«شرح مواصفات الورقة الامتحانية».. تعليم مطروح تطلق المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية    رئيس «النواب» مهنئًا السيسي بعيد العمال: كامل ثقتنا في جهودكم لدفع عجلة التنمية    أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء    «ليه رفعتوا الأسعار؟!».. مشادة على الهواء بين إعلامية وتاجر أسماك    البورصة تخسر 16 مليار جنيه في مستهل تعاملات أخر جلسات أبريل    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق بسبب الديون    حجم التبادل التجاري والاستثمارى بين مصر والكويت تزامنا مع زيارة الأمير للقاهرة.. بالأرقام    الجيش الأمريكي ينشر أول صور للصيف البحري الذي أقامه في غزة    مستشارة أوباما السابقة: أمريكا تسعى لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن    ريال مدريد في مهمه صعبة ضد بايرن ميونخ بدوري الأبطال    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي في الدوري الممتاز والقنوات الناقلة    عماد النحاس: الأهلي والزمالك سيخوضان مواجهات صعبة أمام الترجي ونهضة بركان    ماذا فعل "أفشة" مع كولر في غرفة الملابس بعد عدم مشاركته؟.. والمدرب يرفض معاقبته    بسبب منخفض السودان الموسمي.. «الأرصاد» تحذر من طقس الأيام المقبلة    هل ظهرت إصابات بالجلطات بين المصريين الحاصلين على لقاح استرازينيكا؟.. الصحة تجيب    وزير الإسكان: ندعم شركات القطاع الخاص في تنفيذ مشروعاتها بالسوق المصرية    محتمل إصداره أوامر باعتقال نتنياهو.. من هو كريم خان المدعي العام للمحكمة الدولية؟    خلال الاجتماع الثاني للمهندسين| عيسى: اللائحة وضعت لحماية المهنة.. و"ترك" يستعرض آليات تنفيذها    تأجيل محاكمة المتهم بدهس طبيبة بيطرية بسيارته بالتجمع الخامس    ضبط متهمين بالإتجار فى الأسلحة النارية في الفيوم وبحوزتهما 10 قطع سلاح نارى    أمن المنافذ يضبط 3 قضايا هجرة غير شرعية خلال 24 ساعة    لليوم الثاني على التوالي.. طلاب النقل بالقاهرة يؤدون امتحانات المواد غير المضافة للمجموع    أخلاقنا الجميلة.. «أقصى درجات السعادة هو أن نجد من يحبنا فعلا يحبنا على ما نحن عليه أو بمعنى أدق يحبنا برغم ما نحن عليه»    الأحد والأثنين المقبلين إجازة للقطاع الخاص بمناسبة عيدى العمال وشم النسيم    أسترازينيكا: لقاح كورونا يسبب أثارا جانبية مميتة| فما مصير من تلقي اللقاح؟    وزير الإسكان: 131 ألف حجز ل1747 قطعة أرض بالطرح الرابع لبرنامج «مسكن»    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    مصادر: من المتوقع أن ترد حماس على مقترح صفقة التبادل مساء الغد    نجم الزمالك: الأهلي سيتوج بدوري أبطال إفريقيا    سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    النبي موسى في مصر.. زاهي حواس يثير الجدل حول وجوده والافتاء ترد    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    بسبب ثوران بركان جبل روانج.. إجلاء آلاف الأشخاص وإغلاق مطار دولى بإندونيسيا    مؤسسة ساويرس تقدم منحة مجانية لتدريب بحارة اليخوت في دمياط    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    هل يرحل مارسيل كولر عن تدريب الأهلي؟    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب شرق تايوان    اليوم.. استئناف فتاة على حكم رفض إثبات نسب طفلها للاعب كرة شهير    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    «مصر للصرافة» تجمع حصيلة من العملات تعادل 8 مليارات جنيه    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    تعرف على أفضل أنواع سيارات شيفروليه    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    "المصل و اللقاح" عن الأثار الجانبية للقاح "استرازينيكا": لا ترتقي إلى مستوى الخطورة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    بين تقديم بلاغ للنائب العام ودفاعٌ عبر الفيسبوك.. إلي أين تتجه أزمة ميار الببلاوي والشيح محمَّد أبو بكر؟    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن سلسلة غارات عنيفة شرق مخيم جباليا شمال غزة    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسامح ضرورة في زمن التوهان والاحتقان الطائفي
نشر في القاهرة يوم 31 - 08 - 2010

مع صيام المواطن المصري المسلم في شهر رمضان الكريم هذا العام، يصوم المواطن المصري المسيحي صوم السيدة العذراء، وفي نهاية صيام شهر رمضان يحتفل المسلم بعيد الفطر المبارك، وفي نهاية صوم العذراء يحتفل المسيحي بعيد السيدة العذراء.. ورغم افتعال حكاوي الجنوح الطائفي يظل هناك حالة حقيقية من الاندماج الإنساني والوطني والاجتماعي بين الناس في بلادي ..
