يرسم القرآن لنا كيف يكون الإيمان الصادق بالكتب السماوية عاملاً مهماً من عوامل الاستقرار والسلام الاجتماعي ومانعاً من الشقاق والفتن: فيصف بالهدي مَن آمن بكل كتبه التي أنزلها علي رسله. ويجعل التولي عن ذلك من أسباب الشقاق التي تؤثر سلباً علي السلام الاجتماعي. فيقول سبحانه: "قولوا آمنا باللَّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون! فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم اللَّه وهو السميع العليم" "البقرة: 136-137". ويبين أن الكتاب المنزل نسيج واحد. ولُحْمَة واحدة. وأنه لا يؤخذ أبعاضاً» يؤمن الناس منه بما يشتهون ويتركون ما لا يهوون. وأن كثيراً من مظاهر الافساد في الأرض. والإرجاف فيها ناجم عن هذه النفسية صاحبة الهوي التي تؤمن بما لها وتكفر بما عليها. فيقول تعالي: "وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدونہ ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أساري تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب وما اللَّه بغافل عما تعملون" "البقرة: 84-85". ويبين اللَّه سبحانه وتعالي أنه أنزل موازين العدالة الاجتماعية في كتبه السماوية بما يكفل للناس العيش في سلام وعدل إذا قاموا بها. فيقول: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" "الحديد: 25".. وأن ترك تطبيق مظاهر العدالة التي أنزلها في كتبه من أهم أسباب الظلم الاجتماعي. فيقول سبحانه عن التوراة المنزلة علي سيدنا موسي عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه فأولئك هم الظالمون" "المائدة: 45". كما يؤكد سبحانه علي أن إقامة الحياة علي منهاجه الذي أنزله في كتبه يحدث في الرخاء الاجتماعي والرغد المعيشي. فيقول: "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" "المائدة: 66". ومن خلال المساحة المشتركة من الإيمان بالكتب المنزلة يضع الإسلام قاعدة السلام الاجتماعي بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخري فيقول تعالي: "ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" "العنكبوت: 46". وهذا ينقلنا بدوره إلي دور الإيمان بالأنبياء والرسل في تحقيق السلام الاجتماعي. فإن استلهام مناهجهم في فهم نصوص الكتب المقدسة التي أنزلها اللَّه تعالي عليهم هو السبيل لتحقيق السلام الاجتماعي والتمتع بجميل ثماره ونيل سعادة الدارين التي أرادها اللَّه تعالي لخلقه. وبذلك أمر اللَّه تعالي في قوله سبحانه: "أولئك الذين هدي اللَّه فبهداهم اقتده" "الأنعام: 90". والإسلام يعلمنا أن دين اللَّه تعالي نسق مفتوح. وأن مَن كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بهم جميعاً» لأن الكل من عند اللَّه. فيقول تعالي: "إن الذين يكفرون كفروا باللَّه ورسله ويريدون أن يفرقوا بين اللَّه ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاًہ أولئك هم الكافرون حقاًوأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناًہ والذين آمنوا باللَّه ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان اللَّه غفوراً رحيماً" "النساء 150-152". ولذلك كان المصطفي "صلي الله عليه وآله وسلم كثيراً" ما كان يصرح بإخوته للأنبياء "عليه وعليهم الصلاة والسلام" وأنهم من مشكاة واحدة. فيقول: "أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الأولي والأخرة". قالوا: كيف يا رسول اللَّه؟. قال: "الأنبياء إخوة من علاَّتي» وأمهاتهم شتَّي ودينهم واحد. فليس بيننا نبيّى" ويقول لليهود لمَّا رآهم يصومون عاشوراء احتفالاً بنصر اللَّه تعالي لسيدنا موسي علي فرعون: "نحن أحقُ وأولي بموسي منكم. فصامه وأمر بصيامه".. ويقول لعداس عن سيدنا يونس عليه السلام: "ذاك أخي» كان نبياً وآنا نبيّ".. فيجب علي الإنسان أن يؤمن بكل أنبياء اللَّه ورسله. مَن عرفهم ومن لم يعرفهم. حتي قال العلماء في جواب من سُئل عن شخص لم تُعْرَف نبوته من عدمها: آمنت به إن كان نبيًّا. وذلك من أعظم عوامل السلام الاجتماعي بين أصحاب الديانات السماوية. كما نري تقديم الأمان علي الإيمان ومراعاة السلام الاجتماعي علي الخوف من تفريق بني إسرائيل في قول سيدنا هارون وهو يبين لأخيه سيدنا موسي عليهما وعلي نبينا الصلاة والسلام سبب تركه الإنكار علي مَن عبدوا العجل منهم وعدم أخذه علي أيديهم: "قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلواہ ألاتتبعن أفعصيت أمريہ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرَّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي" "طه: 92-94". وهذا معني مهم يخطئ كثيرى من الناس فهمه. ويظنون أن الإسلام لا يبالي في دعوته باستقرار أحوال الناس وسير حياتهم ومعايشهم وسلامهم الاجتماعي ماداموا لم يدخلوا في الدين أو لم يلتزموا بالأوامر الإلهية. وهذا مخالف لمنهج الأنبياء والرسل عليهم وعلي نبينا الصلاة والسلام.