تقدم المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض عضو مجلس القضاء الأعلى، بمذكرة إلي المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول ملاحظاته في مشروع التعديلات الدستورية المتعلقة بالقضاء، عارضا علي مجلس الأعلى فتح نقاش حولها في اجتماعهم المقبل، وقال مكي أن تضمن المشروع للمادة 76 بالفقرات الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة النص على تشكيل لجنة للإشراف على الانتخابات الرئاسية يرأسها رئيس المحكمة الدستورية وبيان أعضائها - وكلهم كانوا أقدم منه قبل أن ينعم عليه بهذا المنصب, كما تضمن بياناً لبعض إجراءات عمل اللجنة، و كان الأولى أن يترك هذا الأمر للقانون المنظم للانتخابات الرئاسية، أسوة بما اتبعه المشروع في المادة 88 منه بشأن لجنة الإشراف على الانتخابات البرلمانية كذلك نصت المادة 93 من المشروع على اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب." وقال أنه سوف يعرض علي المجلس عدة نقاط وهي 1- كان على رأس قوانين مذبحة القضاء الخمسة الصادرة بتاريخ 31/8/1969 القانون 81 لسنة 1969 بإنشاء المحكمة العليا, و هي كيان جديد تنفرد السلطة التنفيذية بتشكيله ليسلب جهات القضاء الطبيعي ولاية الفصل في دستورية القوانين التي يطبقها وفي تفسيرها و فض التنازع بينها ولقد كان هذا العدوان محل استنكار جميع فقهاء القانون في مصر، وحين صدر القرار بتشكيل المحكمة العليا انعقدت الجمعية العامة لمحكمة النقض بتاريخ 2/12/1974 لتتحدث عن نفسها فتقول أنها "صاحبة الولاية العامة الشاملة، وهي وحدها المحكمة العليا الأصيلة ذات التاريخ الشامخ والإشراف على سائر المحاكم بمختلف درجاتها، ويضطلع بأداء رسالتها قضاة من أئمة رجال القضاء والقانون وأوسعهم علماً وأعظمهم خبرة، قوامون على مراقبة صحة تطبيق القانون وتقرير المبادئ القانونية وتثبيت أحكام المحاكم وحين أعد مشروع قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 لتخلف تلك المحكمة تداعى فقهاء القانون في مصر في مؤتمر حاشد في رحاب نادي القضاة بتاريخ 29/3/1979 واجتمعت كلمتهم مع القضاة وعلى رأسهم الراحلون أحمد جنينه، محمد وجدي عبد الصمد ويحيى الدفاعي على استنكار إنشاء المحكمة الدستورية العليا حتى أن المرحوم الدكتور محمد عصفور/ قال في وصفها أثناء هذا المؤتمر "أنها عدوان على القانون وكرامة القضاء واستقلاله، ولإضفاء الشرعية على تصرفات شاذة ومنكرة بلغت في كثير من الأحيان حد أخطر الجرائم التي يعاقب عليها القانون لولا أنها صادرة من سلطة الدولة". و انتهوا إلى ضرورة إلغاء هذه المحكمة و الفصل الخامس من الدستور. وفي مؤتمر العدالة الأول المعقود في ابريل 1986 اتفقت كلمة الحضور على ضرورة العمل على توحيد جهات القضاء كافة سواء كان منازعة إدارية أو جنائية أو مدنية في كيان واحد مستقل, تنبثق منه محكمة عليا واحدة، كما نصت بتوصية صريحة على إسناد الرقابة على دستورية القوانين واللوائح إلي إحدى هيئات محكمة النقض المنصوص عليها بالمادة الرابعة من قانون السلطة القضائية بحسب الأحوال وإعادة سائر اختصاصات المحكمة الدستورية إلي القضاء، وهو ما يستتبع إلغاء الفصل الخامس من الدستور، وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إذ لا مبرر لقيام هذه المحكمة في دولة موحدة وقد اتسعت المداولات أثناء مؤتمر العدالة الأول فاستقر الرأي على أنه لا سبيل لتعزيز مكانة القضاء في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية إلا أن يكون وحدة واحدة تضم القضاء الإداري والعادي, وأن تصبح دائرة توحيد المبادئ في مجلس الدولة هيئة عامة للمواد الإدارية, كما اتفقت كلمتهم أنه لا سبيل لتوفير ضمانات لتشكيل محكمة دستورية مستقلة طالما أن قرار تعيين رئيسها وأعضائها يصدر من السلطة التنفيذية إذ تنتقى من ترضى عنه من شيوخ تحددت مواقفهم وميولهم طوال سنوات خدمتهم السابقة في الجهات المختلفة، في حين أن مسيرة القضاء العادي تبدأ باختيار خريج حديث من الحقوق لم تكتشف السلطة التنفيذية مواقفه بعد و أن أعضاء المحاكم العليا في القضاء الإداري أو العادي مختارون من جمعياتهم العمومية بحسب تقدير زملائهم لهم وليس تقدير السلطة التنفيذية ، وأفاض المشاركون في مؤتمر العدالة في الحدية عن أن التعيين في المحكمة الدستورية بما يصاحبه من امتيازات مالية ومخالفة لقواعد الاقدمية كثيراً ما يكون إنعاما من السلطة التنفيذية لمن أدى لها خدمات و من تتصور أنه يكون مأمون الجانب. ولئن كانت المحكمة الدستورية كمؤسسة بطريقة تشكيلها وطبيعته محل نظر, إلا أن كل ذلك لا ينفي أن هناك مواقف جديرة بالاحترام اتخذتها المحكمة الدستورية مثلما كان زمان الراحل المستشار عوض المر والمستشار ولي الدين جلال أطال الله بقاءه وغيرهما ولا يزال فيها رجال يقبضون على استقلالهم كالقابض على الجمر. 