التحم ختام صيام السيدة العذراء وعيدها للأقباط مع غرة شهر رمضان المعظم لأشقائهم المسلمين في دلالة ربانية موحية بحب الله سبحانه وتعالي لهذه الأرض المباركة وهذا الشعب العظيم الذي ذكر في كل كتبه المقدسة من توراة وإنجيل وقرآن. ولا أعتقد أنه يوجد شعب في العالم يتميز عن الشعب المصري في علاقته بالأصوام، فنجد وفق كتاب - فقه السنة - العبادات، المجلد الأول: أن المسلمين يصومون بالإضافة إلي شهر رمضان المعظم: ثلاثة أيام في شهر شعبان (13-14-15) ووقفة عرفات يزيدون اختياريا إلي عشرة أيام، وفي شوال الستة أيام البيض، وأول ونصف السابع والعشرين من رجب، بالإضافة إلي (104) أيام اختياريًا وهم الاثنين والخميس ليصل الإجمالي ما بين (147) يومًا يزيد اختياريًا إلي (201) يوم. أما الأقباط فيصومون خمسة وخمسين يومًا هي الصيام الكبير وثلاثة أيام واثنين وأربعين يومًا الصيام الصغير، وأربعين يومًا هي صيام الرسل، وخمسة عشر يومًا هي صيام السيدة العذراء من الممكن أن يزيدوا اختياريا إلي واحد وعشرين يومًا، إضافة إلي الأربعاء والجمعة إلي (256) يومًا كل عام واختياريا (266) يومًا في العام. ومن ثم نجد أن إجمالي صوم المصريين (406) أيام في العام وفي حالة الزيادات التطوعية تصل إلي (467) يومًا من (365) يوما هي أيام السنة. أي أن الشعب المصري تتجاوز فيه سنة الصيام أيام العام بأكثر من 100 يوم! ولم يدرس أحد هذه العلاقة بين المصريين والصيام من منظور حضاري واجتماعي.. تري هل هي حب أو خوف من الله سبحانه وتعالي؟ أم أن الأمر ارتبط بتكرار شدة المظالم التي وقعت علي المصريين علي مر العصور فلم يعد أمامهم من ملاذ آمن سوي اللجوء لله سبحانه وتعالي؟ أم أن قيم الحرمان النسبي والتحديات الجسورة الاجتماعية دفعتهم إلي ازدياد قدرتهم في الانقطاع عن الطعام.. كل هذه الأسئلة المشروعة وما يمكن أن يضاف لها من ارتباط الأصوام روحيا ودينيا وحضاريا بالهوية المصرية. فالمصريون المسلمون من أهل السنة ولكنهم يصومون عاشوراء ويحبون أهل البيت ويتقربون من الأعتاب. والصيام كذلك ليس سرا من أسرار الكنيسة القبطية لكنه يرقي في الحياة الروحية للأقباط إلي مرتبة السر. والمصريون جميعًا مسلمين وأقباطا يؤمنون بشفاعة الرسل وأولياء الله الصالحين والقديسين.. رغم تعرض مصر مرارًا وتكرارًا للنقد من الجماعات السلفية تجاه هذه الظاهرة.. والتي يضاف إليها زيارة الأضرحة والقبور، فقط المصريون أيضًا الذين يطلقون علي أبنائهم عبد النبي عبدالرسول عبدالمسيح.. وفي بعض البلدان يثير ذلك حفيظة المتشددين! والطرق الصوفية في مصر وفق بعض الإحصائيات يتراوح أعداد المنضوين في صفوف ما بين السبعة والتسعة ملايين، ومصر أيضًا هي التي أسست الرهبنة في المسيحية عن طريق الأنبا أنطونيوس وعبرها انتشرت الرهبانية شرقًا وغربًا. والمصريون مسلمين وأقباطا يحتفلون سنويًا بما يزيد عن المائة مولد واحتفالية بولي أو قديس أو قديسة إضافة إلي الأذكار التي يذكر فيها اسم الله وتروي قصص السلف الصالح. أن هذه الهوية الروحية لأبناء الشعب المصري العظيم بما لها وعليها لا يمكن أن تؤطر أو تحتكر في جماعة دينية إسلامية كانت أم مسيحية!! في مصر أو في المهجر.. هذا النيل الذي يفيض روحيا ووجدانيا وإنسانيا ليزيح القهر والكرب عن مصر كل مصر حماها الله لن يقدر أحد فوق الأرض أو تحتها أن يحتكره أو يحتويه أو يضمه في جماعة أي جماعة.. وكل سنة وأنتم طيبون.