حثنا ديننا الحنيف على احترام المعلم وتبجيله، وجاءت فى ذلك أحاديث كثيرة، وأخرى فى قيمة المعلم، كما وردت آيات فى القرآن الكريم تقدر المعلم وتحث عليه.. لكن ما يحدث مع المعلم فى هذه الأيام وما تشهده المدارس والجامعات، فيه مخالفة صريحة لكل ما دعا إليه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من تبجيل للمعلم، كما أكد العلماء، أن ما نراه لا يرضى الله ولا الرسول ولا المؤمنين. ففى البداية أكد الشيخ محمد عثمان البسطويسى رئيس نقابة الدعاة المستلقة أن المعلم لا يقل أهمية عن كل من يحمل السلاح لأنه يربى الفكر والعقل. موضحًا أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال «علماء أمتى كأنبياء بنى اسرائيل إلا أنه لم يوحى إليهم» فالمعلم له مكانة عظيمة فى الإسلام وخير مثال على ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )الذى علم الناس جميعًا. وأضاف البسطويسى أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال «إن العلماء ورثة الأنبياء» وقال فى حديث آخر «إن الله وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض وحتى الحيتان فى بحرها والنملة فى جحرها ليصلون على معلم الناس الخير» لافتا إلى أن المعلم الذى يربى الأجيال هو من يأخذ بأيديهم إلى الحلال ويرغبهم فيه ويبعدهم عن الحرام. وتابع أنه على المتلقى إن كان التلميذ أو الطالب أن يبسط جناح الذل والاحترام والأدب لهذا المعلم مدللًا على ذلك بموقف سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر، لما أراد أن يتعلم منه فتحدث إليه بأدب جم فقال «هل اتبعك على أن تعلمنى مما علمت رشدًا» وظل الحوار بينهما قائما إلى أن قال موسى عليه السلام «ستجدنى إن شاء الله صابرًا ولا أعصى لك أمرًا» موضحًا أنه يجب على المتعلم أن يتحلى بالصبر وأن يطيع كل أوامر المعلم مادامت أنها ليست فى معصية الله. واستكمل: حتى إن موسى عليه السلام قال للخضر بعد مسألتين، إن سألتك عن شىء بعدها فلا تصاحبنى فلما حدثت الثالثة، لم يناقشه عما قال له «هذا فراق بينى وبينك» مشيرًا إلى اننا أصبحنا نعيش فى مجتمع امتلأت بين جنباته الفوضى والبلطجة وعدم احترام الكبير، وأدى بنا ذلك إلى سوء الأخلاق وتردى الأوضاع وأزمة فى السلوك العام، فتجد اليوم من الطلبة والكلام على لسان البسطويسى من يقوم بقتل المدرس، وتجد أيضًا من يتهجم ويتطاول باليد واللفظ على معلمه، ونجد أيضا من شباب الجامعات من يخَِرب ويعطل العملية الدراسية، مرجعًا كل هذا إلى اللاوعى وعدم الشعور والاحساس بأن الله عز وجل أو جدهم فى هذه المرحلة من أجل طاعته بالعلم، لا أن يقوموا بتخريب مؤسسات الدولة، أو أن يحرموا زملاءهم من أن ينالوا حظًا وافرًا من التعليم. وشدد رئيس نقابة الدعاة المستقلة على أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، حيث قال ( صلى الله عليه وسلم ) «إن الملائكة لتضع اجذمتها لطالب العلم رضًا بما يفعل» أى يفعل الخير ويتلقى العلم حتى يكون نافعًا لأهله ولنفسه ولوطنه، موضحًا أن ما نراه على الساحة الأن وما يحدث فى الجامعات أمر لا يرضى الله ولا رسوله ولا المؤمنين، وهذه ليست أخلاق طلاب العلم، انما هذه أخلاق من لا يريد التعلم وصدق الله العظيم إذ يقول ( يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ). وذكر أن أشد الناس خشية لله هم العلماء، أما من يقومون بوضع الأسلحة والمتفجرات فى طريق المسلمين ويشعلون النيران فى الجامعات، نقول لهم « هل هذا ما أمركم به الشرع الحنيف.. إن هذا وبحق لهو فساد فى الأرض والله لا يحب الفساد». واختتم كلامه مطالبًا المعلمين والمربين بأن يتقوا الله فى هذا النشء وأن يبينوا لهم سماحة الدين والأخلاق الطيبة التى كان عليها المجتمع الإسلامى، والعلماء الاتقياء، وأن يأخذوا بأيدى طلاب العلم إلى ما فيه صلاح البلاد. فى حين قال الدكتور محمد عشماوى الباحث فى وزارة الأوقاف، إن الإسلام يرى أن العلم هو السبيل الموصل إلى الإيمان وأن العلم يقود إلى الحقائق التى تصل بالإنسان إلى أن يحيا فى الأرض حياة مستقيمة طيبة. موضحًا أنه لأجل هذا نجد أن أول آية فى القرآن الكريم تنزل على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لا تتحدث بالايمان ولا فى التوحيد ولا عموم الشريعة أو تفصيلاتها إنما تحض النبى بالأمر وأمته تبعًا له فى ذلك بالقراءة فى قوله «اقرأ» لأن القراءة هى السبيل الموصل والضمانه الحقيقية للمعرفة والايمان على حد سواء. وأشار إلى أن ربنا يعطى المعلم هذه المكانة من المؤكد أنه لا يسوَّى بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فقال تعالى فى كتابه العزيز «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون» فقيمة المعلم لا تساويها قيمة وقامتها لا تبلغها قامة. وأوضح عشماوى أن الإسلام جعل حق المعلم على تلميذه أوثق من حق أبيه عليه، وفى هذا قال الإمام الغزالى ينبغى أن نعلم أن حق المعلم على تلميذه أكبر وأعظم من حق الأب على أبنه لأن الأب هو السبب فى الحياة العاجلة بالنسبة للابن، أما المعلم فهو سبب الحياة العاجلة والآجلة، ودلل بمواقف من التراث الإسلامى لتلاميذ عظموا حق معلميهم عليهم وكانوا نماذجا فى الأدب الرفيع والخلق العالى.. وفى هذا روى الربيع تلميذ الإمام الشافعى أنه كان يجلس بين يدى الشافعى فيظمأ فيستحى أن يشرب إجلالا له ويقول أيضًا «كنت والله أتصفح الكتاب بين يدى الشافعى صفحًا رقيقًا حتى لا يؤذى الصوت مسامعه».