المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض من أبرز قضاة مصر واهم رموز تيار الاستقلال في القضاء المصري وهو صاحب رأي ورؤية واضحة في كثير من القضايا. ويري ان التعديلات الدستورية الجديدة لا تستجيب للإرادة الشعبية, لأنه لم يسبقها حوار للتعرف علي مطالب الشعب, مشيرا إلي أنها مليئة بمسائل محل اعتراض الناس. وقال إننا نحتاج الي حوار مجتمعي لطرح جميع التصورات حول الدستور الجديد. ووصف مجلس الشوري بأنه عديم الجدوي ولا حاجة إليه في المرحلة الانتقالية. كما وصف استمرار نسبة العمال والفلاحين في البرلمان بأنها ضحك علي الدقون. وأكد أن كوتة المرأة أدت إلي تضخم مجلس الشعب ويجب التخلص منها في هذه المرحلة. ودعا الي تفكيك السلطة التنفيذية الي هيئات مستقلة حتي لا يسيطر عليها رئيس الجمهورية. وطالب بإطلاق حرية تكوين الأحزاب والنقابات والاتحادات الطلابية وجمعيات المجتمع المدني. وشدد علي أنه لابد من استرداد جميع أملاك الدولة من الحزب الوطني وفصله تماما عن أجهزتها. وفيما يلي أهم ماجاء في الحوار: باعتباركم عضوا سابقا في لجنة سابقة لتعديل الدستور ماهي رؤيتكم للتعديلات التي انتهت إليها لجنة المستشار طارق البشري؟ لا أجد عبارات تكفي للتعبير عن تقديري للجهد المشكور الذي بذلته لجنة إعداد مشروع التعديلات الدستورية وأعضاؤها ورئيسها الجليل وإني علي ثقة من أن صدورهم ستتسع لقبول رأي مغاير حتي لو كان خاطئا. فقد تضمن المشروع للمادة76 بالفقرات الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة النص علي تشكيل لجنة للإشراف علي الانتخابات الرئاسية يرأسها رئيس المحكمة الدستورية وبيان أعضائها وكلهم كانوا أقدم منه قبل أن ينعم عليه بهذا المنصب كما تضمن بيانا لبعض إجراءات عمل اللجنة, وكان الأولي أن يترك هذا الأمر للقانون المنظم للانتخابات الرئاسية أسوة بما اتبعه المشروع في المادة88 منه بشأن لجنة الاشراف علي الانتخابات البرلمانية. يلاحظ ان التعديلات نقلت اختصاص الفصل في صحة عضوية مجلس الشعب من محكمة النقض الي المحكمة الدستورية العليا.. فكيف ترون ذلك؟ أسندت المادة93 من المشروع الاختصاص في الفصل في الطعون الانتخابية للمحكمة الدستورية فهما منها أن النص القائم كان يعطي هذه الولاية لمجلس الشعب وهو رأي محل نظر ذلك أن الفهم الصحيح للنص منذ ورد في دستور1956 في ضوء ماصاحبه من مناقشات وماجري عليه العمل منذ هذا التاريخ أن رأي محكمة النقض في الطعن الذي حققته هو القول الفاصل في النزاع, وهو ملزم لمجلس الشعب. ونظرا لأن ظروف البلاد السياسية في ذلك الزمان كانت لا تسمح بتنفيذ الحكم فور صدوره لأنه يترتب عليه إجراء الانتخابات خلال ستين يوما فقد رؤي ان يعلق تنفيذ الحكم علي صدور قرار من مجلس الشعب بأغلبية الثلثين فقرار المجلس لا يعدو أن يكون قرارا تنفيذيا. وظل المجلس يعلن أنه ملتزم بقرار محكمة النقض سواء نفذه أو امتنع عن تنفيذه حتي يوم9891/6/13 حين طلب منه وزير الداخلية تنفيذ أحكام المحكمة الادارية العليا الصادرة بتاريخ1989/4/29 والتي تلزمه بتعديل نتيجة الانتخابات بالقائمة التي أعلنها والتي يترتب عليها استبدال ثمانين عضوا من حزبي الوفد والعمل والمستقلين بآخرين من حزب الأغلبية وهو مايترتب عليه أن يفقد الحزب الوطني أغلبيته. فأعلن رئيس مجلس الشعب في هذا الوقت صراحة أن أحكام القضاء لا تلزم المجلس وأن المجلس سيد قراره ثم درج بعض أعضاء المجلس الشعب التالي طوال السنوات العشرين يعلن جهرا وسرا أن أحكام محكمة النقض في شأن