لا شك أن السعي لتكريس قيم التسامح الديني بات ضرورة الوجود الإنساني والحياتي والمجتمعي سعياً إلي إنشاء حالة من الارتقاء والتقدّم والتنمية ..جاء في القرآن الكريم: «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» فالإنسان ابن مجتمعه ووطنه، فعلي أرضه وبين ناسه وحضارته وتاريخه يكتسب ملامح وجوده ..و" عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم وإن متّم بكوا عليكم ".
وفي المسيحية "سمعتم أنه قيل عين بعينٍ وسن بسنٍ وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً " (مت 5: 38، 39).. "
في كتاب بديع وهام للمفكر الفيلسوف سلامة موسي بعنوان "حرية الفكر وأبطالها في التاريخ " .. يقترب الكاتب الوطني من قيمة التسامح في الإسلام ..
يقول " من أحسن الكتب التي وضعت في اللغة العربية يدافع عن حرية الفكر والتسامح الديني . وقد حدثت بين المؤلف والشيخ محمد عبده مناقشة حادة بشأن التسامح في الإسلام والنصرانية يمكن القارئ الراغب في التزيد في هذا الموضوع أن يرجع إليها في الكتاب نفسه . ولكننا وجدنا فيه للشيخ محمد عبده دفاعاً عن الإسلام يحسن بنا أن نثبته هنا حتي يذكره القارئ وهو يقرأ ما نقلناه من الكتب التاريخية بشأن اضطهاد بعض الخلفاء لغير المسلمين من النصاري واليهود . قال الشيخ محمد عبده :
قال المستر دريبر أحد المؤرخين ومن كبار الفلاسفة : " إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصاري النسطوريين ومن اليهود علي مجرد الاحترام . بل فوضوا إليهم كثيراً من الأعمال الجسام ورقوهم إلي المناصب في الدولة حتي أن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة حنا بن ماسوية "وقال في موضع آخر : " كانت إدارة المدارس مفوضة مع نبل الرأي وسعة الفكر من الخلفاء إلي النسطوريين تارة وإلي اليهود تارة أخري .ولم يكن ينظر إلي البلد الذي عاش فيه العالم ولا إلي الدين الذي وُلد فيه بل لم يكن ينظر إلا إلي مكانته من العلم والمعرفة . قال الخليفة العباسي الأكبر المأمون : "إن الحكماء هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده لأنهم صرفوا عنايتهم إلي نيل فضائل النفس الناطقة وارتفعوا بقواهم عن دنس الطبيعة . هم ضياء العالم وهم واضعو قوانينه ولولاهم لسقط العالم في الجهل والبربرية ".
