إن طاعة الله ورسوله مع خشية الله وتقواه خلق رفيع يكشف عن مدى إشراق القلب بنور الله وشعوره بعبوديته لربه، وتقوى الله هى الحارس الأمين للمؤمنين فى مسيرتهم تكفل لهم الاستقامة على منهج الله والبعد عن المغريات والتحرج من الوقوع فى معصيته توقيرا لربهم وإجلالا له وحياء منه، ولا يتحقق ذلك مع هذه التقوى إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل أمر من الأمور سواء كان قوليا أو فعليا فلا ينحرفون ولا يلتفتون لغيره ((قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران: 31) وهذا الحب والاتباع محل إجلال وإعظام للنبى صلى الله عليه وسلم وهو أعظم صلى الله عليه وسلم من يجب احترامه وتبجيله وتوقيره.. لأنه صلى الله عليه وسلم السبب فى هداية الخلق إلى فلاحهم فى دنياهم ورفعهم من حضيض الشقاوة إلى أوج السعادة وإخراجهم من ظلمات الجهل والجحود إلى نور العلم والإيمان. فكان من تمام الإيمان الأدب معه صلى الله عليه وسلم، وليس من الأدب أو العدل والمروءة أن يقابل صلى الله عليه وسلم بغير كمال التبجيل وتمام الاحترام والتعظيم والأدب معه فى حياته ومماته، ولذلك سنّ الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين من الآداب ما به يعرفون كيف يسلكون مسلك تعظيمه فى ترك فعل ما يكره بين يديه أو الاستعلاء عليه فى كلام أو مشى أو دخول بيته بغير إذنه أو فى لزوم طاعته ومتابعته والنزول عند حكمه والرضا بقضائه أو غير ذلك. ولقد بين القرآن صنوف الآداب التى أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به نبيه صلى الله عليه وسلم من الإجلال والتعظيم والتكريم سواء كانت هذه الآداب فعلية أو قولية.. يقول ربنا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِى ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وأَجْرٌ عَظِيمٌ* إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن ورَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* ولَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 1-5) كما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِى ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات: 2) لأن ذلك يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام له صلى الله عليه وسلم، ولأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوقير عادة، ونهى عن الجهر بالقول كما يجهر الواحد لأخيه إذا كلمه، وهذا إن صح بين الأنداد لا يصح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك تجاوز لحدود الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك أقسم أبو بكر رضى الله عنه ألا يكلم النبى صلى الله عليه وسلم إلا السرار، وقد برَ رضى الله عنه بيمينه، وما أكثر الآيات التى تحدثت عن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم! فضلا على ذلك فلا بد من متابعته صلى الله عليه وسلم فى كل ما جاء به عن ربه والنزول عند حكمه والرضا بقضائه يقول ربنا: (ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا)، فبين ما يجب على عباده من الأدب وحسن المعاملة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حكم على أحدهم فليس له أن يختار من أمره شيئا بل يجب عليه أن يجعل رأيه تبعا لرأيه عليه الصلاة والسلام واختياره تبعا لاختياره حتى يكون بذلك مؤمنا حقيقة كما قال تبارك وتعالى: (فَلًا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65) وقال عليه الصلاة والسلام:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". وذلك لأن من لم ينزل على حكمه صلى الله عليه وسلم ولم يرض بقضائه فهو ضال؛ لذا شدد الله سبحانه على من لم يرض بحكمه صلى الله عليه وسلم واختار غير ما اختاره، ولذا أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسى به صلى الله عليه وسلم فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21) أى اقتداء به صلى الله عليه وسلم اقتداء حسنا، وهو أن تنصروا دين الله وتؤازروا رسوله ولا تتخلفوا عن نصرته وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو صلى الله عليه وسلم؛ إذ كسرت رباعيته وجرح وشجّ وجهه وأوذى بضروب الأذى فاستنوا بسنته. ولما كانت متابعته صلى الله عليه وسلم والاقتداء به فى مثل هذه الأمور العظام والمواطن الصعبة التى لا يتحمل عبئها إلا من تيقن ثواب الله ورحمته ورسخ إيمانه وكمل يقينه فلازم طاعته بكثرة ذكره قال الله تعالى: (لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21) أى هذه الأسوة الحسنة للذين يرجون ثواب الله ولقاءه ورحمته فى اليوم الآخر والذين يذكرون الله كثيرا؛ لذا وجب التأسى به صلى الله عليه وسلم ومتابعته فى كل ما جاء به.. يقول ربنا: (ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) (الحشر:7) ولقد قسّم بعض العلماء المعاصرين الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1. أدب قلبى: مثل الإيمان بما جاء به صلى الله عليه وسلم ومحبته. 2. أدب قولى: كالتأدب معه فى الخطاب. 