حالة من القلق تسيطر على المزارعين والعاملين فى مجال صناعة القطن بعد سلسلة من القرارات المتضاربة خلال فترة وجيزة كادت تؤثر سلبا على المحصول الاستراتيجى الذى ظل إلى وقت قريب يطلق عليه «الذهب الأبيض» قبل تعرضه لانتكاسة.بدأت الأزمة بإعلان الحكومة فى شهر يناير الماضى أنها سوف تنهى سياسة دعم المزارعين التى استمرت لعقود، وطالبتهم بالتفاوض مع منتجى القطن مباشرة وتسبب ذلك فى إزعاج شديد للمنتجين الذين اعتبروه ضربة لأرباحهم، وفى شهر يوليو الماضى أعلنت وزارة الزراعة حظر الاستيراد لحماية الإنتاج المحلى، بعدها بأسبوع سحب مجلس الوزراء قرار الحظر مؤقتًا. وأخيرا تحركت الحكومة لحل الأزمة بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب لإيجاد حل سريع فى أول سبتمبر المقبل لتسويق إنتاج الموسم المقبل والمقدر ب 1.7 مليون قنطار قطن زهر، بالإضافة إلى «فضلة» الموسم الجارى وتبلغ مليون قنطار. وصرح الدكتور محمد عبد المجيد المسئول عن ملف القطن بوزارة الزراعة، بأنه يتم عقد اجتماعات يومية للتوصل إلى حلول للأزمة ومن ثم عرضها على وزير الزراعة لعرضها على مجلس الوزراء. وتسبب سحب قرار حظر الاستيراد فى صدمة لدى المزارعين، إذ رفضته النقابة العامة للفلاحين، مشيرة إلى أن الفلاحين علقوا آمالا فى تحسين مستوى دخولهم ووقف استغلال التجار من خلال زيادة المساحة المنزرعة بالقطن وضمان تسويقه، ووصفته بأنه تراجع من الحكومة أمام من وصفتهم ب «مافيا» رجال الأعمال وتجار القطن، الذين يتلاعبون بالفلاحين، ويتحكمون فى زراعة القطن من خلال ضغطهم على المزارعين لمنع زراعة القطن طويل التيلة. وتملك مصر احتياطيًا من القطن، ومن المتوقع أن يضاف إليه 1.5 مليون قنطار سوف تطرح فى السوق بحلول شهر أكتوبر القادم، كما أن لديها صناعة نسيج ضخمة يعمل بها حوالى 60 ألف شخص، تعتمد حاليًا على القطن المستورد، وكان إجبار المصنعين على شراء القطن المحلى سيرفع عبء دعم المزارعين عن الحكومة وتحميله على الصناعة. ويرى حمادة القليوبى، عضو المجلس الأعلى للصناعات النسيجية، أن الاعلان عن استراتيجية التسويق بداية سبتمبر المقبل جاء متأخرًا جدًا حيث إن المغازل المحلية تعمل فى الوقت الحالى بمخزونها من الاستيراد قبل قرار حظر الاستيراد، وستتوقف بعد انتهاء هذا المخزون، كما أنها تفضل التوقف عن العمل على الخسارة التى ستحققها فى حالة العمل بالأقطان المصرية. وقال عبد العزيز عامر، نائب رئيس لجنة تجارة القطن بالداخل، إن الحكومة لم تستدع مسئولا من المختصين بتجارة القطن، وهو ما قد يجعلها تتخذ قراراً لا يناسب الشركات ما يعقد الأزمة. وحذر عبد الفتاح إبراهيم رئيس النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج الحكومة من انهيار صناعة النسيج بعد الضربات التى تلقتها خلال السنوات الأخيرة وتسببت فى غلق المئات من المصانع وتشريد الآلاف من العمال، مطالبا بقرارات صارمة مثل التصدى لتهريب المنتجات النسيجية عبر الحدود وتطوير الماكينات وآلية العمل فى المصانع. وكشف عبد الفتاح إبراهيم عن أنه حضر اجتماع لجنة إنقاذ القطن مع المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، ولمس جدية الحكومة فى حل مشكلة زراعة القطن.