نداء للديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية.. أطلقه أكثر من 100 ناشط سياسى وثقافى من مصر والعالم العربى فى المؤتمر الذى نظمته مكتبة الإسكندرية، وشهد مشاركة عربية واسعة من مختلف الأجيال والتيارات الثقافية والسياسية، وناقش المؤتمر العديد من الأوراق البحثية عن التحولات التى تجرى حاليا فى كل الأقطار العربية. وأكد المشاركون فى المؤتمر أن تغيير المجتمع العربى فى اتجاه الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية يجب ألا يكون مسوغا للعنف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله. افتتح المؤتمر الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية. وشارك فى المؤتمر عدد كبير من الباحثين المصريين والعرب؛ منهم: الدكتور أسامة الغزالى حرب، الدكتور عمرو الشوبكى، الكاتب الصحفى أيمن الصياد، الدكتور قدرى حفنى، الدكتور سعد الدين إبراهيم، الدكتورة سلوى الدغيلى من ليبيا، خولة مطر من البحرين، الدكتورة آمال القرامى من تونس، الناشط الفلسطينى سلامة كيلة، الباحثة اليمنية وسام باسندوة، والناشط والباحث السودانى حيدر إبراهيم، وغيرهم. وشهد المؤتمر تدشين إعلان الإسكندرية للتغيير فى العالم العربى، والذى يأتى مكملاً لوثيقة الإصلاح العربى الصادرة فى مارس 2004. وجاء فى الإعلان ثلاث مقدمات أساسية؛ أولها أن رياح التغيير التى هبت متدرجة على العالم العربى، شهدتها شتى بقاع العالم فى الانتقال إلى الديمقراطية، وظهور سياسات عامة تركز على توسيع نطاق المشاركة الشعبية، والحد من الفقر والتهميش والظلم الاجتماعى، واحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعزيز الحريات العامة فى كل أبعادها، وتعزيز دور منظمات المجتمع المدنى، واحترام حقوق الإنسان. وبالتالى، فإن سير المنطقة العربية فى هذا الاتجاه ليس استثناء، بل جزءًا من ظاهرة كونية مستمرة، وسوف تظل تتنامى نتيجة التطورات الاقتصادية والسياسية التى يشهدها العالم. وثانيًا، تشهد الدول العربية مخاض التغيير على أصعدة متنوعة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى ملامح موحدة للتغيير فى العالم العربى. وأكد الإعلان فى هذا السياق على مسألة أساسية هى حق أبناء كل بلد عربى فى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وفى اختيار النظام السياسى الذى يروق لهم فى ضوء الخبرة السياسية، والخصوصية الثقافية، والتركيبة السكانية، والاعتبارات الاقتصادية الاجتماعية دون تدخل فى شئونهم، سواءٌ كان مصدره طرفًا دوليًّا أو إقليميًّا. وثالثًا: إن المجتمعات العربية تمتلك مخزونًا حضاريًّا، وخبرة إنسانية، وعمقًا ثقافيًّا مما يؤهلها للمساهمة فى تشكيل الحضارة الإنسانية. وبالتالى، لا ينبغى أن يكون تغيير المجتمع العربى فى اتجاه الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، التنمية باختلاف صورها- مدعاة أو مسوغًا، أو تبريرًا للعنف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله، أو الإساءة إلى التعددية الثقافية. ثلاثة نداءات أساسية وانطلاقًا من المقدمات الثلاث السابقة، ركز الإعلان على ثلاثة نداءات أساسية تضاف إلى القضايا التى سبق أن شملتها «وثيقة الإصلاح العربى»: أولاً: نداء الديمقراطية: التداول السلمى للسلطة، واحترام