من مبادئنا التي نسير عليها: أننا نؤمن بالدين الاسلامي كله, لا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض. وهذا مبدأ معتمد علي الكتاب والسنة, ففي الكتاب:( افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)( البقرة:85). وفي السنة: لا تضربوا القرآن بعضه ببعض( ابن أبي شيبة في المنصف, ولذلك فإننا نؤمن بالكتاب والسنة, بكل الكتاب وبكل السنة, نؤمن بالمناهج التي أرادها الله لنا, ونؤمن بمراد الله من خلقه, فإذا أردنا أن نؤصل شيئا ذهبنا إلي الكتاب وإلي السنة المشرفة, ولا نفصل بينهما, فالنبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه, لا يوشك رجل شبعان علي أريكته, يقول: عليكم بهذا القرآن, فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه, وما وجدتم فيه من حرام فحرموه..( أبو داود في سننه والإمام أحمد في المسند). ورأينا أن الإمام مسلما قد صدر في صحيحه حديث جبريل الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, والذي يقول فيه عمر رضي الله تعالي عنه: بينا نحن عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر, لا يري عليه أثر السفر, ولا يعرفه منا أحد, هذه الصفات جعلته مستغربا, فمن هذا الذي جاء؟ حتي جلس إلي النبي صلي الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلي ركبتيه, ووضع كفيه علي فخذيه, أي: أنه جلس جلسة المتأدب أمام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, وهذه كانت جلسة التلميذ أمام المعلم, وجلس يسأله عن الإسلام, وعن الايمان, وعن الاحسان, وعن الساعة, ويجيبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, ثم في نهاية الحديث قال أتدري من السائل؟ فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم وقد رواه البخاري أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والمتأمل في هذا الحديث يجد أنه يلخص دين الاسلام, لما سأله جبريل عن الإسلام, قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. ولما سأله عن الإيمان, قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. ولما سأله عن الإحسان, قال: أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك. هذا ملخص دين الاسلام, هناك عبادة ظاهرة, تتأكد بالأركان الخمسة, وقد قامت طائفة من أمة النبي صلي الله عليه وآله وسلم لحفظ الإسلام في أحكامه.. في تشريعه.. في فقهه.. في جهته الظاهرية التي تضبط حياة الإنسان الفرد, وحياة المجتمع, وحياة الجماعة, جهته الظاهرية التي تضبط حركة الاجتماع البشري, والتي تضبط كل الجوانب الاقتصادية والسياسية, والتي تحدد العلاقات بين الناس, وهذه الأمور كلها مضمنة في هذه الأركان الخمسة: في الشهادتين, وفي الصلاة والزكاة, والصيام, والحج, والتي تمثل هوية الإسلام, ولا يجوز لمسلم قادر واع بالغ عاقل أن يتركها. وقام علماء يدافعون عن( العقيدة الإسلامية) ويبينون للعالمين كيفية الإيمان بالله, والإيمان باليوم الآخر, والإيمان بالتكليف والوحي, والملائكة والأنبياء والرسل, يبينون كل ذلك, ويجيبون عما خطر في بال البشر من مشكلات.. من معضلات.. من أسئلة درسوها وآستوعبوها, ثم ردوا علي كل أحد بلغته وبأسلوبه. في علم سمي ب( علم الكلام) أو( التوحيد) وسمي ب(أصول الدين), هذا العلم الجليل هو الذي يحفظ درجة الإيمان. لكن هذا الإيمان في مجرد تصديقه وصلته بالاسلام, لا يكفي إلا بالجزء الثالث من حديث جبريل, وهو( الإحسان), فلابد علينا أن نؤمن بهذا أيضا, وهذا هو الجانب الأخلاقي, جانب القيم, يقول صلي الله عليه وآله وسلم عن نفسه: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق( الحاكم في المستدرك), ويقول ربه عز وجل في شأنه:( وإنك لعلي خلق عظيم)( القلم:4). وهذا المقام قام السادة الصوفية عبر العصور بحمايته, وبيان هذا الطريق إلي الله, كيف تعبد ربك كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فهو يراك فالتصوف هو العلم الذي يحمي مرتبة الإحسان, فعندما ننشيء علما يبين للناس كيف يعبدون الله سبحانه وتعالي كأنهم يرونه, وكيف أنه في حالة الانحطاط عن هذه الرتبة العلية: كأنك تراه, فإنه يراك, كيف يراقبون الله سبحانه وتعالي وما ملامح هذه الطريق التي توصل إلي الله, وفي كل ذلك يعتمدون علي الكتاب والسنة, يقول سيد لطائفة الجنيد: طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة. عندما سمي العلماء ما يقاموا به في حماية مرتبة الاسلام ب( علم الفقه), وسموا ما قاموا به من مجهود في مجال بيان وحماية العقيدة الاسلامية ب( علم العقيدة) أو( علم التوحيد) أو( علم أصول الدين) أو( علم الكلام), كانت هذه الأسماء لم ترد علي ألسنة الصحابة الكرام مباشرة, وإنما كانت أسماء حادثة, وكانت الصحابة تجمع بين كل ذلك من غير عناء, كانوا من أهل اللغة, يفهمون عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, وفوق كل ذلك فقد تربوا في مدرسة النبي المصطفي والحبيب المجتبي صلي الله عليه وآله وسلم الذي كان يربي بالنظرة, ينظر إلي أحدهم فيربيه.