لافتا إلى أنه تم الاتفاق على عدة نقاط أهمها التسويق الجيد للقطن المصرى فى الخارج. وأكد على أن حضور وزيرى التخطيط والمالية اجتماع لجنة إنقاذ القطن دليل على جدية الحكومة، قائلًا:«قلت لرئيس الوزراء سيكتب فى التاريخ أنك أول من اقتحم هذه المشكلة لحلها». وقال على أبوعوف «تاجر» إن القطن المصرى مشهور بطول تيلته، الأمر الذى يسمح بغزله ونسجه وإنتاج منسوجات رقيقة، لكن الحصول على القيمة الحقيقية من القطن طويل التيلة يتطلب آلات حديثة ومتطورة، بينما أغلب مصانع النسيج فى مصر مجهزة لصناعة منسوجات أكثر خشونة باستخدام قطن رخيص وقصير التيلة. ويرى السيد المراكبى «مزارع» إن الفلاحين ليسوا مسئولين عن تدهور جودة القطن، حيث تتحمل الحكومة المسئولية لغياب دعمها للفلاح وتراجع دور البحوث فى التوصل إلى بذور أفضل، فضلا عن تقلص برامج التوسع الزراعى وغياب المقترحات والأفكار لضمان الجودة. وتضم اللجنة التى شكلها مجلس الوزراء لحل الأزمة كلًا من الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، ومنير فخرى عبد النور، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، وأشرف سالمان وزير الاستثمار، وعبد الفتاح إبراهيم رئيس نقابة عمال الغزل والنسيج، ورئيس اتحاد الصناعات المهندس محمد السويدى وتعد اللجنة دراسة تسويقية للمحصول ومن المقرر إعلانها بداية سبتمبر المقبل. كانت الحكومة قد علقت استيراد القطن فى مسعى لتشجيع إنتاج وتسويق المحصول المحلى، حسبما أعلنت وزارة الزراعة التى أكدت أن القرار «يهدف إلى حماية الإنتاج المحلى وحل مشكلات تسويقه، وأضافت أن القرار يستثنى كافة الرسائل المشحونة قبل 4 يوليو. وشددت الوزارة على أنها حريصة على استعادة القطن المصرى مكانته على جميع المستويات. يذكر أن سوق القطن المصرى طويل التيلة الذى يتميز بجودة عالية والذى كان يوصف ب «الذهب الأبيض» سجل تراجعا لسنوات.وكانت الوزارة أوقفت فى شهر يناير كافة الدعم لمزارعى القطن وحددت شرط وجود عقود سارية مع المزارعين لزراعة المحصول وبيعه. وفى ذلك الوقت قالت الوزارة إن زراعة القطن طويل التيلة الذى ينافس خام «بيما» الأمريكى بفضل جودة أليافه العالية، باهظ التكاليف. وأشارت إلى أن مصانع النسيج المصرية حولت وجهة تركيزها نحو تصنيع منتجات أقل جودة باستيراد أقطان خام رخيصة السعر. وكانت الحكومة حررت قطاع القطن فى عام 1994، وتركت المزارعين يواجهون الأسعار العالمية المضطربة ورفع تكاليف المخصبات الزراعية. وتراجع إنتاج فدان القطن بشدة من ذروته منذ ستينيات القرن الماضى، عندما كانت مصر تزرع 2.2 مليون فدان (924 ألف هكتار) بفضل ثبات الأسعار. ويقول تجار القطن إن الإنتاج المحلى حاليا يقدر بنحو 350 ألف فدان. فى سياق متصل، ارتفع إجمالى صادرات القطن المصرى خلال الربع الثالث من الموسم الزراعى 2014-2015 بنسبة 63.7%، ليبلغ 174.3 ألف قنطار متري، فى مقابل 106.5 ألف قنطار مترى خلال الفترة ذاتها من الموسم السابق، نتيجة انخفاض أسعاره. وأوضح الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالى المستهلك محلياً من القطن بلغ 163.2 ألف قنطار مترى فى مقابل 109.6 ألف قنطار مترى خلال الفترة نفسها من الموسم الزراعى السابق، بنسبة زيادة بلغت 48.9%، مرجعاً الزيادة إلى اتجاه شركات الغزل لاستخدام القطن المحلى بدلاً من المستورد نتيجة انخفاض أسعاره. وأشار الجهاز إلى أن كمية القطن المحلوج بلغت 596.2 ألف قنطار مترى خلال الفترة من مارس وحتى مايو الماضيين فى مقابل 395 ألف قنطار مترى خلال فترة المقارنة بنسبة زيادة 50.2 %، وترجع هذه الزيادة إلى ارتفاع الطلب على القطن المحلى للسبب ذاته. ولفت إلى أن كمية القطن التى تم كبسها 502.8 ألف قنطار مترى خلال الفترة المذكورة فى مقابل 256.2 ألف قنطار مترى خلال فترة المقارنة بنسبة زيادة 96.2 %، بسبب زيادة كمية القطن المصدرة.