3. أدب عملى: كطاعته صلى الله عليه وسلم واتباعه والتأدب فى مجلسه. إن رسوخ محبة الله وثباتها فى القلب إنما تكون بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فى أعماله وأقواله وأخلاقه؛ فبحسب هذا الاتباع يكون منشأ المحبة وثباتها وقوتها، وبحسب نقصانه يكون نقصانها وليس الشأن فى أن تحب الله بل الشأن فى أن يحبك الله، ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، وصدقته خبرا، وأطعته أمرا، وأحببته دعوة، وآثرته طوعا، واستغنيت عن حكم غيره بحكمه وعن محبة غيره من الخلق بمحبته وعن طاعة غيره بطاعته (فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31). يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار". يقول الإمام البيضاوى: "إنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان". فعن عبد الله بن هشام قال: "كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحبّ إلىّ من كل شىء إلا من نفسى، فقال صلى الله عليه وسلم "لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر: فإنه الآن والله، لأنت أحب إلىّ من نفسى. فقال النبى صلى الله عليه وسلم "الآن يا عمر". ولقد صدق جميع الصحابة رضوان الله عليهم فى هذا الحب، وكان الواحد منهم يقول: "فداك أبى وأمى يا رسول الله" وترجموا هذا الحب عملا له مظاهر وقاتلوا دونه ورفعوا رايته وأعزوا سنته ونصروا شريعته؛ لأن محبته صلى الله عليه وسلم عقد من عقود الإيمان، ولزوم سنته واتباع هديه علامة المحبة الصادقة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم. لقد أحبه المؤمنون وبادله الصحابة رضوان الله عليه حبا بحب وتسابقوا فيما بينهم للخيرات اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ومع حبهم له فهم يحترمونه، هكذا كان حالهم معه صلى الله عليه وسلم فلا يطيعونه فحسب بل يحبونه حبا لا يعلو فوقه حب لمن دونه، وهذا حالهم وهو بين ظهرانيهم، فأين نحن اليوم من حالهم؟ وأين نحن من طاعتهم وحبهم للرسول صلى الله عليه وسلم؟! لقد وضع رسول الله الإيمان موضع التطبيق، والرسالة موقع التحقيق فهل الذين ادعوا أنهم غضبوا من الفيلم المسىء الذى أخرجه حاقد واجتمع عليه شرذمة من الكارهين للإسلام هل هؤلاء بإصابتهم لما يزيد على مائتى وعشرين مصابا وحرق ثلاث سيارات للشرطة فى مواجهات واشتباك مع الجنود والضباط المصريين فى محيط السفارة الأمريكية التى نحن مطالبون بتأمينها.. هل يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الدماء التى سالت؟! وهل هذا هو التعبير السليم؟! أم أنها صحافة الإثارة التى تعودناها والتى لا تذكر موقفا واحدا إيجابيا للنظام إلا على استحياء. نحن لا نعارض بل شاركنا فى التعبير عن غضبنا لهذا الفيلم السيئ بما لا يسىء إلى دعوتنا. وقارن بين الوقفات السلمية أمام المساجد التى عبرت عن وسائل وصلت إلى الدول التى شجعت أو صمتت على هذا العمل الدنىء، وراجع صحافة الإثارة التى أظهرت باللون الأحمر أعمدة تقول "أسامة بن لادن فى ميدان التحرير" وصورة له كتب تحتها "رحم الله شيخ المجاهدين انتظروا منا ردودا موجعة"، وأخرى تقول "احذّر النصارى فى دول العالم" إلى آخر هذه الألوان من الإثارات، فما علاقة ذلك بالتعبير عن غضبنا عن فيلم أخرجه مأفون. إن ما يريده أعداء الإسلام أن تهتز الثقة فى دين الله وكتابه المنزل على رسوله بالتشكيك سواء فى كتاب الله نفسه (وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت: 26) أو فى رسول الإسلام نفسه (وقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذاريات: 39) يريدون أن يفرقوا بين المرء وزوجه وما هم ببالغيه فهم يريدون من ذلك شخصية ممسوخة تحمل الإسلام اسما وتبتعد عنه عملا وواقعا ليقوضوا بذلك أركان الدين وتطوى راية الإيمان ويفشل المشروع الإسلامى ليطفئوا نور الله الذى أضاء الدنيا ونور الله باق ما بقيت الدنيا، يصطفى له من يحفظ دينه ويعلى رايته ويقيم شريعته، ولن تخلو الدنيا أبدا من الطائعين الذين لا يعصون الله ما أمرهم "الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة" ليقول ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54) والحمد الله لقد استيقظ المسلمون من غفلتهم وها هى ذا طلائعهم تسرع الخطى إلى ربها وهى تقول (وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)، وأصبح عمل أعداء الإسلام والمناوئين للدعوة طوال هذه القرون الصد عن سبيل الله كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف لا يقدرون على شىء، وأصبحت الأمانى التى كانوا يمنون بها أتباعهم (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ووَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ واللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ) (النور: 39) وفى المقابل أصبحنا نرى الشباب السجد الركوع يجتمعون فى المساجد ويبذلون المال يواصلون الطريق لتحقيق أهداف الثورة المباركة، ونرى البشريات تتمثل فى صدق العودة إلى الله وصحة الاعتقاد وصدق الاتباع، وسيُتمّ الله نوره ولو كره الكافرون (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم: 4-6). نائب المرشد العام للإخوان المسلمين