أطباء يهود ومعلمون مسيحيون
وقال في موضع آخر : " إن العرب زحفوا بجيش من أطبائهم اليهود ومؤدبي أولادهم من النسطوريين ففتحوا من مملكة العلم والفلسفة ما أتوا علي حدوده مملكة الرومانيين " ولست في حاجة إلي ذكر ما أسس الخلفاء والملوك من المدارس وأقاموا من المراصد وما حشدوا من الكتب إلي المكاتب لأن هذا خارج عن بحثنا الآن ... أذكر ممن اشتهر من الحكماء بالحظوة عند الخلفاء جيورجيس بن بختيشوع طبيب المنصور كان فيلسوفاً كبيراً علت منزلته عند المنصور، كانت له زوجة عجوز لا تشتهي فأشفق عليه المنصور وأنفذ إليه ثلاث جوار حسان فردهن وقال : "إن ديني لا يسمح لي بأن أتزوج غير زوجتي ما دامت حية " فأعلي مكانته حتي علي وزرائه . ولما مرض أمر المنصور بحمله إلي دار العامة وخرج إليه ماشياً يسأل عن حاله فاستأذنه الحكيم في رجوعه إلي بلده ليدفن مع آبائه . فعرض عليه الإسلام ليدخل الجنة فقال : " رضيت أن أكون مع آبائي في جنة أو نار" فضحك المنصور وأمر بتجهيزه ووصله بعشرة آلاف دينار ( وهو المنصور الدوانيقي المشهور بالإمساك وكرازة اليد ) وأوصي من معه بحمله إذا مات في الطريق إلي مدافن آبائه كما طلب . ثم سأله عمن يخلفه عنده فأشار إلي عيسي ابن شهلاثا أحد تلامذته . فأخذه المنصور مكان جيورجيس فطفق يؤذي القسوس والبطاركة ويهددهم بمكانه عند الخليفة لينال منهم رغائبه فشعر الخليفة بذلك وطرده .
وممن حظي بالمكانة العليا عند الخليفة المهدي تيوفيل ابن توما النصراني المنجم وكان علي مذهب الموارنة من سكان لبنان . وله كتب في التاريخ جليلة ونقل علي مذهب الموارنة من سكان لبنان . وله كتب في التاريخ جليلة ونقل كتاب أميروس إلي السريانية بأفصح عبارة ..
وممن ارتفع شأنه عند الرشيد من الفلاسفة بختيشوع الطبيب وجبريل ولده ويوحنا بن ماسوية النصراني السرياني ( الذي تقدم أن الرشيد جعله مديراً لجميع مدارس بغداد ) . ولاه الرشيد ترجمةالكتب القديمة طبية وغيرها وخدم الرشيد ومن بعده إلي المتوكل . وكان يعقد في داره مجلساً للدرس والمناظرة ولم يكن يجتمع في بيت للمذاكرة في العلوم من كل فن مثل ما كان يجتمع في بيت يوحنا بن ماسوية ..
وممن علا قدره في زمن المأمون يوحنا البطريق مولي المأمون أقامه كذلك أميناً علي ترجمة الكتب من كل علم من علوم الطب والفلسفة . وكذلك ارتفع شأن سهل بن سابور وسابور ابنه وكانا نصرانيين . وولي سابور بن سهل مارستان جند يسابور..
وكان سلمويه بن بنان النصراني طبيباً عند المعتصم ولما مات جزع عليه جزعاً شديداً وأمر أن يدفن بالبخور والشموع علي طريقة النصاري ..
وكان بختيشوع بن جبريل عند المتوكل يوماً فأجلسه بجانبه وكان عليه دراعة رومية من الحرير بها فتق . فأخذ المتوكل يحادثه ويعبث بالفتق حتي وصل إلي النيفق وهو ما اتسع من الثوب . ودار الكلام بينهما حتي سأله المتوكل : بماذا تعلمون أن الموسوس يحتاج إلي الشد ؟ فقال بختيشوع : إذا عبث بفتق دراعة طبيبه حتي بلغ النيفق شددناه . فضحك المتوكل حتي استلقي .
وفي أيام المتوكل اشتهر حنين بن إسحق النصراني العبادي وهو من أشهر المترجمين لكتب أرسطو وغيره . وامتحن المتوكل صدقه فظرت له عزيمة لا تقل فأقطعه إقطاعات واسعة . وكان قد عرف بفصاحة العبارة وحسن الترجمة في زمن المأمون وهو فتي، فكلفه بترجمة الكتب وكان يعطيه وزن ما يترجم ذهباً . وكان بينه وبين الطيفوري النصراني محاسدة أفضت إلي طلب الحكم علي حنين في مجلس الأساقفة بالحرم من الكنيسة فمات غماً لاضطهاد أهل طائفته له مع عزته وعلو قدره عند الخليفة . وهذا الطيفوري أيضاً كان من المقربين عند الخلفاء ..