الطعون ملزمة للمجلس, ولكنه لايستطيع تنفيذها لأنه لم يتمكن من أن يقنع أغلبية الثلثين بإبطال العضوية تنفيذا لها. فاختصاص محكمة النقض بالفصل في الطعون الانتخابية أمر مسلم به بغير خلاف ورأيها في الطعن الانتخابي حكم ملزم والمحاكم تقضي علي أساسه بالتعويض التزاما بحجية رأي محكمة النقض الفاصل في النزاع باعتباره حكما حتي لو امتنع مجلس الشعب عن تنفيذه. هل تكفي مدة90 يوميا للفصل في الطعون المقدمة في الانتخابات البرلمانية علي الرغم من ضخامة أعدادها كما كان الحال مع مجلس الشعب المنحل؟ لن تكفي مدة التسعين يوما لإنجاز كل الطعون وستجعل المحكمة الدستورية الفصل فيها وستتباطأ في الفصل في البعض حسب الملاءمات كشأنها في العديد من الطعون بعدم الدستورية المهيأة للفصل في موضوعها والتي تقبع في الأدراج انتظارا للوقت المناسب. ولا سبيل لعلاج هذه الأمر إلا أن تصبح هي ذاتها جزءا من نسيج القضاء الطبيعي بشقيه المحاكم ومجلس الدولة فيسند اختصاصها الي هيئتي محكمة النقض ودائرة توحيد المباديء في مجلس الدولة إن لم نتمكن من دمج فرعي القضاء أما الفصل في الطعون الانتخابية فليسند إلي محاكم حقيقية سواء أكانت محكمة النقض أو محاكم الاستئناف أو مجلس الدولة فلا يستقيم أن نحاول أن نحسن لمجلس الشعب بالإساءة الي استقلال القضاء ولا أن نستبدل الأقل استقلالا بالذي هو خير. هل تري أن هناك مواد أخري في الدستور تحتاج الي تعديل بالحذف أو الاضافة غير تلك التي انتهت اللجنة من مشروع تعديلها وسيتم الاستفتاء عليها في19 مارس الحالي؟ أؤكد أولا أني منزعج من طريقة إعداد التعديلات الحالية لأننا كأننا عدنا إلي ماقبل ثورة25 يناير. فالمقصود من الثورة أن تكون إرادة القانون معبرة عن إرادة الأمة وأصل تكليف اللجنة السابقة أنها تستجيب الي المطالب الشعبية الأمر الذي كان يقتضي الدخول في حوار للتعرف علي تلك المطالب قبل طرح مشروع التعديلات علي الناس للتطبيق وهذا لم يحدث. وسيتم التصويت علي تلك التعديلات يوم19 مارس الحالي دون أن يسبقها حوار أو حتي شرح التعديلات وبالتالي فهي مليئة بمسائل محل اعتراض الناس. إن الأمر يبدو كأننا نعود مرة أخري ليكون القانون معبرا عن إرادة الحاكم وليس إرادة الشعب والأصل في القانون أن يكون معبرا عن إرادة الشعب ليتلقاه بالرضا والقبول وليس إرادة أو رؤية الحاكم أو السلطة. هناك من يطالب بتشكيل مجلس رئاسي وتقديم الانتخابات الرئاسية علي البرلمانية لافساح المجال لاعداد دستور جديد وهناك من يري تقديم الانتخابات البرلمانية علي الرئاسية في ظل التعديلات الدستورية المقترحة حتي يتسني للمجلس العسكري تسليم زمام الأمور لسلطة مدنية سريعا.. فكيف ترون ذلك؟ أري أن المسألة أبسط من ذلك بكثير فمن الممكن تشكيل وزارة مدنية جديدة يستطيع المجلس العسكري أن يسند إليها إدارة البلاد علي أن يتولي الرقابة عليها, بحيث إذا خالفت الارادة الشعبية يقيلها. الجانب الآخر أن يتولي المجلس العسكري سلطة التشريع إذا رأت الوزارة تعديل بعض القوانين. وهكذا يكون المجلس العسكري قد أخذ سلطتين من سلطات البرلمان هما الرقابة علي الحكومة والتشريع فلا يصدر قانون لحياة الناس إلا بعد إقرار المجلس العسكري له. وبهذه الصورة يمكن للمجلس العسكري أن يسلم السلطة للوزارة ويمكنه أن يؤدي دور الرئيس بغير الاحتكاك اليومي الذي يمثل بالنسبة له مشكلة. وهكذا يصبح لدينا مجال من الوقت كي نجري حوارا مجتمعيا كاملا ونعطي الناس مهلة, لطرح تصوراتهم بشأن دستورهم الجديد مع بقاء الوضع الدستوري بنصوصه قائمة. أي الانتخابات تفضل أولا.. الرئاسية أم انتخابات مجلسي الشعب والشوري؟ أولا: أنا معترض علي وجود مجلس الشوري في مرحلة انتقالية لأنه عديم الجدوي والفاعلية. وأنا أشك في أنه كان عندنا برلمان أصلا فإذا نجحنا في أن يكون عندنا مجلس شعب منتخب انتخابا حقيقيا فهذا يكفي. ثانيا: لي تحفظ آخر علي نسبة العمال والفلاحين الموجودة في الدستور لأن هذا في الحقيقة ضحك علي الدقون. إذا كان المقصود حماية حقوق محدودي الدخل وهذه مسألة مهمة ورئيسية فالحقيقة أن نسبة العمال والفلاحين لم تحقق شيئا لمحدودي الدخل ولم تمنع مجلس الشعب من أن يوافق بالاجماع علي الغاء الاشتراكية ولا السماح بإخراج ثروة مصر والقطاع العام. إنهم ليسوا عمالا ولا فلاحين وإنما كثيرون منهم لواءات في الجيش والشرطة يترشحون باسم العمال والفلاحين. كما أن هناك عائقا إجرائيا يتمثل في أن99% من الطعون الانتخابية أمام المحكمة الادارية كانت علي صفة العامل والفلاح أي أنها تمثل مشكلة الأمر الذي ينبغي معه التخلص منها الي كوتة المرأة التي أدت إلي تضخم المجلس وزيادة عدد أعضائه ويجب التخلص منها في هذه المرحلة الانتقالية. يلاحظ أن التعديلات الدستورية الجديدة جعلت تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية أمرا واجبا وليس اختياريا كما كان الأمر في الصياغة القديمة.. أليس كذلك؟ من ملاحظاتي علي مشروع التعديلات الدستورية موضوع نائب رئيس الجمهورية الذي يملك الرئيس تعيينه وإقالته بغير موافقة البرلمان, بمعني أنه يستطيع أن يعين ابنه نائبا له الأمر الذي ينبغي لأن يعرض علي الناس بصورة من الصور إما بالانتخاب أو موافقة مجلس الشعب أو نحو ذلك. كما ينبغي تفكيك السلطة التنفيذية الي مجموعة من الهيئات المستقلة بحيث تصبح الجامعة مستقلة والعمداء منتخبون والمحافظون منتخبون والمجالس المحلية منتخبة والأزهر مستقل والاعلام كذلك.. وهكذا بحيث لا تتجمع كل السلطات في يد رئيس الجمهورية فيسيطر علي جميع مؤسسات الدولة. ولابد من احترام الارادة الشعبية وحق الناس في أن تعبر عن إرادتها من خلال المؤسسات حتي نستطيع أن نطمئن الي احترام تلك الارادة. كما ينبغي إطلاق حرية تكوين الأحزاب وحرية تكوين النقابات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والاتحادات الطلابية ذلك أن بعض الأحداث الأخيرة كشفت حجم تدخل الدولة من خلال مباحث أمن الدولة في تلك المؤسسات لتمزيقها. ومن هنا تبرز أهمية وضع دستور جديد للبلاد يراعي الارادة الشعبية في مختلف المجالات والميادين. في رأيك.. هل تري ضرورة لاستمرار الحزب الوطني في الحياة الحزبية والسياسية بعد ثورة25 يناير؟ الحزب الوطني محمل بميراث ثقيل من الفساد ولا مانع من استمراره بعد فصله تماما عن أجهزة الدولة واسترداد أملاك الدولة الموجودة لديه. وينبغي أن يدرك الجميع ان الحزب الوطني ليس هو المحافظ أو الادارة المحلية أو أي مؤسسة أخري من مؤسسات الدولة كما كان الوضع قبل الثورة. فلابد من قطع الصلة بين الحزب الوطني ومؤسسات الدولة ككل لأن ذلك الحزب كان يتدخل في كل شيء. إلي أي حد في رأيكم يحتاج شبب ثورة25 يناير الي إنشاء حزب للتعبير عن آرائهم وضمان مشاركتهم السياسية؟ من الصعب القول إن شباب25 يناير سيكونون حزبا واحدا صحيح أنهم توحدوا ضد النظام الذي كان قائما ولكن البناء الجديد يقتضي التعددية. إن ماكان يوحدهم هو إزالة النظام السابق أما شكل النظام الجديد فسيصاحبه تعددية ومن ثم فعلي الشباب الذي صنع هذه الثورة أن يتسع صدره لتعدد الآراء في داخله.