى السورى فى وقت واحد على الجبهتين حيث أعلنت الحرب وكانت الهزيمة الكبرى للجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر كما يدعون وتحقيق تحرير أراضى من الأراضى المحتلة فى سيناء والجولان مع تمكن إسرائيل بالدعم الأمريكى غير المحدود من عمل ثغرة على الجبهة المصرية واستعادت الجولان من سوريا,وكان حجم الخسائر الضخمة فى القوات الإسرائيلية أحدث انزعاجا مهولا للولايات المتحدة التى قامت بالإمداد المباشر لإسرائيل وعلى جبهات القتال بالمعدات والأسلحة وتعويضها عن خسائرها بل بأكثر مما تحلم وسارع كيسنجر بالحضور إلى القاهرة ودمشق وتل أبيب حتى يمكن إحتواء الموقف وإنقاذ إسرائيل من الهزيمة الكاملة. -أصبح الصراع العربى الإسرائيلى على رأس المشاكل الدولية المطلوب حلها لتأمين مصالح الدول الفاعلة الكبرى وأن السلام هو الطريق الوحيد ومحاولة إيجاد حل للقضية الفلسطينية فتوصل كيسنجر إلى اتفاق فك الاشتباك الأول والثانى مع مصر لتصفية ثغرة الدفرسوار سلميا والانسحاب الإسرائيلى لخطوط فصل مأمنة فى سيناء وأيضا مع سوريا وانسحاب إسرائيل من الأراضى السورية وخاصة مدينة القنيطرة . -العمل على تطهير قناة السويس وفتحها للملاحة لعودة حركة التجارة العالمية وخاصة النفط الى أوروبا، حيث تعدل الموقف الأوروبى وتم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطينى وإجراء الحوار العربى الأوروبى . -إجراء مباحثات بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية اتفق فيها خلال إطار كامب ديفيد على أسلوب الوصول لاتفاقية سلام بينهما وقعت فى نوفمبر 79 وأعلن السادات أنها ستكون آخر الحروب متحديا العقيدة اليهودية القائمة على القتال والحرب لتحقيق دولتهم اليهودية وحلمهم بوعدهم المزعوم من نهر مصر (وادى العريش ) إلى النهر الكبير نهر الفرات. -قاطع العرب مصر وتم تجميد عضويتها بالجامعة العربية وقامت الحرب العراقية الإيرانية (الاحتواء المزدوج) والتى امتدت لأكثر من ثمانى سنوات ثم عودة مصر إلى الصف العربى عام 89 ثم جاءت الفتنة الكبرى بغزو العراق للكويت مما أدى لانقسام الصف العربى مرة أخرى عام91 وانهيار الاتحاد السوفيتى وتفككه وانفراد أمريكا بقيادة العالم وخسر العرب داعما رئيسيا فى المحافل الدولية وأعلنت أمريكا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير بعد إعلان شيمون بيريز لمشروع السوق الشرق أوسطية بين إسرائيل والمنطقة العربية وجيرانها على أساس من الشراكة الاقتصادية على غرار السوق الأوربية والذى رفضه العرب جميعا . -تبنت أمريكا وإسرائيل سياسة جديدة فى الشرق الأوسط بعد تهيئة المسرح السياسى الأوروبى لذلك وهى العمل على إنشاء الدولة اليهودية بإعادة تقسيم الدول العربية بما يتيح ويسهل ذلك من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد بتقسيماته المقترحة والذى أعلنت عنه كوندا ليزا رايس عام2003 والذى أخذت فى تنفيذه بتقنين الانقسام فى العراق لثلاث دول ثم بأحداث الربيع العربى أو الفوضى الخلاقة كما تقول وجار العمل على تقسيم سوريا وليبيا والسودان وباستخدام الحرب بالوكالة عن طريق الجماعات الجهادية المتأسلمة لإنشاء الإمارات الإسلامية أو الخلافة الإسلامية كما ادعت كبيرتهم ومصدر فكرهم جماعة الإخوان فى مصر والتى قضى عليها بثورة يونيو 2013م والصراع قائم حتى الآن .