وممن ارتفع شأنه عند الخلفاء والخاصة والعامة في زمنه أيام خلافة الراضي متي بن يونس المنطقي النصراني النسطوري كان متفنناً في جميع العلوم العقلية أخذ عنه أبو نصر الفارابي وانتهت إليه الرياسة في بغداد. وكان من أهل دير قني ونشأ في مدرسة مار ماري وقرأ علي روفائيل وبنيامين الراهبين اليعقوبين .
ومن المقربين عند الخلفاء قسطا البعلبكي من فلاسفة دولة الإسلام وهو نصراني طلبه الخلفاء إلي بغداد لأجل الترجمة . ثم يحيي ابن عدي بن حميد بن زكريا المنطقي انتهت إليه الرياسة ومعرفة العلوم الحكيمة في وقته وقرأ علي متي بن يونس وعلي أبي نصر الفارابي ..
ومنهم أبو الفرج بن الطيب فيلسوف عالم . قالوا كان كاتب الجاثليق متميزاً في النصاري ببغداد . وكان يقرئ صناعة الطب في المارستان العضدي وكان معاصراً للشيخ الرئيس بن سينا والرئيس يمدح طبه ولا يحمد فلسفته وله كلام فيه..
وممن كانت له المكانة الرفيعة عند الخلفاء والخاصة والعامة ثابت ابن قرة الحراني الصابئ المعروفة . تربي في بيت محمد بن موسي بن شاكر الفلكي المشهور . وبلغ من علوم الفلسفة مبلغاً لم يدانه فيه غيره وله تآليف كثيرة في المنطق والطب والرياضيات وبلغ عند المعتضد مُقاماً تقدم فيه عنده علي وزرائه . ووُلد ثابت هذا سنة إحدي عشرة ومائتين بحران . ثم كان ابناه ابراهيم وسنان صابئين ولهم من المنزلة ما علمت ومدحهم كثير من شعراء المسلمين وهم صائبة ..
وهنا ينتهي اقتباس سلامة موسي واختياراته من كلام الشيخ محمد عبده ومنه يري القارئ شيئين :
1 . تسامح الخلفاء ورعايتهم للعلماء النصاري
2 . تشجيعهم للعلوم
البابا شنودة يكتب للهلال
في ديسمبر 1970 خصصت مجلة «الهلال» عدداً كاملاً عن القرآن .. ورأت أن تستكتب فيه البابا شنودة ليعرض فيه وجهة نظره ويسرد علاقته بالقرآن الكريم.. وبالفعل ساهم البابا في العدد بمقال عرض فيه لوقع الحديث عن السيدة مريم والنصاري في آيات القرآن الكريم.. وهذا هو نص المقال الذي يعتبر من الوثائق المهمة في حياة وتاريخ البابا شنودة: «تعرض القرآن للمسيحية.. شرح كيف أنها ديانة سماوية، ديانة إلهية، أرسلها الله هدي للناس ورحمة، علي يد المسيح بن مريم. والمؤمنون بالمسيحية سجل القرآن أن لهم أجرهم عند ربهم، وأنهم غير المشركين وغير الذين كفروا.. وقال أيضاً.. إنهم أقرب الناس مودة إلي المسلمين، وإنهم متواضعون لا يستكبرون. وشخص المسيح له في القرآن مركز كبير. إنه كلمة الله، روح منه. ولد بطريقة عجيبة لم يولد بها إنسان من قبل ولا من بعد، بدون أب جسدي، ومن أم عذراء طهور ولم يمسها بشر. ومات ورفع إلي السماء. بطريقة عجيبة حار فيها المفسرون والعلماء علي الأرض يهدي الناس، ويقوم بمعجزات لم يعملها أحد مثله. وقد هدي الناس عن طريق تبشيرهم بالإنجيل. والإنجيل له مكانة عظيمة في القرآن الذي كان مصداقا له وداعيا الناس إلي الإيمان به. ولم يذكر القرآن إطلاقاً أنه نسخ التوراة أو الإنجيل، بل علي العكس ذكر أن المؤمنين ليسوا علي شيء حتي يقيموا التوراة والإنجيل. وللعذراء مريم أم المسيح مركز ممتاز في القرآن، في بتوليتها وطهرها ونسكها وعبادتها وتشريف الله لها واصطفائها علي نساء العالمين. وقد تحدث القرآن أيضاً عن الحواريين تلاميذ المسيح. وتحدث عن بعض العقائد المسيحية.. وهنا يظهر الخلاف بينه وبين المسيحية. شيء من ذلك خلاف حقيقي، وشيء آخر لا يمكن أن نسميه خلافاً وإنما هو محاربة لبعض البدع