الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية العليا يوم 14 يونيو الجارى، والذى كشف عن عوار دستورى فى قانون مجلس الشعب، أدى إلى حالة من الجدل السياسى والقانونى، وتعرضت أطراف عدة لحكم الدستورية العليا بهجوم شديد، بينما أبدى البعض رفضه للحكم من الأساس! «أكتوبر» رصدت هذه الحالة، من خلال هذا التحقيق الذى التقت فيه نخبة من رجال القضاء الذين أكدوا أن ما يجرى منذ صدور حكم الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، هو تشويه متعمد لأحد أهم حصون القضاء المصرى، وأن هذه الممارسات تنم عن عدم اعتراف بالديمقراطية، وعدم دراية بقانون إنشاء المحكمة الدستورية.. وهذه التفاصيل:بداية يؤكد المستشار هشام جنينة رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة والسكرتير السابق لنادى قضاة مصر أن المحكمة الدستورية العليا تختص وحدها دون غيرها بالفصل فى عدم دستورية القوانين إذا ما طعن أمام المحاكم فى صحتها ومخالفتها للدستور، وبالتالى يتعين على المحاكم حينها بمختلف درجاتها سواء قضاء عادى أو قضاء إدارى إذا ما دفع أمامها بعدم دستورية هذه المواد فى القانون أو القانون برمته، وبالتالى فإن المحكمة العادية أو القضاء الإدارى يتعين عليه أن تدقق فى هذا الدفع وتفحصه وإذا ما رأت جدية هذا الدفع فإنه يتعين عليها أن توقف نظر الدعوى وتمنح المدعى أو صاحب المصلحة المتمسك بالدفع أجلاً للطعن على المادة أو القانون بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا وأعطى القانون أيضاً للمحكمة إذا ما رأت أن هناك مادة بها شُبهة عدم دستورية من تلقاء نفسها أن توقف نظر الدعوى الموضوعة المطروحة أمامها وتحيل القانون إلى المحكمة الدستورية العليا ولا تفصل فى الدعوى إلا بعد أن تفصل المحكمة الدستورية فى شُبهة عدم الدستورية من عدمه. فإذا ما قالت المحكمة الدستورية كلمتها يستمر نظر الدعوى الموضوعية على ضوء النتيجة التى أصدرتها المحكمة الدستورية العليا. أحكام كاشفة ويضيف المستشار جنينة أن ما حدث فى الطعن على دستورية إحدى مواد قانون انتخابات مجلس الشعب ومزاحمة الأحزاب للمرشحين المستقلين على المقاعد الفردية أن المحكمة الدستورية أصدرت حكمها بأن هذه المزاحمة بها عدم دستورية لمخالفتها لمبدأ المساواة المنصوص عليه فى الدستور والإعلان الدستورى وانتهت المحكمة إلى عدم دستورية القانون الذى أجريت على أساسه الانتخابات لمجلس الشعب، وبالتالى يتعين فى ظل هذا الحكم أن مجلس الشعب غير موجود واعتبرت أن هذا الحكم ملزم لكافة سلطات الدولة ومؤسساتها طبقا لقانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا فى مواده 48 و49 بمجرد صدوره ونشره فى الجريدة الرسمية يصبح نافذاً ولزاماً على مؤسسات الدولة وسلطاتها أن تعمل إثر هذا الحكم وهو ما تم بالفعل ولأن أحكام المحكمة الدستورية العليا كاشفة عن عوار قانونى ودستورى لحق النص المطعون عليه بعدم الدستورية منذ نشأته فقد ارتد الأثر إلى تاريخ صدور هذا القانون وهذه الأحكام ليست «مُنشئة» فهى لا تنشأ مراكز قانونية جديدة بل هى كاشفة عن عوار لحق بهذه المراكز القانونية. وقال إن ما يحدث من دعاوى لعدم احترام أحكام المحكمة الدستورية العليا تحت أى مبرر لا أجد له سنداً من القانون والدستور إلا أن أحكامها باتة وهى عنوان الحقيقة. وأنا ضد الاعتداء على المبادئ القضائية المستقرة تحت أى دعوى ولكن يجب أن نحترم أحكام المحاكم لأنها عمل بشرى فإن القانون نظم طريقة الطعن