التعددية السياسية والدينية والثقافية الحقيقية وليست الشكلية، وصون الحقوق والحريات الخاصة والعامة، وتعزيز المجال العام بوصفه ساحة لممارسة التفكير النقدى، والتمتع بحقوق المواطنة القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحوار بين مختلف القوى السياسية والثقافية، والإدارة الرشيدة للتعددية، وبناء التوافقات والائتلافات السياسية، والنقاش الحر بين المواطنين، وتحرير الإعلام من هيمنة السلطة السياسية، ورأس المال. ثانيًا: نداء التنمية: النهوض بالمجتمعات العربية، من خلال رؤى واستراتيجيات لتحقيق التنمية المستدامة، المتوازنة، المستقلة، بما يضمن مشاركة شعبية فى جهود التنمية، وبناء قدرات الشعوب العربية، نساء ورجالاً، وتحسين نوعية الحياة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وثالثًا: نداء العدالة الاجتماعية: وتتطلب العدالة الاجتماعية سياسات عامة طموحة ترمى إلى تطوير الجهاز الإدارى، وإطلاق فرص الاستثمار، ووضع برامج قصيرة الأجل للتصدى للمشكلات الآنيّة، وأخرى طويلة المدى لبناء القدرات البشرية؛ تشمل الرعاية الصحية، وخلق فرص عمل جديدة لأجيال شابة، والنهوض بالتعليم والبحث العلمى. وقد تبين من تجارب الدول التى تقدمت، وتمتعت شعوبها بنوعية حياة أفضل أن العلم هو قاطرة التقدم، ورغم ذلك لا يزال من القضايا المسكوت عنها فى حديث التغيير فى العالم العربى. وفى كلمته، تحدث الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، عن المسكوت عنه فى نداء التغيير فى العالم العربى. وشدد على أن المسكوت عنه فى الثورات العربية هو العلم، وطرح السؤال: أين الإنتاج العلمى العربى؟ وأين العالم العربى من الثورة العلمية والتكنولوجية التى تحدث بالعالم؟ وأكد سراج الدين على أننا يجب أن نكون منتجين للمعرفة وليس مستهلكين للتكنولوجيا فقط. ولفت إلى أهمية الاهتمام بعدد من المحاور؛ وهى: العلم والمجتمع، الكفاءات البشرية، المؤسسات، معرفة الفرق بين القطاع العام والخاص، والتمويل. وتناول سراج الدين دور مكتبة الإسكندرية فى الثورة والعلم. وأوضح أن بالرغم من أن المكتبة تتبع رئيس الجمهورية بموجب القانون، إلا أنها مؤسسة قومية منفتحة للفكر والنقاش وتضم جميع الفئات. وأضاف أن الثوار قاموا بحماية المكتبة أثناء المظاهرات من هذا المنطلق، وأن المكتبة لم تستهدف ولازالت ملتزمة بقيمها وبالتعامل مع كل الأطراف فى مصر. وشرح سراج الدين للحضور نموذجا مبهرا لدور الشباب فى تقدم العلم، من خلال عمل مركز إبراهيم شحاتة للغويات الحاسوبية العربية بمكتبة الإسكندرية، وإنشاء المدونة اللغوية العربية لمكتبة الإسكندرية. وفى جلسة عامة بعنوان «تأملات فى المنطقة العربية التى تتغير». تحدثت الدكتورة سلوى الدغيلى؛ وكيل كلية الحقوق بجامعة بنغازي، عن الوضع فى ليبيا منذ قيام الثورة. وقالت إن القذافى كان مختزل الدولة فى شخصه وعند انهياره انهارت الدولة، وأن الجماعات المتطرفة موجودة فى ليبيا منذ التسعينيات وليس نتاج الثورة. وعن وضع المرأة فى ليبيا قالت إن المرأة كانت متقدمة المشهد فى الثورة بالفعل ولكن لم تكن جزءا من المشهد السياسى بعد ذلك بدليل؛ اللجنة التأسيسية يوجد بها ستة نساء مقابل 60 رجلاً. (حاجز الخوف) كما تحدث عالم الاجتماع المصري، سعد الدين إبراهيم، عن قول