بأسلوب الحرب الباردة تدير الحكومة الأردنية معاركها مع جماعة الإخوان فى سبيل تحقيق هدفها وهو خنق الجماعة التى تسبب لها صداعًا شديدًا وتعتبرها مصدر خطر على النظام الملكى ذاته وتدرك أن الجماعة تتحين الفرصة للانقضاض على الحكم ولم تسلك المملكة أسلوب العنف والإجراءات القمعية ضد قادتها بل بدأت تلاعبها بسلاح القانون وكانت الصفعة الأولى عندما استغلت الحكومة الأردنية الصراع بين قادة الجماعة الأم وانشقاق عدد من قادتها عن الجماعة وتقدمهم بطلب ترخيص باسم جمعية الإخوان المسلمين لممارسة السياسة فى النور وهو ما كان بمثابة فرصة ذهبية جاءت للنظام الأردنى للإجهاز على الجماعة وبالفعل وافقت على الترخيص للجمعية الجديدة التى يتزعمها المراقب العام السابق للجماعة عبدالمجيد الذنيبات والمكسب الآخر للحكومة الأردنية هو إشعال فكرة التناطح بين الجماعة الأم والوليدة.. ولمن تكون الغلبة ومن هو صاحب العصمة فى قيادة مركب إخوان الأردن؟ وجاءت الصفعة الثانية عندما قررت الجماعة جس نبض الحكومة تجاه موقفها من تنظيم فعاليات فى إطار احتفالات بالذكرى السبعين لتأسيس الجماعة تحت شعار «سبعون عاما من العطاء»، وتهدف الجماعة الأم إلى استعراض قوتها على الحشد وإيصال رسالة لعدة أطراف أبرزها النظام الأردنى بأنها موجودة على الأرض ولم تتأثر بإنشاء الجمعية الجديدة ورسالة للخارج بأن إخوان الأردن لايزالون أحياء. تفاصيل فعاليات الاحتفال ليس بها مطلب أو شعارات سياسية كما أعلنها القيادى النقابى المهندس بادى الرفايعة أحد أبرز النشطاء على الساحة النقابية محليا ويقول الإخوان إنها ستكون يوما وطنيا تحكى، قصة الخير والطمأنينة والسعادة وتعد انطلاقة لسلسلة من الاحتفالات تعم كل المناطق. وسرعان ما جاء الرد من الحكومة الأردنية وبشكل غير مباشر برفضها إقامة احتفالات بدون الحصول على ترخيص الذى يمنح فى الأساس لجمعيات وأحزاب لديها ترخيص وهو ما وضع قادة الجماعة فى حرج بالغة جماعة الإخوان هناك جماعة شرعية مرخص لها بمزاولة النشاط السياسى أم جمعية الإخوان الجديده هى صاحبة الحق فى ذلك؟ الذكاء من قبل النظام الأردنى فى التعامل مع هذه الدعوات بإقامة احتفالات أربك قادة الإخوان على المستوى الرسمى وألقى بالكرة مرة أخرى فى ملعبهم فى إطار سياسة المد والجزر فالدولة الأردنية أوصلت رسالة شديدة اللهجة عبر وزير الداخلية الأردنى حسين المجالى الذى هاجم جماعة «الإخوان المسلمين» دون أن يسميها. وقال إنه لن يسمح لأية جهة أو جماعة بتنظيم أى نشاطات أو فعاليات عامة على الأراضى الأردنية نيابة عن جماعات خارجية تفرض أجندتها على الدولة الأردنية مضيفا أن هناك تشريعات وقوانين تضبط عمل التجمعات العامة والمهرجانات وأولها الترخيص القانونى للجهة المنظمة للمهرجانات أو التجمعات وعمليات التمويل الخارجى وذلك بما يتماشى مع الأطر التشريعية والقانونية المعمول بها. وقالت الداخلية الأردنية فى بيانها إن بعض وسائل الإعلام تناقلت معلومات عن قيام ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين تنظيم احتفالية بمناسبة مرور سبعين عاما على تأسيسها وكان لافتا استخدام الوزارة عبارة «ما يسمىبجماعة الإخوان للمرة الأولى» منذ تأسيس الجماعة فى أربعينيات القرن الماضى. وجماعة الإخوان بالأردن تحمل ترخيصا قانونيا منذ عام 1953 كجماعة إسلامية عامة بينما تقول مصادر رسمية بالدولة إنه لا يوجد وفق القانون الأردنى شىء اسمه «جماعة» بل هناك جمعيات وأحزاب تنضوى تحت مفهوم مؤسسات المجتمع المدنى. واستغرب بادى الرفايعة تصريح وزير الداخلية حسين المجالى الذى قفز به على تاريخ جماعة الإخوان المسلمين متمنيا أن يكون هذا التصريح غير معبر عن رأى الحكومة التى يجب بدورها أن تجد مخرجا لهذا الوضع المحرج واعتبر الرفايعة أن جماعة الإخوان حريصة كل الحرص على مصلحة وأمن الوطن وعدم الدخول فى صدام مع الدولة لن يكون لمصلحة أحد فى الوقت الذى يثور به الوضع العام الإقليمى للبلاد. ويرى محللون أردنيون أن السيناريو الأقرب للموقف الحكومى الرسمى هو منع المسيرة بالتوازى مع اتخاذ الترتيبات لإفشالها، وباسترجاع التاريخ البعيد نجد أن علاقة الإخوان والحكومة الأردنية أشبه ما توصف بأنها حالة من المد والجزر طيلة سبعة عقود خلت منذ أن برزت الجماعة فى ميادين العمل السياسى الأردنى فالحكومة لم تغيِّب الجماعة عن الساحة السياسية كما حصل فى بعض الدول فى المقابل اهتمت بدعمهم كما حصل فى سوريا مطلع ثمانينات القرن الماضى.