على الأحكام إذا ما شابها بعض الأخطاء لكن من غير المقبول التعريض للمحاكم والقضاة وما يصدرونه من الأحكام لأن هذا يهز الثقة العامة فى إحدى سلطات الدولة وأخطرها وهى السلطة القضائية لأنها الحكم والفيصل بين السلطات وهى التى تقوم بإحقاق الحقوق للمواطنين. ويضيف أن حكم المحكمة الدستورية وتناوله بالنقد والتحليل من جانب المتخصصين فى القانون يجب أن يكون بعيداً عن التناول الإعلامى الذى قد يفهم منه على غير ما عرضه الباحثون مما يحدث بلبلة لدى الرأى العام ويؤدى إلى اهتزاز الثقة فى الأحكام التى تصدر عنها. أعلى درجات الرقابة ويرى المستشار محمد عزت عجوة رئيس نادى قضاة الإسكندرية ورئيس محكمة جنايات الإسكندرية ورئيس محكمة الاستئناف أنه لا يجوز الهجوم على المحكمة الدستورية لأن المحكمة الدستورية تمثل ضمانة أساسية للدولة القانونية فى أبهى وأدق صورها لأنها تختص بالفعل فى دستورية القوانين والتشريعات وهى رقابة لاحقة لصدور القانون وليست السابقة عليه وهى بذلك تمثل أعلى درجات الرقابة الدستورية للقوانين ومن ثم فإنها ليست محكمة لها درجة من درجات التقاضى حتى يتم المقارنة بينها وبين محكمة النقض لأن أحكامها فاصلة ومن درجة واحدة وهى محكمة مختصة حصرياً بالرقابة الدستورية على القوانين. ويضيف أن الهجوم عليها أو النيل منها يدل على أن صاحب هذا الهجوم يعبر عن رأى خاص أو اتجاه معين للهروب من الرقابة الدستورية على القوانين وأى منصف يستطيع أن يرى أن وجود محكمة ذات اختصاص حصرى للرقابة الدستورية على القوانين هو أمر أفضل كثيراً من منح هذا الاختصاص لإحدى دوائر محكمة النقض كما كان الأمر من قبل أو وفقاً لما يراه البعض من تعديل فى هذا الشأن وهم بذلك يريدون أن يعيدونا لما قبل عام 1969، وهنا نتساءل: أيهما أفضل للرقابة الدستورية أن يكون لها محكمة مختصة حصرياً بها أم دائرة بمحكمة النقض؟! وقال المستشار عجوة إن اختصاص محكمة النقض بصحة العضوية فى مجلس الشعب كان من قبل اختصاصاً بالتحقيق فى طعون صحة العضوية دون الفصل فى صحة العضوية التى احتفظ بها مجلس الشعب لنفسه إلا أنه تم تعديل هذا الاختصاص، وأصبحت محكمة النقض هى المختصة بالتحقيق فى صحة العضوية والفصل فيها وهو تطور جديد فى عمل محكمة النقض بالنسبة للفصل فى صحة العضوية. فكل عضو يقدم طعنه فى صحة العضوية فهى تحقق وتفصل فيه أيضاً ثم ترسل ذلك إلى مجلس الشعب الذى عليه أن ينفذ قرار محكمة النقض. وأبدى عجوة دهشته من الهجوم الشديد من جانب البعض على عمل المحكمة الدستورية العليا، وخاصة أن بعض المتخصصين من الفقهاء ورجال القانون والقضاة ذهبوا إلى تجريح حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية مجلس الشعب ونادوا بأن الحكم غير قابل للتنفيذ إلا عن طريق الاستفتاء «سامحهم الله» وعليهم أن يراجعوا قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا ليقفوا على ما به من نصوص تبين مدى حجية وإلزام أحكام المحكمة الدستورية العليا فهى نصوص قاطعة وواضحة وملزمة لجميع سلطات الدولة. الإساءة لسمعة القضاء أما المستشار عادل الشوربجى نائب رئيس محكمة النقض والمرشح السابق لرئاسة نادى القضاة فيقول إن المحكمة الدستورية العليا تباشر الدعوى الدستورية إذا ما رفعت أمامها دعوى بطريق الإحالة من محكمة إدارية أو عادية ويقدم دفع جديد والمحكمة تعرض الدعوى الدستورية على هيئة المفوضين بالمحكمة التى تقوم بكتابة رأيها فى الطعن فى الدعوى ورأيها استشارى وتحدد جلستها لنظر الدعوى الدستورية