البعض بأن العرب غير قادرين على أن يعيشوا فى ديمقراطية، فعندما قامت الثورة فى تونس تنفسنا الحرية وخلال شهر واحد قامت الثورة فى مصر، وبالتالى علينا أن ننتهز هذا الظرف التاريخى، فقد أثرت الثورات فى المواطن العادى من ناحية؛ كسرت لديه حاجز الخوف من السلطة والحاكم، وأن جميع العرب تسيسوا فكل الطبقات الاجتماعية أصبحت قلقة بالشأن العام وهذا شىء إيجابى. وتحدثت الإعلامية خولة مطر، أول امرأة تتولى رئاسة تحرير صحيفة يومية فى البحرين، عن دور الإعلام فى الثورات العربية، وقامت بالتعليق على مصطلح الربيع العربى ومن وضع هذه التسمية. وبينت أنها ترى أن كثيرا ممن خرجوا فى الثورات العربية خرجوا لمصالحهم الشخصية وليس للصالح العام. وفيما يتعلق بالمرأة كشف الربيع العربى أننا نكره نساءنا وأكدت أنه إن لم يتم تغيير وضع المرأة فى العالم العربى لن تحدث ثورة حقيقية. وقال الزبير عروس، أستاذ علم اجتماع جزائرى، إننا لسنا بحاجة إلى إطلاق تسميات ربيع عربى أو غيره، ولكن معرفة سبب الفعل المفجر وما آلت إليه الأمور، فقد أظهرت الثورات العربية مدى هشاشة النظام الأمنى العربى، فكل الطوق الحدودى مهدد أمنيا لكل دولة، ولابد من مناقشة هذه القضية، وأظهرت أيضا محدودية آفاق التغيير الجذرى، كما أن الثورات العربية غير منسجمة على الإطلاق سواء على المستوى العربى أو على مستوى الدولة الواحدة. وقال الدكتور إبراهيم عرفات، أستاذ جامعى مصرى، إن الجيل الأصغر سنا أقرب إلى الثورات العربية. وأكد أن الثورات فعل خلاق بلا شك ولكن ثورات الربيع العربى وقعت فى يد قوى سكونية أى قوى الحفاظ على الوضع الراهن، كما أن هذه المنطقة لم تحدث فيها الثورات لأول مرة ولكنها تراكمات ولم يحدث تغيير إلى الآن فلابد من البحث فى أمور أخرى، ومفاهيمنا لا تعمل بشكل واقعى ولكنها مجرد مفاهيم على ورق، وختم بقوله إن الثورات العربية لم توحدنا. وقال ياسين السويحة، مدون سورى ورئيس تحرير موقع «الجمهورية»، إنه لا يمكنه التحدث بهدوء عن الوضع فى سوريا، وإنه منحاز فى عقله للثورة التى مازالت مستمرة إلى الآن. ويرى أن الحل الوحيد لسوريا هو رحيل نظام بشار الأسد بالكامل، فحتى الآن عدد القتل تخطى 150 ألف قتيل، وعدد اللاجئين السوريين فى تزايد مستمر. وشهد اليوم الثانى من المؤتمر جلستين بعنوان «تحولات دول الربيع العربى»، وتم خلالهما تناول التحولات فى مصر وتونسوسوريا وليبيا واليمن. كما شهد المؤتمر ثلاث جلسات متوازية بعنوان «رياح التغيير تهب على المنطقة العربية»، وشهدت مشاركات من الأردن والمغرب وليبيا والبحرين والإمارات والسعودية والجزائر والعراق والسودان. الإصلاحات المؤسسية وتحدث الدكتور عمرو الشوبكى عن الحالة المصرية، مشددًا على أهمية إجراء إصلاحات مؤسسية للأجهزة المختلفة فى الدولة، وهو ما لم يحدث منذ ثورة 25 يناير حتى الآن. وأوضح أن من أسباب تعطيل إصلاح المؤسسات هى حالة الاستقطاب السياسى، ووضع الإخوان المسلمين فى مصر، والخطاب السائد لإفشال المسار السياسى. ولفت إلى أهمية تجاوز مصر لحالة الاستقطاب السياسى، ففى الفترة الأخيرة شغلنا أنفسنا بالإعلام ونسينا أن جوهر الخلل الذى أدى لفشل التجربة الأولى فى انتخابات الرئاسة هو عدم وضع القواعد الدستورية والقانونية اللازمة. وأكد أن اختراع الإخوان المسلمين لم