الدينية التي كانت سائدة وقتذاك، والتي تحاربها المسيحية أيضاً، والتي لم تكن في يوم من الأيام من عقائد المسيحية كما يخطئ البعض في الفهم والتفسير، وما أكثر المِلل التي تقوم في كل جيل، يحارب أخطاءها أولياء الله الصالحون وسنعرض لكل هذا بالتفصيل. نظرة القرآن إلي النصاري: يدعوهم القرآن «أهل الكتاب» أو «الذين أوتوا الكتاب من قبلهم» أو «الذين آتيناهم الكتاب» أو «النصاري». ويصفهم القرآن بالإيمان وعبادة الله، وعمل الخير. ويقول في ذلك (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين). «سورة آل عمران 113، 114». ويقول أيضا: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوتة. أولئك يؤمنون به) «سورة البقرة 121». (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله). «سورة النساء 131». (الذين آتيناهم الكتاب من قبله، هم به يؤمنون). «سورة القصص 52». هم إذن من المؤمنين، يعبدون الله ويسجدون لله وهم يتلون آيات الكتاب طوال الليل. يؤمنون بالله وبالكتاب واليوم الآخر، وهم من الصالحين ولذلك أمر القرآن بمجادلتهم بالتي هي أحسن. وفي ذلك يقول (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليهم وإلهنا وإلهاكم واحد، ونحن له مسلمون) «سورة العنكبوت 46». ولم يقتصر القرآن علي الأمر بحسن مجادلة أهل الكتاب بل أكثر من هذا: وضع القرآن النصاري في مركز الإفتاء في الدين فقال: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك، فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك) «سورة يونس 93». وقال أيضاً: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) «سورة الأنبياء 7». ووصف القرآن النصاري بأنهم ذو رأفة ورحمة: وقال في ذلك (وقفينا بعيسي بن مريم، وأتيناه الإنجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة) «سورة الحديد. 27». واعتبرهم القرآن أقرب الناس مودة للمسلمين، وسجل ذلك في سورة المائدة حيث يقول: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود، والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري. ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون) «سورة المائدة 82». ونلاحظ في هذه الآية القرآنية تمييز النصاري عن الذين أشركوا. لأنها هنا تذكر ثلاث طوائف واجهها المسلمون، وهي اليهود والذين أشركوا في ناحية، والنصاري في ناحية أخري. فلو كان النصاري من المشركين، لما صح هذا الفصل والتمييز. إن التمييز والفصل بين النصاري والمشركين أمر واضح جداً في القرآن.. ولا يقتصر علي النص السابق، وإنما سنرد هنا أمثلة أخري.. منها قوله: (إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئين، والنصاري، والمجوس، والذين أشركوا. إن الله يفصل بينهم يوم القيامة) «سورة الحج 17». نفس هذا التمييز نجده في الآية 186 من سورة آل عمران، ونجده واضحاً «في قوانين التزويج المشترك». وفي قوانين الجزية. ولا يتسع المجال في هذه العجالة لبحث مثل هذا الموضوع الواسع. علي أنني سأعود إلي التكلم فيه في نهاية هذا المقال، أما الآن فيكفي في نظرة القرآن إلي إيمان النصاري أن نورد قوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) «سورة البقرة 62»، وقوله. تعالي: (الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصاري من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) «سورة المائدة 69».