والحكم فيها. ويضيف المستشار الشوربجى أن محكمة النقض تنظر فى صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب كل على حدة، فالمرشح الذى لم ينجح يقوم بالطعن فى نجاح شخص آخر نجح فى الانتخابات وتقوم محكمة بالنقض بالتحقيق فى صحة هذه العضوية والفصل فيها واتخاذ قرار فى هذا الشأن ليكون ملزماً بعد التعديلات الأخيرة، أما المحكمة الدستورية فهى تنظر فى مدى دستورية النصوص والقوانين الواردة وحينما تحكم بعدم دستورية أحد النصوص لا تقوم له قائمة. وعن أسباب الهجوم على المحكمة الدستورية العليا يؤكد المستشار الشوربجى أنه لا يجوز ولا يصح أن نتعرض للأحكام القضائية فالمحكمة الدستورية العليا من أكبر المحاكم فى مصر والقضاء المصرى يتمتع بسمعة عالمية طيبة، فمن يتعرض لأحكام المحاكم العليا فى مصر خاصة المحكمة الدستورية يسىء إلى سمعة القضاء المصرى فى العالم لأن الحكم عنوان الحقيقة وحينما نتعرض للأحكام وأحكم المحكمة الدستورية العليا غير قابلة للمناقشة ولكنه قابل للتطبيق فقط، ولا يناقش إطلاقاً وأن التعرض للأحكام الصادرة من المحاكم العليا فيه إساءة لمصر التى شهد لها العالم كله وشهد على نزاهة قضائها على كافة درجاته ومراحله. ويضيف المستشار الشوربجى أن الحكم هو عنوان الحقيقة ولا يجب على أصحاب المصالح الخاصة الصغيرة أن يتعرضوا لهذه الأحكام فهؤلاء النواب الذين يهاجمون المحكمة الدستورية العليا حصلوا على قروض وصلت إلى 5.6 مليون جنيه من المجلس المنحل. ويضيف أن الإنسان المصرى الوطنى عليه أن يتجرد من المصلحة الشخصية ويجب أن ينظر إلى مصلحة مصر العليا ومصلحة الوطن بصفة عامة. أسباب سياسية من جانبه يرى المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة السابق أن أسباب الهجوم على حكم المحكمة الدستورية العليا هى أسباب سياسية ولأن الديمقراطية لم تترسخ فى أذهان المصريين رغم أن رئيس مجلس الشعب السابق أعلن مراراً فى أكثر من مناسبة أنه سيقبل بحكم الدستورية أيا كان وأنه سيحترم أحكام القضاء، أما الجديد فى هذا الموضوع والذى أثار اللغط وجود سابقتين فى عام 1987 وعام 1990 وصدر فيهما حكمان من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص فى قانون مجلس الشعب وأكدت المحكمة فى حكمها على بطلان تكوين مجلس الشعب منذ انتخابه ومع ذلك لجأ رئيس الجمهورية بما له من سلطة فى الدستور تمنحه الحق فى حل المجلس فى حالة الضرورة إلى استفتاء الشعب فى هذا الإجراء باعتبار أن حكم المحكمة الدستورية يمثل الضرورة التى تبيح له حل مجلس الشعب طبقا للمادة 136 من دستور 1971 وكانت هناك آراء تقول بأن الأمر لا يحتاج إلى استفتاء لأن الحالة الخاصة بالاستفتاء لا تعنى صدور حكم وهذا الرأى طلبه رئيس الجمهورية السابق من ثلاثة من كبار الفقهاء الدستوريين وهم بالاسم الدكتور سليمان الطماوى ود.يحيى الجمل ود. أحمد كمال أبوالمجد وكل قدم ورقة مكتوبة برأيه وانتهت آراؤهم الثلاثة إلى أن الأمر لا يحتاج إلى استفتاء الشعب لكن الأمر يحتاج إلى صدور قرار من رئيس الجمهورية بالحل تنفيذاً للحكم وهذا ما قالته المحكمة الدستورية فى حكمها الصادر فى 14 يونيو الحالى، وهنا صار الخلاف. ويضيف المستشار خلوصى أن خطورة ما دعا إليه البعض من عدم الاعتراف بهذا الحكم هو إهدار لحجية الأحكام وعدم الاقتناع بالديمقراطية وفى هذا عدم الاحترام للأحكام القضائية ويتنافى مع مبدأ الدولة القانونية ويدخل البلد فى فوضى ويسود مبدأ عدم احترام أى سلطة للسلطة الأخرى.