بعد خمسة عشر يومًا يتم نظام البشير ربع قرن من الحكم فى السودان، بعد قيادته انقلابًا عسكريًا على حكومة الأحزاب الديمقراطية برئاسة الصادق المهدى رئيس الوزراء حينها. وخلال ربع قرن شهد السودان أحداثًا لا تنسى لعل أبرزها انفصال الجنوب والحرب فى إقليم دارفور ونتج عنها ملاحقة دولية للرئيس البشير بتهمة ارتكاب حكومته وميلشيا الجنجويد المؤيدة لها مجازر وانتهاكات لحقوق الإنسان. «لا ولاء لغير الله»، «لا تبديل لشرع الله»، «الجهاد فى جنوب السودان» شعارات رفعها نظام البشير تفسر أن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم لم يعد مجرد حزب حاكم، وإنما جعل من نفسه الدولة، 25 سنة عاشها السودان ولا يزال تحت حكم البشير وحزبه أوصلت الأزمة فى السودان إلى نوع من المأساة. فقد استولى البشير على حكم السودان وهى موحدة، فتسببت سياسات نظامه فى انفصال الجنوب، واستمرت الحرب الأهلية لتدمر الإنسان والطبيعة فى دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وأزهقت أرواح الآلاف من أبناء السودان، وتضاعفت أعداد المعاقين، وأعداد النازحين واللاجئين. وانتشرت «بيوت الأشباح» حيث التعذيب الممنهج وبأوامر من القيادة السياسية والأمنية. إضافة إلى فصل آلاف الضباط والجنود من المؤسسة العسكرية السودانية، وطمس التراث والتقاليد العريقة لهذه المؤسسة، القائمة على تأكيد وطنية وقومية الضباط والجنود السودانيين وانحيازهم فى كل اللحظات الحرجة من تاريخ السودان الحديث إلى جانب الشعب. كما حدث انهيار تام فى الاقتصاد السودانى وتدمير مشاريع عملاقة كانت ركيزة أساسية لمشاريع التنمية كمشروع الجزيرة، والسكة الحديد، والنقل الجوى والنهرى، وانهيار الخدمات الضرورية لحياة الإنسان كالصحة والتعليم ومياه الشرب. حيث تشهد عدد من مناطق الخرطوم منذ شهر انقطاعًا فى مياه الشرب، وعندما احتج المواطنون على انقطاع المياه استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين وضربتهم بالهراوات ولقى أحد المتظاهرين مصرعه اختناقًا خلال المظاهرات. لقد انهارت الطبقة الوسطى لدرجة التسول، إضافة إلى تفشى الفساد بدرجة غير مسبوقة. وفى الخرطوم أيضًا تجمع مئات الشبان العاطلين أمام مكتب حاكم الولاية عبدالرحمن الخضر استجابة لدعوة أطلقها ناشطون على «الفيس بوك» فى أعقاب لقاء تليفزيونى تعهد خلاله الخضر بتوفير فرص عمل لكل شاب عاطل، وتراجع الخضر عن تصريحاته بعد أن أوضح أن حديثه تم تحريفه. وحمل الشباب لافتات عليها عبارات «عاوزين تشغيل»، و«أنا عاطل». صحيفة «الجريدة» اليومية نشرت خبر تجمع الشباب أمام مكتب الوالى، فكان العقاب أن صادرت السلطات الأمنية كل النسخ المطبوعة من الصحيفة دون توضيح الأسباب. وكانت السلطات الأمنية قد علقت صور صحيفة «الصيحة» إلى أجل غير مسمى لنشرها تقارير عن الفساد فى المؤسسات الحكومية. ويوم الأحد الماضى اعتقلت السلطات زعيم حزب المؤتمر السودانى المعارض إبراهيم الشيخ، وتم توجيه تهما للشيخ تتعلق بتقويض النظام الدستورى ونشر الكذب والإزعاج العام وتصل عقوبة تلك التهم إلى الإعدام أو السجن المؤبد. وكان الشيخ قد انتقد قوة الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن والمخابرات والاعتقالات السياسية وذلك خلال مؤتمر نظمه حزبه فى مدينة النهود. والتهم التى وجهت للشيخ هى التهم نفسها التى وجهتها النيابة السودانية لزعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدى الذى اعتقله الجهاز الوطنى للمخابرات والأمن فى 17 مايو الماضى. ومازال المهدى معتقلاً وقد يواجه عقوبة الإعدام فى حال إدانته. وقد أعلن حزب الأمة عن عودته إلى تحالف المعارضة بعد عام من تجميد نشاطه فيه، وذلك احتجاجًا على استمرار اعتقال زعيمه الصادق المهدى. وأعلنت القيادية فى حزب الأمة مريم الصادق المهدى أن الحزب لن يقف متفرجًا على «المسرحية العبثية» متعهدًا بالاستمرار فى التعبئة الشعبية والاتصالات بالقوى السياسية والجهات الدبلوماسية لتأكيد المطالبة بإطلاق رئيسه ومساءلة الجناة. من جهة أخرى دعا رئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق أبو عيسى القوى السياسية والشعب السودانى إلى «تنظيم صفوفهم للانتفاض فى وجه النظام، بهدف إسقاطه». كاشفًا عن اجتماع تنسيقى مع تحالف متمردى «الجبهة الثورية السودانية» المسلحة، التى تضم حركات دارفور، و«الحركة الشعبية - الشمال» لتوحيد خطة عمل الطرفين وبرنامجهما لإدارة الفترة المقبلة. ولفت إلى أن الأيام المقبلة ستشهد عمليات اعتقال واسعة تستهدف رموز وقيادات الأحزاب المعارضة وناشطين وصحفيين. وأضاف أبو عيسى أن اعتقال إبراهيم الشيخ ومن قبله الصادق المهدى يمثل تراجع النظام عن الحوار الوطنى والعودة إلى مربع التصفيات والضرب ومواجهة زعماء القوى السياسية بالسجن وتشويه السمعة. ودعا أبو عيسى الشعب للانتباه، وإلى تماسك قوى المعارضة للوصول لحلول مشكلات البلاد عبر التحاور السلمى ، أو الانتفاضة الشعبية. لقد اعتبر نظام البشير منذ لحظته الأولى شكلاً من أشكال الإسلام السياسى العسكرى الذى اتسم بابتعاده عن المضمون الاجتماعى للإسلام، فاختزل الاسلام فى العقوبات والحدود، وحارب التيارات المستنيرة التى تدعو إلى الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. وليس التقسيم الذى أدى إلى انفصال الجنوب وحرمان السودان من إمكانات اقتصادية كانت كفيلة بإنشاء دولة قادرة على تحقيق التنمية والتطوير آخر خطايا نظام البشير، لكن هناك مأسى أشد خطورة لايزال السودان يواجهها فى حال استمر نظام البشير.