2- أسندت المادة 93 من المشروع الاختصاص في الفصل في الطعون الانتخابية للمحكمة الدستورية فهماً منها أن النص القائم كان يعطي هذه الولاية لمجلس الشعب وهو رأي محل نظر، ذلك أن الفهم الصحيح للنص منذ ورد في دستور 1956 في ضوء ما صاحبه من مناقشات و ما جرى عليه العمل منذ هذا التاريخ أن رأي محكمة النقض في الطعن الذي حققته هو القول الفاصل في النزاع وهو ملزم لمجلس الشعب، ولكن نظرا لأن ظروف البلاد السياسية في ذلك الزمان كانت لا تسمح بتنفيذ الحكم فور صدوره لأنه يترتب عليه إجراء الانتخابات خلال ستين يوما لذلك رؤى أن يعلق تنفيذ الحكم على صدور قرار من مجلس الشعب بأغلبية الثلثين, فقرار المجلس لا يعدو أن يكون قرارا تنفيذيا وظل المجلس يعلن أنه ملتزم بقرار محكمة النقض سواء نفذه أو امتنع عن تنفيذه حتى يوم 13/6/1989 حين طلب منه وزير الداخلية تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية العليا الصادرة بتاريخ 29/4/1989 و التي تلزمه بتعديل نتيجة الانتخابات بالقائمة التي أعلنها و التي يترتب عليها استبدال ثمانين عضوا من حزبي الوفد و العمل و المستقلين بآخرين من حزب الأغلبية , و هو ما يترتب عليه أن يفقد الحزب الوطني أغلبيته فكان أن أعلن رئيس مجلس الشعب في هذا الوقت صراحة أن أحكام القضاء لا تلزم المجلس و أن المجلس سيد قراره, ثم درج بعض أعضاء المجلس على ترديد هذه المقولة حتى تخيل الناس أنها صحيحة , في حين أن رئيس مجلس الشعب التالي طوال السنوات العشرين يعلن جهراً وسراً أن أحكام محكمة النقض في شأن الطعون ملزمة للمجلس, ولكنه لا يستطيع تنفيذها لأنه لم يتمكن من أن يقنع أغلبية الثلثين بإبطال العضوية تنفيذا لها ومن ثم فاختصاص محكمة النقض بالفصل في الطعون الانتخابية أمر مسلم به بغير خلاف ورأيها في الطعن الانتخابي حكم ملزم و المحاكم تقضي على أساسه بالتعويض التزاما بحجية رأى محكمة النقض الفاصل في النزاع باعتباره حكما, حتى لو أمتنع مجلس الشعب عن تنفيذه وقد كان إسناد مهمة الفصل في صحة الطعون الانتخابية محل إلحاح الأمة على لسان نوابها منذ 1924 , وأسند فعلاً إلي محكمة النقض في دستور 1930 بنص صريح , وحين عاد دستور 1923 حرص مجلس النواب بالإجماع و نداء بالإثم على إصدار القانون رقم 141 لسنة 1951 بإسناد الفصل في الطعون الانتخابية و صحة العضوية إلي محكمة النقض، وكل ذلك مثبت في مضابط مجلس النواب, و كل ذلك كان محل اعتبار المشرع عند إصدار دستور 1956 وما تلاه و لكنه أراد أن يميز بين الفصل في الطعن و تنفيذ الحكم على النحو السالف ذكره وكل ذلك سبق لي تسجيله في بحث تكرر نشره منذ عام 1990. 3- ليس باعثي على كتابة هذه الملاحظات حرصي على بقاء اختصاص محكمة النقض بالفصل في الطعون الانتخابية فأنا أتهيأ لمغادرة موقعي و أنا مشفق عليها مما تنوء بحمله, و لكن دهشتي من أن ينزع الاختصاص من محكمة لها قدرها مكونة من 400 قاض اختارتهم الجمعية العامة للمحكمة ليؤول إلى محكمة عدد أعضائها 19 عضوا فقط أتى رئيسها من خارجها بقرار من السلطة التنفيذية !!! ليرأس من هو أقدم منه على خلاف كل التقاليد و هكذا نقل المشروع الاختصاص بالفصل في الطعون من محكمة طبيعية إلى محكمة أقل ما يقال فيها أن السلطة التنفيذية تختار أعضاءها فتغدق عليهم مزايا و عطايا مالية لحقق من خلالها أغراضها حتى بلغ الأمر أنها استعملتها في الرد على قرار جمعية عمومية لمجلس الدولة. لن تكفى مدة التسعين يوما لإنجاز كل الطعون, وستعجل المحكمة الدستورية الفصل فيها و ستتباطأ في الفصل في البعض حسب الملائمات, كشأنها في العديد من الطعون بعدم الدستورية, المهيأة للفصل في موضوعها, والتي تقبع في الأدراج انتظارا للوقت المناسب, ولا سبيل لعلاج هذا الأمر إلا أن تصبح هي ذاتها جزء من نسيج القضاء الطبيعي بشقيه المحاكم ومجلس الدولة, فبسند اختصاصها إلى هيئتي محكمة النقض و دائرة توحيد المبادئ في مجلس الدولة, إن لم نتمكن من دمج فرعى القضاء, أما الفصل في الطعون الانتخابية فليسند إلى محاكم حقيقية سواء أكانت محكمة النقض أو محاكم الاستئناف أو مجلس الدولة فلا يستقيم أن نحاول أن نحسن لمجلس الشعب بالإساءة إلى استقلال القضاء .