نجده فى أى تجربة أخرى، فلا يمكن أن يكون هناك حزب سياسى يمثل جماعة إسلامية سرية. وأضاف أن المجتمع يجب أن يكون منفتحا على كافة الأطياف السياسية. وأكد أنه لا يجب التعامل مع انتخابات الرئاسة على أنها مسلم بها حتى ولو كانت هناك أعداد كبيرة تتجه لمرشح معين، فيجب أن يكون هناك تنافس وتداول للسلطة. وأضاف أن هناك مبالغات فى ثقافة المبايعة وشخصنة الأمور وكلها أمور سلبية. وعن الوضع فى تونس، أكدت الدكتورة آمال القرامى أن التجربة التونسية مرت بعدد من التحديات؛ منها: تأخر الطبقة السياسية عن إدراك الواقع الجديد، طرح سؤال الهوية والشريعة، إحباط الشباب نتيجة تهميشهم على مستوى الحكومات المتعاقبة، وقرار الشباب بالعزوف عن المشاركة السياسية، وهشاشة المعارضة. وأوضحت أن هناك ثلاثة عوامل ساعدت على تخطى الأزمات؛ منها: الرباعى الراعى للحوار، ودور المجتمع المدنى وضغطه المستمر، ووعى حركة النهضة أن ما حدث فى مصر يدعوها للتنازل وإعادة قراءة موازين القوى وفق واقع إقليمى. وقدم سلامة كيلة فى كلمته مقارنة بين الثورة فى سوريا والثورات العربية الأخرى، مبينًا أن النظام السورى نظام استبدادى لكن مع ميل أسوأ وأقسى على المجتمع. وأكد أن الاختلاف يكمن فى طبيعة النظام السورى وتأخر الليبرالية ووضع النظام السورى فى النظام العالمى. وأضاف أن انتشار الثورات العربية كان قد أسس حالة من الخوف لدى العديد من النظم الإقليمية مما دفعها لاتخاذ إجراءات معينة. ولفت إلى أن الحلول التى حدثت فى تونس ومصر باتت غير كافية بسوريا وكان يجب على النظام وقف هذا المد الذى وصل للعديد من الدول العربية، ومن هنا تم السيطرة على الجيش أمنيًا، وبذلك فشلت محاولات الانقلاب. وعن الوضع الآن، أكد أن الشعب هو الذى يصارع، حيث يواجه النظام والقوى الأصولية فى آن واحد. وأضاف أن الواقع أصبح أكثر تعقيدًا. وأصبح الصراع غريزيا ولا يعتمد على العقل والفهم والتخطيط. وعن الحالة اليمنية، قالت وسام باسندوة: اليمن لم تأخذ حقها فى أى شكل من أشكال النقاش المتعلق بالثورات العربية، وأن اليمن هى الدولة الوحيدة التى تعد فى المرحلة الانتقالية رسميًا. وأشارت إلى وجود ثلاثة منجزات من مخرجات الحوار الوطنى باليمن؛ وهى: تمثيل المرأة بنسبة 30% فى الحوار الوطني، والحصول على 30% كوتة للمرأة فى كل مؤسسات الدولة والأحزاب، ورفع سن الزواج إلى 18 سنة. وتحدث الباحث الليبى السنوسى بسيكرى عن الحالة الليبية، مبينًا أن الوضع الاقتصادى كان من أسباب التغيير السياسى فى ليبيا، ومنها الارتفاع الكبير فى مستوى الأسعار، وتدنى قيمة الدينار الليبي، وتدنى مستوى الدخول الحقيقية للمواطنين، وغيرها من الأسباب. وعن مقاربة النهوض الاقتصادى، قال إن الحكومتين الانتقالية والمؤقتة لم تملكا رؤية لتحريك عجلة الاقتصاد، والمطلوب تبنى استراتيجية للتركيز على تنشيط الاقتصاد من خلال تحسين كفاءة الأداء فى كافة السلطات والمؤسسات المعنية بالاقتصاد من خلال ضبط السياسات الاقتصادية وتوظيفها فى تحقيق التوازن المطلوب. جدير بالذكر، أن المؤتمر يأتى بعد مرور عشر سنوات على صدور وثيقة الإصلاح العربى عام 2004م، والتى تبناها وأطلقها من مكتبة الإسكندرية المثقفون العرب، وشملت قضايا الإصلاح الأساسية: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.