نظرة القرآن إلي الإنجيل
يري القرآن أن الإنجيل كتاب مقدس سماوي منزل من الله تجب قراءته علي المسيحي وكل من آمن بالله. فيقول: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه. وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدي للناس) «سورة آل عمران 3،4». ويقول أيضاً: (وقفينا علي آثارهم بعيسي بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدي ونور، ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدي وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون. وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) «سورة المائدة 4648». وكون القرآن مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، فهذا يعني صحة الإنجيل والتوراة وسلامتهما من التحريف. وإلا فإنه يستحيل علي المسلم أن يؤمن بأن القرآن نزل مصدقاً لكتاب محرف. كذلك لو كان التوراة والإنجيل قد لحقهما التحريف، ما كان يأمر قائلاً: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). بل ما كان يصدر أيضاً الأمر (قل يا أهل الكتاب لستم علي شيء حتي تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم). «سورة المائدة 68». وما أكثر الآيات القرآنية التي تسجل أن القرآن نزل مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، يطول بنا الوقت إن حاولنا أن نحصيها.. وما أكثر الآيات القرآنية التي تدعو إلي الإيمان بالإنجيل والتوراة، نذكر منها غير ما سبق: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل علي رسوله، والكتاب الذي أنزل من قبل، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. فقد ضل ضلالاً بعيداً). «سورة النساء 136». ونلاحظ في هذا النص أنه قال: (كُتبه) ولم يقل كتابه. فيجب الإيمان بجميع الكتب الإلهية التي أرسلها هدي ونوراً وموعظة للمتقين.. وقد ورد في سورة البقرة عن أهمية هذا الإيمان (الذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون) «البقرة 4،5» (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي والنبيون) «البقرة 136» وقوله تعالي: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل علي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي والنبيون من ربهم) «آل عمران 84». (لستم علي شيء حتي تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) «سورة المائدة 68». اقتصر الآن علي هذا القدر القليل وقبل أن أترك هذه النقطة أقول إن كل ما سبق ينفي بأسلوب قاطع الفكرة الخاطئة التي ظنها البعض وهي أن القرآن نسخ التوراة والإنجيل!! من المحال أن يكون ناسخاً لها في الوقت الذي يدعو إلي الإيمان بهما ويحذر من إهمال ذلك. ملاحظة أخيرة أنبه القراء.. وهي أن القرآن.. في كل سوره وآياته عندما يذكر الإنجيل، وإنما يعني الإنجيل الذي بشر به المسيح. ولم يرد في القرآن حرف واحد عن ذلك المؤلف المزيف الذي أسماه كاتبه (إنجيل برنابا). إن اسم برنابا هذا غير موجود علي الإطلاق في القرآن. كما أن كثيراً من تعاليمه ومعلوماته متنافية ومناقضة لتعاليم القرآن. في سنوات دراسته الأولي كان البابا شنودة يدرس الإسلام في مقررات التاريخ بمناهج التعليم.. لم يكن أي فارق بين المسلم والمسيحي في ذلك.. كان يتم استذكار مادة التاريخ الإسلامي كمادة مقررة ويؤكد البابا شنودة ما هو أكثر من ذلك يقول: قرأت القرآن في سنواتي الأولي وقد أثر علي لغتي.. وبعد ذلك كنت معجبا بمكرم عبيد كرجل نزاهة ورجل فصاحة ولغة.. ومعروف أن مكرم عبيد قرأ القرآن.. ودرسه وحفظه، وكان من كبار الخطباء والبلغاء في عصره.. ليس هذا فقط فأثناء زيارات البابا شنودة إلي الخارج يحرص علي زيارة المساجد والمراكز الإسلامية والالتقاء بشيوخها، ويقول: في استراليا أذكر أني وجدت الأقباط يريدون تكوين اتحاد لهم فقلت: يجب أن يكون هذا الايحاء للمصريين المهاجرين جميعا مسلمين وأقباط واتفقنا علي أن تكون الاجتماعات في مقر جمعية أبوبكر الصديق وأن يكون المنسق هو باسيا ميوس ممثل الجمعية القبطية.. وفي سوريا زرت مسجد أبوالنور في دمشق وألتقيت فيه بالشيخ أحمد قفتارو مفتي سوريا والقيت محاضرة كان لها طابع الدين والسياسة معا، وكان المسجد ممتلئا وهو من سبعة طوابق، كان الحاضرون 120 ألفا من المسلمين واستقبلوني مع الآباء البطاركة والمطارنة بترحيب كبير.. وهذا ما حدث أيضا في لبنان.. حتي أن المفتي قال لي: إنت لست بابا الأقباط.. إنت بابا العرب.
