ربما لم يتوقع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن تتخذ الأحداث فى بلاده هذا المنحنى الخطير والمفاجئ بسبب الحرب الأمريكية على «داعش»، خاصة بعد اشتداد المعركة بين الأكراد وتنظيم الدولة فى مدينة «كوبانى» السورية الكردية المتاخمة للحدود التركية والمعروفة ب «عين العرب»، الأمر الذى أشعل ثورة الأكراد مجددا فى جنوب شرق البلاد، احتجاجا على عدم تدخل قوات أردوغان لتقديم الدعم العسكرى لأكراد كوبانى. وبعد مظاهرات غاضبة للأكراد عمت أرجاء تركيا، وأعمال عنف سقط على إثرها 34 شخصا على الأقل وأصيب المئات، وجد أردوغان نظامه فى مأزق يصعب الخروج منه، فقرر الانتقام سريعا ولو بخرق تعهداته السابقة، وبدلا من توجيه طائراته لنجدة أكراد عين العرب، قامت مقاتلات «إف 16» التابعة لسلاح الجو التركى بقصف مواقع لحزب العمال الكردستانى جنوب شرق تركيا لأول مرة منذ إعلان الحزب عن وقف إطلاق النار فى مارس 2013. تصاعد الأحداث فى كوبانى السورية وبالتالى فى تركيا ذاتها يشير إلى أن سلام الأكراد مع نظام أردوغان أصبح فى مهب الريح، إذ فى الوقت الذى شدد فيه الرئيس التركى من لهجته مدينا أعمال العنف التى وصف من نفذوها ب «الأنذال» وأنهم نفذوها لصالح «منظمة إرهابية» قاصدا حزب العمال الكردستانى، جاء الرد من زعيم حزب العمال الكردستانى المسجون عبد الله أوجلان، والذى حذر من أن سقوط كوبانى سيعنى بحكم الواقع نهاية المحادثات، مطالبا أنقرة بعرض جدول زمنى لاستئنافها. ويسعى نظام أردوغان للفصل بين ما يجرى خارج حدود تركيا وبين عملية السلام مع حزب العمال الكردستانى، خاصة فى ظل وقوف المقاتلين الأكراد فى الصفوف الأمامية المحاربة لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى كل من سوريا والعراق، وهو ما يثير قلق تركيا من تقديم أى دعم عسكرى للأكراد يعزز من قوتهم، كما منعت الحكومة التركية جماعات من الأكراد من عبور حدودها للانضمام إلى القتال فى كوبانى، مما زاد من شكوك الأكراد تجاهها..ورغم ذلك وعدت أنقرة ببذل كل ما فى وسعها لإنقاذ محادثات السلام. لكن الأمر بالنسبة للأكراد يبدو مختلفا بصورة كبيرة، فهم يطالبون الحكومة التركية بالتدخل العسكرى المباشر فى كوبانى، ومن أجل ذلك قاموا بمظاهراتهم العنيفة التى أدت لسقوط 34 قتيلا وعنصرين من الشرطة، وأصيب المئات من بينهم 135 شرطيا، وأُحرقوا 531 سيارة شرطة، و631 سيارة مدنية، فضلا عن تخريب 1122 مبنى، من بينها 214 مدرسة، ومراكز تعليم، ومتاحف ومكتبات..وفى مواجهة ذلك، حاول أردوغان التحلى بالهدوء واصفا هذه الأحداث بقوله: «هؤلاء يظهرون للعالم بأسره كم هم همجيون»..وانتقد منظمة «بى كا كا»، والذين يمارسون السياسة فى ظلها - يقصد حزب الشعوب الديمقراطى - مؤكدا أن تركيا ليست دولة ترضخ أمام حفنة من مثيرى الشغب. ويطرح السؤال نفسه: إلى متى سيتحلى أردوغان ونظامه بالهدوء فى مواجهة ما يجرى من أحداث سواء على الأراضى التركية أو خارجها؟ هنا يرى محللون أن أردوغان الذى يحلم بكتابة اسمه فى التاريخ، لن يظل «لا مباليا» تحت ضغط الرأى العام، فهو سياسى براجماتى، ويدرك أن إضعاف موقفه قد يعرض للخطر جهوده الرامية لوضع حد لثلاثين سنة من الصراع بين الجيش والأكراد فى جنوب شرق تركيا..وهذا الأمر أكده أردوغان بنفسه متحدثا من ولاية ريزة مسقط رأسه، حيث قال: «إننا لا نضحى بمسيرة السلام من أجل الإرهاب والمنظمات الإرهابية ومكائدها الدموية».. لكن هدوء أردوغان وثقته الهائلة فى قدرته على احتواء الموقف المتأزم فى بلاده حاليا، قد تتبدد سريعا إذا ما سقطت مدينة كوبانى فى يد مقاتلى داعش..وتدهورت الأوضاع الداخلية فى تركيا بصورة دراماتيكية.