الإبادة الجماعية ومحو الثقافات وطمس هويات الشعوب.. هل هى هدف أمريكى لفرض هيمنتها فى صورها العسكرية والاقتصادية والثقافية كما أسلفت فى مقالتى السابقة.. فالأفعال على الأرض والتدخلات السافرة فى الشئون الداخلية للدول تحت مسميات نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان تتناقض مع تاريخها الدموى فى نشأتها.. فقد مارس مؤسسو الولاياتالمتحدة وزعماؤها سياسة السحق والعنف ضد أصل مواطنى أمريكا الشمالية من الهنود الحمر.. حيث أمر «جورج واشنطن» مؤسس الولاياتالمتحدة وأول حكامها عام 1732 بتحويل بيوت الهنود الحمر إلى مدافن لهم وأزال 28 مدينة من أصل 30 مدينة هندية.. وقد عثر حديثا على هياكل عظمية فى حديقة البيت الأبيض الذى أنشأه «جورج واشنطن» ولم يقم فيه.. وكان الغرض بناء حمام سباحة للرئيس «فورد».. أما «توماس جيفرسون» وهو من أكبر الماسونيين أشرف بنفسه على إبادة الهنود الحمر ومن أشهر عباراته «إن شجرة الحرية يجب أن تسقى من وقت إلى وقت بالدم كى تظل أغصانها منتعشة».. وجاء «إبراهام لنكولن» واختار أشد العسكريين شراسة «كيولسيس شيرمان» لقيادة حرب إبادة على الهنود الحمر وسجن 18 ألفا دون محاكمات.. ومن كان ينادونه بالحمار ثم اتخذه شعارا للحزب الديمقراطى الذى أسسه وهو «أرندرو جاكسون» قد أصدر تعليماته لجنراله «جون سيلفان» بقتل ما يستطيع منهم ولا ينظر إلى سن أو جنس ويقطع أشجارهم.. وكان يستمتع بمشاهدة سلخ جلودهم. وعند العودة إلى بداية اكتشاف «كريستوفر كولومبوس» لأمريكا عام 1492.. رصد التاريخ أيضا مجازر الأسبان ثم الإنجليز والفرنسيين وسجل إبادة وسحق 112 مليون هندى.. وشهد شاهد من أهلها القس «برتولومى دى لاسكازاس» عام 1513 المجازر بحق الإنسانية وقال إن الهنود الحمر كانوا يعيشون آمنين فى حياة هادئة حتى دخل الأسبان وفتكوا بهم ونهبوا ثرواتهم وتوافد عليهم بعد ذلك الإنجليز واستمروا فى نفس النهج وخلفهم الفرنسيون.. وصحب هؤلاء غالبية المجرمين والمنبوذين من المجتمعات الأوروبية إلى أمريكا الشمالية.. وفى العصر الحديث رحلت الحكومات من تبقى منهم إلى محميات تجمع الحيوانات ووصفها صحفى أمريكى بأنها أسوأ من المناطق المعدمة فى العالم. ونفس الرجل الأبيض استخدم التنكيل وسفك دماء سكان قارة استراليا الأصليين «الأبورجين» وبنفس السيناريو استقدم معه أربعين ألفا من الخارجين على القانون والمشردين من الغرب.. وعرض الكاتب الاسترالى «كليفتورنبل» فى كتابه «حرب قذرة» وحشية المستعمر الإنجليزى فى مطلع القرن التاسع عشر وكان شاهدا على عنصرية الرجل الأبيض مدعى الحضارة فى استخدام أحط وأشد الأساليب البربرية.. وكان السكان مسالمين فشردوهم واغتصبوا نساءهم وقتلوا الرجال وسحقوا رءوس الأطفال ونفوهم إلى جزر نائية ومحو ثقافاتهم التى لم يتبق منها إلا رسومات ملونة على الكهوف وصخور الجبال.. ووصلت نسبة «الأبورجين» الآن من تعداد سكان استراليا 2%.. ووصفتهم مجلة «يانيس» الفرنسية أنهم من أقدم الشعوب على الأرض وتحدثوا ب 250 لغة وتبقى منها 15 لغة.. ولم يحاول الرجل الأبيض التقرب إليهم أو التفاهم معهم بل قهرهم كما فعل مع الهنود الحمر.. ولكن فى 2008 اعتذر «كيفن راد» رئيس وزراء استراليا السابق عن الاضطهاد والقتل ووقف حزينا.. وفى كندا اعتذر أيضا رئيس وزرائها «ستيفن هاربر» للهنود الحمر عن التاريخ الأسود لكندا.. فهل أمريكا ستعتذر أم إحساسها المتعالى بأنها سيدة العالم يأبى بإدانة حكامها.. ولن ينسى التاريخ إبادة لحضارة إسلامية إنسانية عظيمة فى الأندلس استمرت ثمانية قرون واتسمت بالتسامح الدينى حتى دب الضعف فيها والخلاف فتحالف الغرب فى قتل ثمانية ملايين مسلم فى غضون سنوات قليلة وذلك بعد معاهدة استسلام ثم حولوا جميع المساجد إلى كنائس. ?? والنزاع الروسى الغربى الذى نراقبه الآن على جزيرة القرم.. فقد شهد أهلها من تتار القرم المسلم الاضطهاد الدينى والتشريد والقتل لأكثر من نصف مليون فى عهد الإمبراطورية الروسية ثم فرض السوفيت عليهم حرب التجويع والحصار ومات ستين ألف مسلم وقتل مائة ألف ولم يبق منهم إلا نصف مليون.. ولذلك يرفضون الحكم الروسى.