عشرة أسباب لانتشار التعصب
واتفق مع أيمن عبد الرسول الكاتب والباحث في مجال الحريات الدينية، في تحديده عشرة أسباب لانتشار التعصب-نقيض التسامح- في المجتمع المصري :
1- الجهل و عدم وجود فرص الاتصال بين الجماعات المختلفة مستشهدا بانتشار التعصب في صعيد مصر و السودان (ضد الأقباط و الجنوبيين و سكان دارفور) حيث يوجد أكبر مخزون من الأميين في العالم العربي.
2- حجم و نمو الأقلية موضوع التعصب، فكلما زاد حجم الأقلية و معدل نموها وتوزيعها الجغرافي يزداد التعصب تجاهها.
3- تزداد الاتجاهات التعصبية تجاه الآخرين عند وجود أخطار خارجية تهدد جماعة داخلية ما.
4- يزداد التعصب مع وجود تباين حاد في المظهر أو الممارسات العقائدية بين الجماعات التي تكون المجتمع، فالمجتمع المتجانس يقل به التعصب مقارنة بالمجتمعات التعددية .
5- يزداد التعصب في المجتمعات التي بها حراك اجتماعي قوي أو منافسة شديدة في ميدان العمل.
6- يزداد التعصب في المجتمعات الفقيرة و كلما كان التغير الاجتماعي سريعا، وهذا يفسر نسبيا انتشار التعصب في صعيد مصر خلال السنوات ال 20 الأخيرة .
7- الأفكار النمطية الجامدة السلبية تجاه الآخر تزيد من حجم التعصب تجاهه .
8- العوامل الثقافية مثل الإعلام تلعب دورا كبيرا في تزكية الاتجاهات التعصبية، فقوة وسائل الإعلام السلفي المتعصب المدعوم بالبتر ودولار تؤدي إلي تعميق التعصب و الكراهية بين السنة وغيرهم من الأقليات الدينية و المذهبية ،و هناك من يري أن الإعلام الشعبي و حتي الرسمي في مصر هو السبب الأول في نمو الاتجاهات التعصبية العنيفة تجاه الأقباط .
9- التنشئة الاجتماعية المبكرة من خلال الاتصال بأفراد متعصبين خاصة الوالدين و الأقارب و المدرسة ،و أحيانا يتولد التعصب خلال الاتصال بموضوع التعصب مثل الطفل الذي يلقي معاملة مهينة من زملاء له ينتمون لدين أو مذهب آخر فيتولد لديه كراهية لكل الآخرين .
10- دور العولمة الثقافية في تزايد التواصل الثقافي بين التجمعات البشرية المختلفة، ونمو إحساس الثقافات الأضعف ماديا بأنها معرضة للضياع والذوبان في غيرها .
في النهاية، ومع كل الظروف والمتغيرات التي نعيشها، ومهما كانت سلبياتها، لا أري مبرراً لليأس والاحباط بقدر ما ينبغي أن تشكل الظروف والاحتقانات الطائفية قوة دافعة للعمل المشترك لترسيخ قيم التسامح والتعايش الكريم بين الناس في بلادي صاحبة الحضارة والتاريخ العظيم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.