بعد الصدمة الكبيرة التى تسببت فيها أحكام البراءة فى قضية القرن عند المصريين وأنظارنا جميعًا تتعلق بمحكمة النقض باعتبارها المحطة التالية والأخيرة لهذا الحكم.. كثير من الأسئلة الحائرة تقف على الأعتاب المقدسة لهذه المحكمة. «أكتوبر» حملت بعض هذه الأسئلة ووضعتها على مكتب المستشار عبد الله فتحى نائب رئيس محكمة النقض ووكيل نادى قضاة مصر فكان، موضحًا فى بعض إجاباته إلى أمور ملتبسات وأخرى متشابهات لدينا حول الأحكام التى صدرت وأيضا حاسمًا للجدل الذىأثير حول رفض الطعن أو قبوله وقانونية انعقاد محكمة النقض خارج دار القضاء العالى من عدمه.. فى السطور التالية أهم ما تحدث به نائب رئيس النقض ل «أكتوبر». * هل التعليق على الأحكام القضائية جريمة؟ وما هو موقف القضاة مما يحدث الآن بعد إصدار حكم البراءة فى قضية القرن؟ ** إذا كان التعليق على الأحكام يتناول القاضى أو هيئة المحكمة التى أصدرت الحكم بأى تجاوز فهذه جريمة عقوبتها الحبس وهى فى القانون تسمى جريمة «إهانة القضاء» أما إذا كانت من قبيل مناقشة الحكم من متخصص وبشكل قانونى وبعد صدور الحكم بشكل نهائى حتى لا يكون هناك أى تأثير على محكمة الطعن التى تنظر الحكم ولكن ما يحدث الآن تجريح للحكم وتجريح للقضاء بشكل عام وهو أمر مرفوض تماما لما ينطوى عليه من هز ثقة الشعب المصرى فى الأحكام القضائية وفى القضاء وهو أمر رفضناه وقت حكم الإخوان. * هل ترى أن الإعلام قام بالدور المطلوب منه فى تناول أحكام قضية القرن؟ ** دائمًا كان للإعلام دوره الوطنى فى مؤازرة القضاة والشعب المصرى فى الحقيقة وهم من جسدوا القضية التى كانت من جرائم الإخوان ومرسى فى حق القضاء وحق مصر فكان لهم دور وطنى مشهود ولكن فى الآونة الأخيرة فوجئنا بعودة الفوضى الإعلامية ورأينا من يفسحون صحفهم أو قنواتهم لأشخاص لا يخافون على هذا الوطن ولا يأبهون بمصير الشعب وكانت الصدمة الكبرى هى ما حدث عقب صدور الحكم على الرئيس الأسبق مبارك وبعض رموز نظامه من قيادات وزارة الداخلية إذ فوجئنا بفضائيات وكأنها فى مباراة كرة قدم إذ تحولت معظم الفضائيات إلى استديوهات تحليل يتحدث فيها غير المتخصصين ليتعرضوا للحكم بالنقد والتجريح فى الوقت الذى لم يكلف هؤلاء أنفسهم عناء قراءة أسباب الحكم وحيثياته الواردة فى 1534 صفحة أو على الأقل قراءة الموجز المكون من 280 صفحة والذى أعدته المحكمة لكنهم أسرعوا بنقد الحكم والهجوم عليه والغريب أن هؤلاء يبدأون بكلمة احترام القضاء ثم ينطلقون فى نقد وتجريح الأحكام بشكل غير موضعى وغير لائق لا يستقيم مع دولة القانون وفى هذا المقام أود أن أنبه إلى أن القاضى إنما هو يقضى بالعدل طبقًا لما تحت يديه من أوراق وأدلة كما ينص عليه القانون وعليه ضميره أما الحق فلا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ويوصى به إلى أنبيائه وليس قضاته، فالقاضى يقضى بالعدل بما يلمسه وما يراه أمامه من أوراق وأدلة ومستندات. * وكيف ترى إذن الأحكام التى صدرت بسقوط الدعوى بالتقادم ولا وجه لإقامة الدعوى الجنائية؟! وما هى أسباب ذلك؟ ** لنكن موضوعيين ونقرأ الأحداث بدءًا من يناير 2011 فالقضية المعروضة أمام القضاء الأساسية هى تهمة قتل المتظاهرين أو الاشتراك فى القتل وهذه التهمة ولو تذكرنا الأحداث التى أعقبت ثورة يناير والفوضى الأمنية التى كانت تضربه كل الشوارع واختفاء رجال الأمن المنوط بهم فى المقام الأول جلب الدليل لجهات التحقيق فلم يكن فى الأحكام ضبط ثمة أدلة قاطعة على هذه الجرائم، بالإضافة إلى ما لمسناه جميعنا من هجوم على أقسام الشرطة ومديريات الأمن، وكل هذه التداعيات وما اقترن بها من فوضى عارمة يجعلنا لا نستغرب اختفاء الدليل، بالإضافة إلى أن الشهود الذين شهدوا فى هذه القضية أكد معظمهم أن الرئيس الأسبق لم يصدر منه تعليمات أو أوامر بقتل المتظاهرين. * وهل الأمر الضمنى من النيابة العامة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية يأخذ صفة الحجية بأنه حكم قضائى سابق لا يجوز تخطيه مرة أخرى؟ ** لابد أن نفرق بين التهمتين فإحدى التهم وهى قتل المتظاهرين كان حكم المحكمة فيها بعدم جواز نظر الدعوى فيها لسابقة صدور أمر «ضمنى» من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الأدلة ولنفهم هذه الجزئية والتى هى بمثابة براءة، أيضًا علينا أن نعود إلى نصوص القانون فحجية الأحكام تمنع من نظر الدعوى عن ذات الواقعة مرة أخرى وهو ما يسمى قانونيًا بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وهذه الحجية المانعة وإن كانت فى الأصل قانونًا للأحكام إلا أن القانون أيضًا أعطى هذه الحجية بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بعد تحقيق الواقعة ففى هذه الجزئية يكون لهذا الأمر ذات الحجية المانعة للأحكام وبالنسبة لهذه الواقعة كان قد ثبت للنيابة العامة أن حققتها قبل المتهمين منهم الرئيس الأسبق وعندما تصرفت فى الدعوى الجنائية أحالت بعض المتهمين دون الرئيس الأسبق فكان هذا الأمر ضمنيا بالنسبة له وعندما قدمته فى الجناية الأخرى كانت حجية الأمر السابق مانعة للمحكمة من التعرض لهذه التهمة وكان لزامًا عليها أن تقضى فيها بعدم جواز نظرها احترامًا لحجية الأمر السابق على نحو ما أوضحنا وطبقًا للقانون. أما عن التهمة الأخرى وهى تهمة أخذ عطية أو رشوة لانقضاء الدعوى بالتقادم وهى تلك التى أشارت إليها المحكمة بضرورة التدخل التشريعى بتعديل نص المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية فهى جزئية قانونية وثغرة تشريعية كانت قائمة بلا مبرر فجرائم المال العام جميعها ينص القانون على أن تبدأ مدة انقضاء الدعوى الجنائية عنها إلا من تاريخ ترك الموظف منصبه أو وظيفته ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة لجريمة الرشوة مفارقة تشريعية غير مبررة فجرائم الرشوة واستغلال النفوذ هى جرائم مال عام شأنها شأن الجرائم الأخرى وهى ذات الحكمة التى دعت المشرع إلى النص على بدء تقادم هذه الدعوى تجاه هذه الجرائم من تاريخ ترك الموظف لمنصبه بحسبان أن الموظف ما دام هو فى وظيفته ومنصبه يستطيع إخفاء أدلة هذه الجرائم هى قائمة أيضًا بالنسبة لجرائم الرشوة واستغلال النفوذ وهو ما أشارت إليه المحكمة فى حكمها واستجاب لها السيد رئيس الجمهورية باعتباره يمتلك السلطة التشريعية ووجه وزارة العدل بصياغة هذا التعديل القانونى والتشريعى المنطقى لإصدار قرار بذلك. * وهل سيطبق هذا التعديل على مبارك ورموز نظامه أو على من قدم للمحاكمة أو تتم محاكمته حاليًا؟ ** فى حالة صدور مثل هذا التعديل التشريعى من رئيس الجمهورية فهو لن يطبق على الجرائم السابق ارتكابها قبل صدوره وإنما سيطبق على الوقائع التى تحدث بعد سريان هذا التعديل إعمالًا للقاعدة القانونية الثابتة بأن القانون الجنائى لا يطبق بأثر رجعى إلا إذا كان فى مصلحة المتهم وعلى هذا الأساس فإن هذا التعديل إذا صدر فإنه سيكون مطبقًا على ما سيقع بعد سريانه من وقائع وجرائم. * هل ستنتقل محكمة النقض إلى أكاديمية الشرطة فى حال نظر الطعن أم أن هذا سيشكل أزمة قانونية؟ ** محكمة النقض لا تنتقل خارج مقرها وهو دار القضاء العالى فى جميع الأحوال وذلك بمقتضى الدستور والقانون لأنها محكمة وحيدة فى مصر لأنها المحكمة العليا وهى أيضًا محكمة قانون بحسب الأصل إنما نظرها للموضوع يكون استثناء على الأصل ومن ثم لا يجوز استثناء أن يطغى على الأصل فى أى حال من الأحوال فإذا كانت الحكمة من انعقاد محكمة الجنايات فى مقر أكاديمية الشرطة هو تأمين المتهمين والقضاة فعلى الجهات المعنية القيام بمسئولياتها فى هذا التأمين ولكن فى دار القضاء العالى طبقًا للدستور والقانون فلا يجوز انعقاد محكمة النقض خارج مقرها ولا يليق أيضًا أن ننقل محكمة النقض خارج دار القضاء العالى. وذلك عكس محاكم الجنايات لأن محكمة الجنايات هى بمثابة دائرة او دوائر تتكون فيها أى محكمة استئناف سواء كانت محكمة استئناف القاهرة أو غيرها من محاكم الاستئناف الثمانى على مستوى الجمهورية والعبرة فيها والمعيار بانعقاد دائرة الجنايات فى النطاق الجغرافى لمحكمة الاستئناف التابعة لها هذه الدائرة أما محكمة النقض فهى محكمة وحيدة وجميع دوائرها تعقد فى مقر دار القضاء العالى وتمثل محكمة النقض.